حكومة ما يطلبه المستمعون

يقول الرئيس الدكتور برهم صالح إن هذه هي المرة الأولى في تاريخ العراق التي يتم فيها اختيار مرشح لرئاسة الوزراء بقرار عراقي خالص، دون وصاية خارجية من أي نوع، على الأقل منذ العام 2003 وحتى اليوم.
ورغم أننا لا نشك في صدق الرئيس وسلامة نواياه الوطنية وحرصه على عدم جعل العراق ساحة صراع إقليمي ودولي، ولا في بذله كل ما تسمح له به صلاحياته التي حددها الدستور، وأكثر أحيانا، ولا في شجاعته التي لم تجعله يخضع لتهديد أو وعيد، خصوصا من أشقياء الميليشيات “الوقحة”. ولكن، ورغبة في الجدال لا أكثر، نسأل السيد الرئيس؛ ألم يأت ترشيح مصطفى الكاظمي بتزكية من هادي العامري ونوري المالكي وفالح الفياض؟ أي من إسماعيل قآني؟ أي من النظام الإيراني؟ أي من المرشد الأعلى علي خامنئي بشحمه ولحمه؟
ثم ألم يحضر حفل الترشيح دهاقنة سنة ولاية الفقيه، وسنة أميركا، وسنة السعودية، وسنة تركيا؟
وألم يحضر الحفل كاكه فؤاد حسين مندوبا عن كاكه مسعود؟ وأليس هذا يعني تزكية من “السي آي أي” ومايك بومبيو؟ ثم من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وليس سواه؟
ولو وضعنا مسألة استقلالية مجيء الترشيح بدون وصاية أجنبية، ودققنا في الذي سوف يأتي على يد رئيس الوزراء الجديد، وسألنا، هل يمكن أن ينال ثقة برلمان هادي العامري ونوري المالكي وأسامة النجيفي وخميس الخنجر ومسعود البارزاني وورثة الراحل جلال الطالباني، إذا لم يركع للسفراء العراقيين لدول إيران وأميركا والسعودية وتركيا، ويشكل وزارته وفق حصصها المقننة التي لا وزارة يمكن أن تمر بدون احترامها وعدم المساس بها؟
والأهم من كل ذلك هو المكلف نفسه، ومواصفاته الشخصية، وقدرته على خلافة نوري السعيد وعبدالكريم قاسم وعبدالرحمن البزاز ومحمد فاضل الجمالي، وليس إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبدالمهدي.
إن مشكلة رئيس وزرائنا المكلف مصطفى الكاظمي أنه تلميذ نجيب من تلاميذ رئيس وزرائنا الأسبق حيدر العبادي الذي كان بعشرين لساناً، وبعشرين قلبا وبعشرات الوجوه. ونخشى أن يتخذ من أستاذه قدوةً حسنة، فيصبح مثله، يقدم رِجلا ويؤخر أخرى، فيكون مرة مع المحاصصة الطائفية، ومرة ضدها، مع نوري المالكي وضده، مع الائتلاف “الوطني” وليس معه، مع أميركا وليس معها، ومع إيران وليس معها، مع السنة وليس معهم، مع الحشد الشعبي وليس معه، مع السيد مقتدى الصدر وليس معه، مع عمار الحكيم وليس معه، مع الأكراد وليس معهم، مع تركيا وليس معها، ومع السعودية وليس معها، حسب الطقس واتجاه الريح وما تأمر به الظروف.
أما الذي بدا، لحد الآن، وقبل أن يتم الكاظمي شهره الحرام ويكمل تشكيلة وزارته ويتوجه بها إلى البرلمان العتيد لينال منه البركات، هو أنه، في علاقاته الداخلية والخارجية، سائرٌ على سياسة أستاذه و”نسيبه” حيدر العبادي المعروفة بأنها سياسة “ما يطلبه المستمعون”. فهو، كما نرى ونسمع، يعد كل عدوٍ وكل صديقٍ بالأغنيةَ التي يحبها وتشرح قلبه للإيمان.
ويَصف أهلُ الفقه السياسي العراقي رئيسَ وزرائنا الجديد بأنه مائي، بلا طعم ولا لون ولا رائحة.
وتهون هذه الصفة الذميمة في سلوك الذي يفترض أن يكون رئيس الرؤساء ومدير المدراء لو كانت محصورةً فقط في الأمور الهامشية غير المهمة في حياة المجتمع، ولا تثير في أحدٍ من العراقيين خوفا على أمنه وحياته وكرامته ورزقه ومستقبل وطنه وأبنائه بعد عمر طويل. ولكن حين يجعل الرئيس من جُبنه ونفاقه وانتهازيته سياسةَ الدولة العليا، ومصدر قراراتها وقوانينها فذلك ما يجعل الحياة جحيما، بل أكثر من جحيم. ولنا في عهود إبراهيم الجعفري وحيدر العبادي وعادل عبدالمهدي أمثلة من أسوأ ما كان، وأوسخ ما يكون.
كل هذا ونحن لم نتحدث عن المواصفات والمؤهلات الشخصية للزعيم الجديد مصطفى الكاظمي التي لا تبشر بخير.
فهو، كما يبدو، ضعيف الشخصية، وليس الرئيس الشديد “الحمش”، ولا يجيد الخطابة المطلوبة في الزعامة لتخدير الجماهير.
وهو، فوق هذا وذاك، ليس أقل سباحةً في الأحلام غير القابلة للتحقيق، ولا أقل إغداقا على الجماهير بالوعود التي لا يسمح الواقع المهترئُ العقيم الحالي بالوفاء بها، تماما كما كان حال سلفه عدنان الزرفي الذي جعل الشط مرقا والزور معالق، ثم لم يَطُل عنب اليمن ولا بلح الشام. فلا هو أرضى المنتفضين، ولا أراح أعداءهم حملة المسدس الكاتم وأصحاب الملايين.
يقول مصطفى الكاظمي، ويردد معه كثيرون آخرون من فرسان المنطقة الخضراء، لمغازلة ثوار التحرير التشرينيين، “إن العراق يستحق حياة أفضل وأكرم وأكثر كرامة”. ونرد عليه وعليهم ونقول، نعم، ولكن متى هذا الوعدُ إن كنتم صادقين؟