حكومة بزشكيان تعكس الركود المؤسسي في إيران

وزراء بزشكيان سيواجهون صعوبة كبيرة في إيجاد الحلول التي يسعى إليها هو وخامنئي.
الخميس 2024/08/22
التغيير غير مرجح

طهران - وافق البرلمان الإيراني أمس الأربعاء على 19 وزيرا اختارهم الرئيس مسعود بزشكيان، وهو ما يفسح المجال أمام مجلس وزراء متعدد الأطياف للبحث عن توافق بعد جدل استمر لأيام، لكن محللين يرون أن الحكومة الجديدة تعكس الركود المؤسسي في إيران.

وفي 11 أغسطس، قدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قائمة مرشحيه الوزارية إلى البرلمان (مجلس الشورى) بعد حصوله على موافقة المرشد الأعلى علي خامنئي. وقامت الهيئة التشريعية التي يسيطر عليها المتشددون بمراجعة القائمة وصوتت على الحكومة الجديدة .

وعلى الرغم من أن بزشكيان لم يَعِد بأي تغييرات جذرية خلال حملته الانتخابية، إلا أنه أشار إلى أنه سيعتمد على أفراد أكثر خبرة لتشكيل حكومة فعالة قادرة على حل المشاكل طويلة الأمد، من بينها النمو الاقتصادي المنخفض والعزلة الدولية.

وقد ألقى بزشكيان باللائمة على المديرين غير الأكفاء وغير المؤهلين في القضايا الأخيرة التي تواجه البلاد، ووعد باستبدالهم بتكنوقراطيين من ذوي الخبرة وإضفاء الشفافية على الإنفاق الحكومي، ومحاربة الفساد – وهي القضايا نفسها التي أشار إليها خامنئي سابقاً كشروط مسبقة لتحسين الأوضاع على الصعيد الوطني.

وتحقق التشكيلة الوزارية الجديدة متطلبات “الخبرة”، حيث تضم مرشحين يبلغ متوسط أعمارهم ستين عاماً، وهو ما يُعد أكبر سناً بشكل ملحوظ من أعمار أعضاء مجلس الوزراء في الحكومة السابقة.

ويرى سعيد جولكار، وهو استاذ مشارك في جامعة كاليفورنيا في تقرير نشره معهد واشنطن أنه نظراً لعملية التعيين المتعثرة التي تم من خلالها اختيار هؤلاء المرشحين، والمؤسسات المتداعية التي سيرثونها، والموظفين غير المؤهلين الذين سينضمون إليهم، سيواجه وزراء بزشكيان صعوبة كبيرة في إيجاد الحلول التي يسعى إليها هو وخامنئي.

مؤسسات معطّلة

تفضيل النظام الإيراني للالتزام الأيديولوجي على الخبرة يجعل من غير المرجح أن يتمكن الرئيس الجديد من الحُكم بفاعلية

لا يتوقع معظم المراقبين أن يغيّر الرئيس الجديد السياسات الرئيسية للنظام أو الاتجاه الاستراتيجي، وقد أوضح بزشكيان نفسه منذ البداية أنه لا يريد اتخاذ هذه الخطوة حتى لو كان بإمكانه القيام بذلك.

ومع هذا، يأمل الكثيرون داخل إيران وخارجها أن يتمكن على الأقل من تخفيف أسوأ سلوكيات النظام وبناء حكومة أكثر كفاءة من خلال تعيين بيروقراطية أقل أيديولوجية وأكثر عملية.

لكن هذا الأمل غير واقعي على الأرجح. فتعزيز قدرة الدولة يتطلب الاستقلال المؤسسي، وتكافؤ الفرص، والتماسك الاجتماعي، وهي جميعها أمور غير قائمة في الجمهورية الإسلامية بعد مرور أكثر من أربعة عقود على تأسيسها.

وبعيداً عن تحقيق الاستقلالية، يَشْغل معظم البيروقراطية في الدولة متعصبون أيديولوجيون، يتم تعيينهم وترقيتهم رغم افتقارهم للخبرة، حتى مع تطهير التكنوقراطيين غير الأيديولوجيين بشكل مستمر. وفي ظل هذه الظروف، اختفت فكرة تكافؤ الفرص ذاتها.

وتحتوي الجمهورية الإسلامية عن شبكة معقدة من المؤسسات الحكومية المعطلة والعديد من الهيئات الإضافية، مع تركيز معظم السلطة في الهيئات غير المنتخبة.

وعلى مدى عقود من الزمن، كان الإيرانيون على دراية بأن هذه البنية يحددها خامنئي، الذي يمارس سلطة مطلقة على القرارات الاجتماعية والثقافية والعسكرية والخارجية للبلاد.

ويدعم الحرس الثوري هذه الأيديولوجية من خلال هيمنته على معظم مؤسسات صنع القرار في إيران، مما أدى إلى مبادرات متجذرة كالبرنامج النووي الذي استنزف مئات مليارات الدولارات من الاقتصاد وأدى إلى عقود من التوترات مع الغرب. وستقدم حكومة بزشكيان المشورة للمرشد والحرس الثوري، ولكن الرئيس الإيراني لن يغير حساباتهم أو يخفف قبضتهم الخانقة على المؤسسات الإيرانية.

