حكومة الوحدة الوطنية تتحول إلى عنوان مأزق سياسي

يوسف الشاهد يعترف أن حافظ قائد السبسي ومن معه دمروا نداء تونس، والحزب يرى أن المناورات الساذجة ستذهب بالبلاد إلى المجهول.
الخميس 2018/05/31
لحظة حاسمة

تونس – توجّه رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، مساء الثلاثاء، إلى التونسيين بخطاب مثير للجدل في توقيته ومعانيه ورسالاته، وفي حديثه الموجه مباشرة للرئيس التنفيذي لحزب نداء تونس، حافظ قائد السبسي، الذي حمله ومن معه في نداء تونس مسؤولية التدهور الذي وصلت إليه البلاد، مستثنيا مسؤولية الأطراف الأخرى سواء المشاركة في الائتلاف الحاكم، (حركة النهضة) أو أحزاب المعارضة.

يجسم خطاب يوسف الشاهد، الذي وصفه متابعون بأنه “حمّال أوجه”، التخبط الكبير الذي يعيشه حزب نداء تونس ومعه البلاد. وجاء بعد أيام قليلة من فشل المفاوضات حول وثيقة قرطاج 2 وحسم مصير الحكومة التي يترأسها الشاهد منذ أغسطس 2016، بعد أن سحب البرلمان الثقة من حكومة الحبيب الصيد.

وقرر الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي تعليق العمل بوثيقة قرطاج 2 لتحديد أولويات الحكومة، إلى “أجل غير محدد” بسبب استمرار خلافات الموقّعين على الوثيقة حول إجراء تغيير جزئي أو شامل للحكومة وفشلهم في الاتفاق على إيجاد مخرج للأزمة يراعي مصلحة البلاد. كشف هذا الفشل عن أن البلاد تواجه أزمة توافق واتفاق بين الأطراف الحاكمة والمشاركة في صناعة القرار السياسي.

تأكد ذلك من خلال خطاب رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي بدا في جزء كبير منه موجها إلى حافظ قائد السبسي، وفي جزء آخر دفاعا عن الحكومة وما حققته من إنجازات ضمن توجه فسره البعض على أنه إعلام مبطن يرنو منه يوسف الشاهد إلى تبرير انسحابه من حزب نداء تونس.

 

اعترف رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد بوجود أزمة سياسية كال فيها اتهامات لحزبه حركة نداء تونس، داعيا في نفس الوقت إلى الدفع بإصلاحات عاجلة من أجل الإنقاذ. وقال الشاهد في كلمة توجه بها إلى الشعب التونسي مساء الثلاثاء إن “الوضع صعب” وإنه سيبادر إلى القيام بتعديل في الحكومة

خطاب حمال أوجه

قال محمد صافي الجلالي، القيادي بحزب المبادرة، في تصريح لـ”العرب”، إن “كلمة الشاهد لم تكن في مستوى الانتظارات خاصة وأن جزءها الثاني الذي طال خلافه مع حافظ قائد السبسي حصر مسار الأزمة التي تعيشها البلاد في ما يعانيه من ضغوط داخل حزبه”.

ووصف كلمة رئيس الحكومة بأنها “خطاب المغادرة الذي أراد أن يستثمرها للرد على بيان حافظ قائد السبسي الأخير”.

واعتبر المراقبون أن خطاب يوسف الشاهد “حمّال أوجه”، لأنه من جهة يبدو قويا في رسائله التي تعكس وجود رئيس حكومة يعطي الأولوية لمصلحة البلاد على مصلحة الحزب، ومن جهة أخرى يبدو وكأنه تصفية حسابات بين الشاهد وأولئك الذين أصروا على رحيله، وعلى رأسهم حافظ قائد السبسي (نجل رئيس البلاد).

أقر رئيس الحكومة بوجود أزمة سياسية تمر بها البلاد، لكنه حمل مسؤوليتها للسبسي الابن. وقال الشاهد، في كلمة بثّها التلفزيون الرسمي وإذاعات رسمية وخاصة، إن “البلاد تمر بأزمة سياسية انطلقت من داخل حزبي نداء تونس الذي لم يعد يشبه الحزب الذي انضممت إليه عام 2013”.

برهان بسيس: كل المسار أصبح مهددا في ظل استهتار بعض الأطراف السياسية
برهان بسيس: كل المسار أصبح مهددا في ظل استهتار بعض الأطراف السياسية

وأضاف أن “الأشخاص الذين يسيّرون نداء تونس وعلى رأسهم حافظ قائد السبسي دمروا الحزب”. ولفت الشاهد إلى أن “أزمة الحزب تسربت لمؤسسات الدولة وأصبحت تمثل خطرا عليها”، مؤكدا أن “وجود المسيرين الحاليين للحزب يمثل عائقا أمام توحيد العائلة الوطنية والديمقراطية ويهدد التوازن السياسي”.

