حلاق عراقي يبدع في رسم لوحات مستخدما قصاصات شعر زبائنه

رسام من العراق يقدم لوحاته بأسلوب جديد ومتميز.
الثلاثاء 2024/05/14
إبداع وتميز

بغداد - يحلم الحلاق العراقي حسين فالح بعرض أعماله الفنية في أحد المعارض يوما ما. وما يميز أعماله هو أنه يصنعها من قصاصات الشعر التي يجمعها من زبائنه.

ويقول فالح (30 عاما) إن عمله حلاقا على مر السنين علّمه فوائد أنواع الشعر المختلفة. وقال “حتى الشعر بدأت أدرسه، بدأت أعرف منطقة اللوحة التي يناسبها هذا الشعر أو ذاك، وذلك بمجرد أن أبدأ التخطيط، وحين أصل إلى مناطق الظل (على اللوحة) أستخدم نوعية الشعر المناسبة. وهذا الشيء ليس سهلا بالتأكيد، لأنه يأتي بعد تعب ومعاناة”.

وأضاف “أول شيء أقوم به هو غسل شعر الزبون، ثم أحلقه. وبعد ذلك، ومنذ أن يسقط شعره على الأرض، أبدأ بتنظيفه، حيث أدخله مرحلة تنظيف. وبالتالي أتحصل على كميات من الشعر أخزّنها لأستخدم بعضها في اللوحة”.

ويكرس فالح نفسه لكلتا الحرفتين، الحلاقة والرسم، إلى درجة أنه لا يستخدم المراوح أو مكيفات الهواء داخل محل عمله، رغم شدة حرارة الصيف في العراق، من أجل الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الشعر الذي يقصه.

وقال “في فترة الصيف لا أستخدم مروحة ولا وسيلة تبريد أخرى، إلى درجة أني أكاد أختنق من شدة الحر، وأصل حتى مرحلة أكتم فيها الأنفاس، لأن أي هواء سيطير الشعر باعتباره مادة خفيفة. ولهذا السبب إذا تطاير الشعر يجب أن تتم إعادة رسم اللوحة بالطريقة نفسها التي كانت عليها”.

الحلاق يكرس نفسه للحرفتين، وهو لا يستخدم المراوح أو مكيفات الهواء داخل محل عمله، للحفاظ على الشعر المقصوص

وأضاف أن أعماله الفنية تحظى بإعجاب الكثيرين الذين يشجعونه على الاستمرار في إنجازها.

وتابع “بدأ الناس يقولون لي: إذا احتجت إلى شعر نحضره لك. والبعض الآخر يقول لي: إذا قمنا بقص الشعر أو حلقنا فهو ليس خسارة لأنه سوف يصبح لوحة فنية، ونحن نفتخر بك لأنك تعمل في هذا المجال. وهناك أناس يعاملونني بلطف قائلين لي: هذا الشعر الخاص بنا كم تدفع من النقود مقابله؟”.

ووصف كمال محي (46 عاما)، وهو أحد زبائن فالح، أعماله بأنها إبداعية ومميزة.

وقال “إنه مبدع بطريقة جديدة. وأنا تاجر لوحات ومهندس ورسام. والطريقة التي يعمل بها أستاذ حسين طريقة مميزة جدا. وهذا المتبقي من الشعر بعد الحلاقة يحوله إلى لوحات فنية. وهو متمكن جدا من هذه الحرفة”.

ويعرض فالح حاليا أعماله الفنية على جدران محل الحلاقة الخاص به في بغداد. وفي محله الصغير الكائن في أحد أحياء بغداد يرسم الكوافير فالح لوحات فنية رائعة، بلا فرشاة ولا ألوان، مستخدمًا بقايا شعر زبائنه.