إجراءات بزشكيان تُفاقم المشكلة

على الرغم من أن بزشكيان لم يَعِد بأي تغييرات جذرية خلال حملته الانتخابية، إلا أنه أشار إلى أنه سيعتمد على أفراد أكثر خبرة لتشكيل حكومة فعالة

يدرك الرئيس الجديد تماماً هذه الوضعية، ويبدو أنه اختار المضي قدماً في الحفاظ على الوضع الراهن بدلاً من معارضته. فمنذ أن تولى خامنئي القيادة في عام 1989، استحوذ على أهم جوانب عملية اختيار أعضاء الحكومة من خلال اختيار الوزراء الرئيسيين بنفسه أو إلزام الرؤساء بالحصول على موافقته المسبقة قبل تقديم أسماء معينة إلى البرلمان.

وتشمل هذه المناصب وزراء الخارجية والداخلية والاستخبارات، والوزيران المسؤولان عن التعليم العالي والتعليم العام، والمسؤول عن وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.

وفي الماضي، كانت الخلافات حول هذه المناصب أو السياسات التي حاول (هؤلاء الوزراء) تنفيذها تؤدي أحياناً إلى توترات سياسية بين الرئيس والمرشد الأعلى والهيئات غير المنتخبة.

وعلى العكس من ذلك، تشاور بزشكيان مع خامنئي بشأن جميع ترشيحاته لمجلس الوزراء منذ البداية.

وعلى الرغم من أنه فعل ذلك بهدف معلن وهو تقليل التوتر بين مؤسسات الدولة، إلّا أن هذا النهج كان يتعارض مع توصيات “المجلس الإستراتيجي للانتقال” لحملته الانتخابية، والذي تم تشكيله للبحث عن، واقتراح، مرشحين تكنوقراطيين.

وفي الواقع، من المرجح أن تؤدي عملية اختيار بزشكيان (لأعضاء مجلس الوزراء) إلى تقويض فاعلية حكومته، حيث طالما فضل خامنئي وأجهزة نظامه الولاء الأيديولوجي (“التعهد”) على الخبرة الفنية (“التخصص”) عند اختيار مديري النظام.

وسرعان ما أثارت بعض الترشيحات الأكثر أهمية للرئيس غضب أنصاره والمعسكر الإصلاحي الأوسع نطاقاً. فلمنصب وزير الاستخبارات، اختار الوزير الحالي سيئ السمعة إسماعيل خطيب؛ ولمنصب وزير الداخلية، رشح القائد في الحرس الثوري الإسلامي إسکندر مؤمني؛ أما وزير التعليم المقترح فهو علی رضا کاظمي، شقيق رئيس استخبارات الحرس الثوري. وقد دفعت هذه الترشيحات محمد جواد ظريف إلى الاستقالة من منصبه الجديد كنائب للرئيس للشؤون الإستراتيجية بعد أسبوع واحد فقط (من تعيينه)، واعتذاره للناخبين الذين صوتوا لبزشكيان.

البيروقراطية

التشكيلة الوزارية الجديدة تحقق متطلبات "الخبرة"، حيث تضم مرشحين يبلغ متوسط أعمارهم ستين عاماً

على الرغم من أن رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف يتمتع بعلاقة جيدة مع بزشكيان، إلّا أن معظم النواب الآخرين في المجلس أقرب إلى المعسكر المتشدد. ويشمل هؤلاء أعضاء “جبهة الصمود” وهي فصيل دعم خصم بزشكيان المتشدد سعيد جليلي في الحملة الانتخابية الرئاسية.

وسيضطر بزشكيان إلى الحفاظ على علاقات عمل مع أعضاء “الصمود”، الذين لا يزال بعضهم غير راضٍ عن قرار خامنئي بتسهيل انتخابه. وهذه الفجوة السياسية لا تؤدي إلّا إلى زيادة خطر الشلل (الذي قد يصيب) حكومة بزشكيان، تماماً كما حدث مع الحكومات الإصلاحية السابقة لحسن روحاني ومحمد خاتمي.

وعلاوة على ذلك، فإن الموافقة على تشكيل الحكومة ليست سوى جزء من السيناريو، إذ يحتاج الرئيس أيضاً إلى تعيين حوالي 900 وكيل وزارة وسفير ومحافظ إقليمي، إما بشكل مباشر أو غير مباشر.

ويتعين على أربع مؤسسات مختلفة الموافقة على مؤهلات هؤلاء المُعيّنين. ووفقاً لوثيقة مسربة من “مكتب الرئيس” في العام الماضي، تشمل هذه الهيئات كل من “محكمة التدقيق العليا”، و”الهيئة العامة للتفتيش”، ووزارة الاستخبارات، و”استخبارات الحرس الثوري”.