تعددت القراءات والتحليلات التي ذهب أغلبها إلى تأييد حديث رئيس الحكومة يوسف الشاهد عن الأزمة داخل نداء تونس، وإن انتقده كثيرون على الطريقة التي تحدث بها واعتبروا أنه استغل منصبه في الحكومة ومنابر الدولة لتصفية حسابات شخصية وأنه اختزل الأزمة السياسية العامة للبلاد في السبسي الابن، دون بقية الأطراف.

ويؤكد الخبراء والسياسيون، كما رواد مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت تعتبر مقياسا هاما لمعرفة توجهات الرأي العام، أن خطاب رئيس الحكومة كان من الممكن أن يلقى صدى إيجابيا على مستوى عال، وتأييد المعارضة قبل الموالين، لو جاء في إطار زمني مختلف وبخلفية تنزهه عن كل الملابسات التي حصرته في إطار التجاذبات السياسية والخلافات بينه وبين حافظ قائد السبسي.

ووصف المحلل السياسي التونسي خالد عبيد خطاب الشاهد بأنه “خطاب الوقت الضائع″، مشيرا إلى أنه “كان يمكن لخطابه أن يكون له الوقع المطلوب لو ترجمه بإعلان استقالة، وقتها كان بالإمكان أن تكون لكل ما ذكره مصداقية وحظوظ كي تتنامى شعبيته للترشح إلى الانتخابات الرئاسية 2019. لكن أن يوجه هكذا كلام وهو رجل دولة ويتحدث عن خصومات شخصية فهذا خطأ ما كان لمستشيريه أن يوقعوه فيه”.

وأضاف عبيد في تصريحات لـ”العرب” أن “أزمة نداء تونس لن يكون هذا الخطاب مفتاح الخروج منها، ولن يكون اتهام ابن الرئيس هو المفتاح كي يتمتع الشاهد بدعم داخل الحزب أو في صورة فكر في حزب آخر.. والخطاب يكشف صحة الظنون التي تتحدث عن دعم النهضة للشاهد”.

ويذهب منجي الرحوي، القيادي بالجبهة الشعبية، إلى القول إن أزمة نداء تونس هي أزمة متواصلة، لكن أزمة الحكم في تونس أعمق.. تبين أن الحكومة ليس لها برنامج واضح لمواجهة الأزمة الاقتصادية، لكن ما يهمها فقط حساباتها السياسية.

خيار آمن

حل المدير التنفيذي لحزب نداء تونس في آخر ترتيب مؤشر ثقة التونسيين في الشخصيات السياسية، وفق البارومتر السياسي، الذي تجريه بشكل شهري مؤسسة استطلاع رأي تونسية، وذلك بنسبة 5 بالمئة، في حين جاء يوسف الشاهد في المرتبة الثانية بنسبة 33 بالمئة تسبقه القيادية بحزب التيار الديمقراطي، سامية عبو، بنسبة 38 بالمئة، وفق نتائج الاستطلاع الذي تم إجراؤه خلال الفترة الممتدة من 23 إلى 25 مايو 2018.

فؤاد بن سلامة: الأزمة التي تمر بها  تونس تتحملها جميع الأطراف
فؤاد بن سلامة: الأزمة التي تمر بها  تونس تتحملها جميع الأطراف

كما كشف الاستطلاع، الذي أجري بالتزامن مع المفاوضات حول وثيقة قرطاج 2، أن أغلب التونسيين يؤيدون بقاء الحكومة، رغم نقائصها وتقصيرها، على حلها وإعادة إدخال البلاد في دوامة تشكيل حكومة جديدة واستقطابات سياسية لن تؤدي إلى نتيجة.

ويشير مراقبون إلى أن ما شهدته البلاد من استقرار أمني وتحقيق نسبة نمو إيجابية، يجعل حكومة يوسف الشاهد خيارا آمنا بالنسبة لحوالي 47 بالمئة من التونسيين، رغم غلاء المعيشة والوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب.

ويؤمن الكثير من التونسيين بأن الأزمة ليست أزمة حكومات بل أزمة طبقة سياسية حاكمة. من هنا، لا يرى الكثير من التونسيين حلا في تغيير حكومة الشاهد، فأي حكومة أخرى ستأتي، من وجهة نظرهم، ستواجه في نهاية المطاف مصيرا مشابها لمصير حكومة الشاهد وحكومة الحبيب الصيد وحكومة مهدي جمعة وغيرها من الحكومات التي تعاقبت على البلاد من 2011، وكانت في كل مرة تتشكل وفق ضوابط سياسية وتقسيمات خاصة بأحزاب الائتلاف الحاكم والاتحاد العام التونسي للشغل.

وصعد خطاب يوسف الشاهد من حدة الصراع بينه وبين حافظ قائد السبسي. وتولى الرد على يوسف الشاهد المكلف بالشؤون السياسية في حركة نداء تونس، برهان بسيس، بخطاب استهله بالتحذير من أن “مستقبل تونس في خطر”. وقال بسيس إنّ عدم التوصل إلى توافق بين الأطراف المشاركة في نقاشات وثيقة قرطاج 2، يضع تونس أمام “أزمة سياسية تهدد مستقبلها”.

