حكومة الشرق تغلق حقول النفط ردا على تصعيد المجلس الرئاسي

طرابلس – ينذر تصاعد الصراع في ليبيا على المصرف المركزي بتداعيات اقتصادية عميقة في البلد الغني بالنفط، بعدما أعلنت الحكومة المكلفة من مجلس النواب وقف تصدير النفط احتجاجا على عملية اقتحام المصرف بالقوة واختطاف أربعة موظفين.
وكان محافظ المصرف المكلف من مجلس النواب الصديق الكبير قد تقدم مساء الأحد ببلاغين للنائب العام يتهم فيه لجنة التسلم والتسليم التي كلّفها المجلس الرئاسي باقتحام المقر بالقوة واختطاف مدير مكتبه وثلاثة موظفين والسيطرة على موقعه الإلكتروني ويُحمل الرئاسي المسؤولية.
وفي بيان متلفز لرئيس الحكومة أسامة حماد، حمل عنوان "بشأن اقتحام مصرف ليبيا المركزي"، قال إن حكومته تتابع "تكرر الاعتداءات على موظفي المركزي من مجموعات خارجة عن القانون بتحريض الرئاسي منتحل الصفة، متجاهلة ما صدر عن القضاء من إيقاف للقرارات المعيبة لانعدامها ولكونها تمثل اغتصاباً واضحاً للسلطة".
وذكر حماد أن "هذه الاعتداءات ومحاولات الدخول بالقوة لمقر المصرف نتج عنها إيقاف وعرقلة سير المعاملات المالية للدولة بالكامل"، محذراً من أن "هذه الاعتداءات تعرض الاقتصاد الوطني للانهيار المتسارع، وحذرنا في السابق من الاستمرار في هذه الممارسات الخاطئة والمخالفة للقانون".
وأعلن "حالة القوة القاهرة على جميع الحقول والموانئ النفطية وإيقاف إنتاج وتصدير النفط إلى حين إشعار آخر"، مبرراً خطوة حكومته هذه بأنها "للحفاظ على قوت الليبيين واحتياطياتهم لدى المركزي، وما سيتم تحصيله من إيرادات النفط من الوقوع تحت تصرف ثلة خارجة عن الشرعية".
وبدورها، أعلنت شركة الواحة للنفط، اليوم الاثنين، عن بدئها في "التخفيض التدريجي للإنتاج"، مبررة ذلك باحتجاجات شعبية تطالبها بوقف العمل عن الإنتاج.
وحذرت، في بيان موجز عبر صفحتها على فيسبوك، من أن "استمرار الاحتجاجات والضغوط سيؤدي إلى إيقاف إنتاج النفط"، وطالبت "الجهات المختصة بالتدخل للمحافظة على استمرار إنتاج النفط".
وتُعد شركة الواحة من كبرى شركات النفط الليبية، وتدير 5 حقول رئيسية، هي الواحدة وجالو والفارغ والسماح والظهرة، إضافة إلى عدد آخر من الحقول الصغيرة، وحققت خلال العام الماضي 97 بالمئة من المستهدف اليومي لإنتاجها الذي بلغ 290 ألف برميل يومياً.
وتأتي هذه الخطوات التصعيدية، تزامنا إعلان المجلس الجديد لإدارة المصرف في أول بيان، اليوم الاثنين، "تسلّمه مهام إدارة المصرف بشكل كامل، والتزامه بجميع الإجراءات المطلوبة لضمان عملية انتقال سلسة" وأكد أن مرحلته في قيادة المصرف "ستشهد تحقيقاً في الأهداف المرجوة بفضل التعاون مع جميع الأطراف".
وتداولت وسائل إعلامية ليبية وصفحات تواصل اجتماعي ليبية ما قالت إنها صور للحظة تسليم وتسلم المصرف المركزي، وظهر في الصورة نائب رئيس المجلس الرئاسي السابق، والخبير الاقتصادي فتحي المجبري.
وتزامنا، كلف المجلس الرئاسي عبدالفتاح عبدالغفار، نائب المحافظ المكلف منه، بإتمام إجراءات التسليم والاستلام، والقيام بمهام وأعمال المحافظ.
وجاء في خطاب التكليف أن القيام بأعمال المحافظ "إلى حين عودة المحافظ ومباشرة عمله أو انتخاب محافظ، والالتزام بالترتيبات المالية إلى حين التوافق بشأن الميزانية الموحدة".
وكانت لجنة التسلم والتسليم المكلفة من المجلس الرئاسي تمكنت من دخول مقر المصرف للاستعداد للتسليم لإدارة المصرف الجديدة، مشيرة إلى عزم اللجنة إصدار بيان رسمي للإعلان عن تسلمها مقر المصرف وتسليمه.
وجاء تكليف عبدالغفار محل المحافظ المعين من المجلس الرئاسي محمد الشكري، لاشتراطه توافق مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، كونهما الجهتين التشريعيتين المختصتين بتسمية المحافظ.
ولم يعلن الشكري عن أي موقف جديد له حتى الآن، كما لم يعلن النائب العام أي موقف، رغم تلقيه بلاغين من محافظ المصرف المكلف من مجلس النواب الصديق الكبير، الأحد، يتهم لجنة التسلم والتسليم المكلف من الرئاسي لمقر المصرف باقتحام المصرف بالقوة.
واتهم الكبير "جهاز الأمن الداخلي باختطاف 4 من موظفي المصرف المركزي أثناء تأديتهم لواجبهم، وهم: راسم النجار، وصلاح موسى، وعزالدين الشريف، وخيري صوله".