ويقول فالح إنه يحب الرسم منذ صغره حيث كان يرسم مستخدمًا الورقة والقلم، وبسبب حبه للتميز توصل إلى طريقته الفريدة في رسوماته، فهو يرسم أدق التفاصيل، حيث جاءته الفكرة يومًا ما وهو يقوم بتنظيف محله، فرسم صورة لفتاة في مخيلته وقام بتنفيذها على أرضه، مستخدمًا ما تبقى من شعر الزبائن، وهذا ما شجعه على الاستمرار في نهجه الذي ابتكره، خصوصًا أنه، كما يقول، يمتلك موهبة تجعله يحوّل أبسط الأشياء إلى لوحات فنية، من بقايا الشعر إلى حبوب البن والفواكه.

وإثر سؤاله عن أكثر الرسوم متعة أجاب بأنه “الرسم بالراشي (الطحينة) وعسل التمر رغم صعوبتهما والتركيز المطلوب فيهما لأنهما من المواد السائلة، لكن الرسم بهما يبقى المفضل لديه”.

وتخليدًا لذكرى لاعب كرة السلة العالمي كوبي براينت، الذي توفي جراء تحطم الطائرة المروحية التي كان على متنها، نفذ فالح أكبر لوحة بالشعر على ملعب لكرة السلة وعلى مساحة 28 ضارب 15 مترًا، واستغرق العمل فيها شهرًا كاملًا.

وتتنوع اللوحات التي يرسمها الفنان الشاب، حيث يجسد في بعضها صورا لشخصيات مشهورة وبعضها الآخر لحيوانات متنوعة مع التزامه بأدق التفاصيل فيها، مثيرا بذلك إعجاب الآلاف من المتابعين عبر حسابه في إنستغرام الذين يحرصون على تقديم الدعم المعنوي له لمتابعة موهبته وتطويرها.

عمل فني مبتكر
عمل فني مبتكر

وعن سبب لجوء فالح إلى الشعر قال إنه “لجأ إلى استخدام هذه الوسيلة في تجسيد لوحاته حبا في التميز عن غيره ولتخصيص لون فني خاص به يرتبط باسمه هو”.

وقالت المختصة في الفنون التشكيلية والرسم نضال إيليا إنه “من المبهر أن نرى رساما من العراق يقدم لوحاته بأسلوب جديد ومتميز مستخدمًا الشعر كمادة أساسية”، وهو ما دفعها إلى تأمل لوحاته التي مزج فيها الواقع بالخيال ليقدم صورًا كأنها حقيقية، ما يجعل المشاهد يعيش مع لوحاته وصور الخيال المتداخل مع الواقع.

ويحضّر فالح حاليًا لإقامة معرضه الأول الذي سيضم مجموعة كبيرة من رسوماته، وذلك بلصق الشعر مستخدمًا مادة سرية من ابتكاره، وهو يأمل أن يكون للمعرض صدى واسع على النطاق المحلي والدولي.

وكان الفنان الإيطالي غصيبي أرتيمبولدو، من القرن الـ16، أول من رسم الوجوه مستخدمًا اللحوم والفواكه والخضروات والزهور، عقب نقلها على القماش بعد ذلك. أما فالح فهو يعتمد بقايا الشعر كمادة أساسية لكنه لا يرسم لوحات وبورتريهات عالمية، بل يعتمد خياله الخصب في رسم لوحات مؤقتة سرعان ما تختفي بعد أن يلتقط لها الصور.

ويقول الرسام والناقد الفني عامر الجازع إن فالح كسر قاعدة الإبداع والابتكار، واستطاع من خلال فنه الفطري تشكيل لوحات تختلف عن المألوف، سواء أكان ذلك بالألوان الزيتية أم برسوم الفحم أم بالألوان المائية، فهو يطوّع أشياء بسيطة ويحولها إلى فن بديع.

ويتابع الجازع أنه بغضّ النظر عن أن أرتيمبولدو مثلًا يرسم وينحت بالمأكولات والفواكه، تبقى أعماله مألوفة، أما الرسم بالشعر وتحويله إلى لوحات فنية فهذا هو الجديد. ويضيف أن “فالح فنان متجدد يمتلك من الحس الفني الكثير، ورسم لنفسه لونًا خاصًا في الأوساط الفنية محليًا ودوليًا”.

16