معظم المراقبين لا يتوقعون أن يغيّر الرئيس الجديد السياسات الرئيسية للنظام أو الاتجاه الاستراتيجي

وستقوم هذه الهيئات بمراجعة المؤهلات الأيديولوجية لكل معيّن، ومؤهلاته الأمنية، وولائه السياسي والأيديولوجي للنظام، بالإضافة إلى أي تاريخ من الاختلاس أو عمليات الفساد الأخرى. ويضمن الطابع الأيديولوجي للأجهزة الأمنية تصفية فعالة للمعارضين وتفضيل الموالين المخلصين.

وتم تنفيذ عملية التدقيق هذه على جميع المستويات البيروقراطية لعقود من الزمن، وخاصة الإدارة الوسطى. وتتضمن كل وزارة وغيرها من الهيئات الحكومية الرئيسية مكتبين للتدقيق السياسي: “گزینش” (الاختيار) و”حراست” (الحماية). وتم إنشاء هذه المكاتب لضمان اختيار المتعصبين للنظام ومنع “الاختراق” من قبل المرشحين الذين يفتقرون إلى الالتزام الديني والأيديولوجي المطلوب (سواء كان حقيقياً أو متظاهراً به).

ومن خلال استناد معايير التدقيق على جوانب لا تتعلق بالمناصب التي يتم شغلها، ومن خلال استبدال الخبراء بشكل متكرر بولاء غير مؤهلين، أضعف النظام بشكل كبير البيروقراطية الحديثة التي تم إنشاؤها خلال عهد بهلوي. وتجدر الإشارة إلى أن التهميش الواسع النطاق وطرد الخبراء التقنيين الأكفاء جعل من الصعب على أي حكومة تنفيذ حتى السياسات الحكومية البسيطة بشكل فعال.

وبدأت هذه الممارسة في الأيام الأولى للجمهورية الإسلامية، عندما قام النظام بسرعة وبشكل شامل باستبدال خبراء ما قبل الثورة بثوريين خُمينيين عديمي الخبرة.

الجمهورية الإسلامية تحتوي عن شبكة معقدة من المؤسسات الحكومية المعطلة والعديد من الهيئات الإضافية

وفي أعقاب الحرب الإيرانية العراقية ووفاة آية الله روح الله الخميني، حاول رؤساء مثل أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي حل هذه المفارقة ما بعد الثورة من خلال توظيف الخبراء في المؤسسات الحكومية حيثما أمكنهم ذلك.

ومع هذا، رأى خامنئي في هذا الاتجاه علامة على ضعف المواقف الثورية، وفي النهاية سهّل انتخاب حكومة متشددة برئاسة محمود أحمدي نجاد كترياق لأولئك الذين كانوا يريدون “تطبيع” الجمهورية الإسلامية.

وبعد سنوات، حاول الرئيس روحاني مجدداً إبطاء التسلل الأيديولوجي إلى البيروقراطية الحكومية، لكن خامنئي قاوم ذلك من خلال نشره بيان أطلق عليه “الخطوة الثانية للثورة الإسلامية”، والذي دعا إلى تجديد النظام وإقامة حكومة جديدة ومتشددة أيديولوجياً.

وبدعم من المرشد الأعلى، استبدَلت حكومة إبراهيم رئيسي العديد من التكنوقراطيين الأكبر سناً بجيل جديد من التكنوقراطيين الأيديولوجيين، من بينهم أولئك الذين يُطلق عليهم “الإمام الصادق” (تمت تسميتهم بهذا الاسم لأنهم تخرجوا من “جامعة الإمام الصادق”، وهي إحدى المؤسسات الرئيسية للنظام لتدريب نسخته من “الثوريين” لشغل مناصب في الخدمة المدنية).

التداعيات

أدى “التبلد” المستمر للدولة الإيرانية وتآكل فعالية بيروقراطيتها إلى تفاقم المشاكل البنيوية طويلة الأجل في مختلف جوانب الحياة الإيرانية، ومن بينها القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية. وعلى الرغم من أن هذه البيروقراطية لا تزال رسمياً تحت سيطرة الرئيس، إلّا أن مجموعة من المشاكل المتفاقمة – من تسييس عملية التعيين إلى تدفق المتعصبين غير المؤهلين، والتهميش المستمر للخبراء، وتكاثر الهيئات غير المنتخبة – تجعل من غير المرجح أن يتمكن بزشكيان من تنفيذ سياساته التكنوقراطية الموعودة بشكل فعال (على افتراض أنه كان ينوي إصلاح النظام في المقام الأول). وهذا يعني أيضاً أن فرص حكومته في حل المشاكل طويلة الأمد التي تواجه إيران ضئيلة جداً.

وبدلاً من ذلك، قد يكون مصير بزشكيان هو الوقوع في نفس التشابكات المؤسسية والشلل التي جعلت أسلافه غير قادرين على الحكم بكفاءة. وتبدو النتائج المحتملة واضحة: المزيد من الاستياء الشعبي في الداخل، والعودة إلى الاحتجاجات الجماهيرية في نهاية المطاف، والقدرة الضئيلة إن وُجدت على التعامل بفعالية مع المجتمع الدولي بشأن القضايا الرئيسية مثل البرنامج النووي أو التصعيد الإقليمي.

7