واستبعد أن تكون للأزمة أبعاد شخصية تستهدف رئيس الحكومة، قائلا “نحن نعتبر أن حكومة الوحدة الوطنية هي حكومة فاشلة”. وأضاف بسيس، المحسوب على جناج حافظ قائد السبسي، أن “ما هو حاصل اليوم هو تسريع الخطى نحو الانهيار”.

وأوضح أن “المسألة أبعد من حسابات سطحية، ذهاب إلى البرلمان أو عدم الذهاب إلى البرلمان (لسحب الثقة من حكومة يوسف الشاهد)، فكلّ المسار أصبح مهددا، خاصة في ظل استهتار بعض الأطراف السياسية بطبيعة الأزمة الحالية وخطورتها، ومن هذه الأطراف نجد حركة النهضة”.

منجي الرحوي: الشاهد اليوم يستعمل كل الوسائل للإبقاء على منصبه
منجي الرحوي: الشاهد اليوم يستعمل كل الوسائل للإبقاء على منصبه

ونفى بسيس أن تكون خلفية موقف حركة النهضة، هي الحفاظ على الاستقرار، قائلا “التوافق سينهار والاتحاد العام التونسي للشغل يهدد بالنزول إلى الشارع″، لكنه عاد وقال إن “مصلحة تونس تكمن في الرجوع إلى التوافق، وأن يتفق الجميع، منظمات وطنية وأحزابا كبرى، ونحن طرف سياسي مسؤول، ولسنا في معرض الفعل ورد الفعل”. ويعلق الخبراء على ذلك بقوله إن التوافق من هذا المنظور قد يعني أيضا تقاربا بين حافظ قائد السبسي وحركة النهضة إذا اقتضى الأمر.

في المقابل، ذهب القيادي الآخر في حزب نداء تونس، فؤاد بن سلامة، إلى القول إن الشاهد يرى أن النداء يحتاج إلى إصلاح، وإنه يجب التفكير في تنظيم مؤتمر للحزب تجنبا للاستبداد في الرأي والمحسوبية والرضوخ للولاءات. وبالنسبة للتوتر الذي ظهر إلى العلن بين الشاهد وحافظ قائد السبسي فاعتقد أن صندوق المؤتمر هو الفاصل بينهما.

وعن القراءات التي تقول إن الشاهد يلمح إلى إنشاء حزب جديد، قال بن سلامة في تصريح لـ”العرب” إن “هذا حق من حقوقه إلا أن الرؤية مازالت غير واضحة بالنسبة إليه بسبب الضبابية والغموض حول مصيره إن كان سيظل على رأس الحكومة أو سيغادرها”.

وأكد القيادي في حزب نداء تونس أنه “من منطلق الديمقراطية جيد أن نناقش أزمات البلاد.. لكن لا يجب أن نلقي اللوم على طرف واحد فقط لأن الأزمة في تونس تتحملها جميع الأطراف، وهي أزمة اقتصادية أساسا قبل أن تكون أزمة سياسية”.

عصام الشابي: هناك أزمة سياسية مفتوحة تحولت إلى أزمة حكم
عصام الشابي: هناك أزمة سياسية مفتوحة تحولت إلى أزمة حكم

السبسي الابن جزء من الأزمة

لم يكن يوسف الشاهد أول من سار في طريق تحميل حافظ قائد السبسي مسؤولية الأزمة في البلاد، حيث يلتقي حديثه مع تصريحات سابقة لأطراف سياسية أخرى. وأكد ذلك عصام الشابي، الأمين العام للحزب الجمهوري الذي قال لـ”العرب”، “إن خطاب الشاهد متأخر ويؤكد صحة ما نبهنا إليه منذ أشهر بأن هناك أزمة سياسية مفتوحة تحولت إلى أزمة حكم. وقد كشف الشاهد الغطاء عنها”.

وشدد القيادي في الحزب الجمهوري، الذي كان أحد الموقعين على وثيقة قرطاج 1، ثم انسحب، على أن “ما قاله عن حافظ قائد السبسي صحيح، وكنا نبهنا إليه في السابق… ورغم عودة الشاهد عندما تذكر في حملة الانتخابات البلدية، أنه ابن النداء لم يتم رأب الصدع بينهما وتواصل الصراع على المواقع، وهو ما أقر به بقوله: إن الأزمة أساسا تدور حول قرطاج 2019 (الانتخابات الرئاسية). واليوم يبدو أن الشاهد يأس من حزبه ويفكر في تشكيل حزب سياسي جديد”.

والحل وفق عصام الشابي يكمن في “الإسراع بتكوين حكومة انتخابية يتعهد القائمون عليها بعدم الترشح للاستحقاقات الرئاسية والعمل صلب الدولة”.

أما الاتحاد العام التونسي للشغل فأشار، على لسان أمنيه العام نورالدين الطبوبي، إلى أنه “في حلّ من كل ارتباط وهو جاهز لجميع السيناريوهات”.

7