وأشار إلى أن موظف آخر هو محمد الساحلي اختفى أثناء توجهه لمقر وزارة الداخلية لتسليم بريد مكتب المحافظ .
وطالب الكبير النائب العام "باتخاذ الإجراءات القانونية"، وأكد في نص بلاغه "محاولة مجموعة اقتحام مقر المصرف المركزي" رفقة "ما يسمى بلجنة التسلم والتسليم المشكلة من المجلس الرئاسي، بحجة تنفيذ قرارات غير قانونية صادرة عن المجلس الرئاسي بشأن تكليف محافظ ومجلس إدارة جديد للمصرف المركزي".
واعتبر الكبير أن اقتحام المصرف يشكل "تهديدا خطيرا لأهم مؤسسة مالية في البلاد، وتترتب عليه آثار في الداخل والخارج"، وحمل المسؤولية "للمجلس الرئاسي ومن تورط معه في هذه الأفعال الإجرامية خارج إطار القانون بل والمنافية للعقل والمنطق ".
ولفت إلى تم تغيير ملكية النطاق الخاص بمصرف ليبيا المركزي (CBL.GOV.LY) إلى بريد إلكتروني لا ينتمي للمصرف، وطالب التدخل لوقف هذا العبث عن طريق إيقاف كل الإجراءات الفنية المتعلقة بهذا الأمر.
وفي معرض تأكيده بطلان قرار المجلس الرئاسي تكليف مجلس إدارة للمصرف ومحافظ جديدين، أكد أن المصرف مؤسسة سيادية تتبع السلطة التشريعية وفقا للقانون رقم 1 لعام 2005 وتعديلاته، معتبرا بذلك أن قرارات المجلس الرئاسي صادرة "عن غير ذي اختصاص".
ومن جانبه، أعلن المجلس الأعلى للدولة، بصفته المخول وفق نصوص الاتفاق السياسي بتعيين شاغلي المناصب السيادية بالاشتراك مع مجلس النواب، رفضه لما وصفه بتعدي المجلس الرئاسي على اختصاصات الجهات التشريعية.
وفيما أكد مجلس الدولة رفضه لقرار المجلس الرئاسي بشأن تعيين مجلس إدارة جديدة ومحافظ للمصرف "لصدوره عن غير ذي اختصاص"، دعا الجهات المحلية والدولية إلى "عدم التعامل مع الإدارة المكلفة باعتبارها غير شرعية ومغتصبة للسلطة".
وأكد مجلس الدولة أنه سيتخذ "إجراءات قانونية للحفاظ على حقوقنا طبقا للاتفاق السياسي والإعلان الدستوري".
وأوقف المصرف جميع أنظمته المصرفية، بينما أفاد أغلب فروع المصارف التجارية بالبلاد بتوقف العمليات المصرفية فيها.
وأعلن مصدر في المجلس الرئاسي الأحد أن إجراءات تسليم وتسلُّم مجلس إدارة المصرف المركزي الجديد جرت في تمام الساعة 12.30 من ظهر الأحد "بشكل سلمي وسلس" عبر لجنة التسليم الإداري.
وذكر المصدر الذي تحفظ على ذكر اسمه، في تصريح لموقع "بوابة الوسط"، أنه من المقرر تكليف نائب المحافظ رسميًا بمهام المحافظ وفق المادة 18 من قانون 1 لسنة 2005 إلى حين انتخاب محافظ جديد بشكل قانوني وشفاف، أو تسلم محمد الشكري مهام منصبه بعدما طلب مهلة أسبوعًا، لإلغاء قرار إيقافه من مجلس النواب.
ومطلع الأسبوع الماضي، قرر المجلس الرئاسي تغيير إدارة المصرف المركزي وتفعيل قرار سابق أصدره مجلس النواب عام 2018 بإقالة المحافظ الصديق الكبير وتعيين الشكري بديلا منه، لكن مجلس النواب أعلن عن وقف العمل بقرار إقالة الكبير وتعيين الشكري لمضي مدة على تعيين الأخير من دون تسلمه مهامه.
وفي مقابل استناد المجلس الرئاسي في قراره بشأن تشكيل مجلس إدارة جديد للمصرف إلى صلاحياته الرئاسية التي منحها له اتفاق جنيف الذي جاء به الى السلطة مطلع عام 2021، وخوله تعيين القيادات في مؤسسات الدولة، أعلن مجلس النواب عن إنهاء ولاية المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية بانتهاء الآجال المحددة لاتفاق جنيف بعد 18 شهرا من توقيعه في نوفمبر 2020.
وتبادل المجلسان، الرئاسي والنواب، التصريحات حول شرعية قراراتهما، حيث أشار مسؤولان مقربان من المجلس الرئاسي إلى عدم شرعية قرارات مجلس النواب بانتهاء آجال اتفاق جنيف، وعدم حصول مجلس النواب على نصاب كامل لإلغاء العمل بقراره السابق بشأن إقالة الكبير وتعيين الشكري.
ومن جانبه، هدد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، خلال حديث لفضائية ليبية محلية، الخميس، بإغلاق الحقول النفطية لمنع تحويل الإيرادات إلى المصرف المركزي في حال مضيّ المجلس الرئاسي في إنفاذ قرارته بتغيير محافظ المصرف.
واتهم صالح المجلس الرئاسي بالسعي لنهب المال العام من خلال تغيير إدارة المصرف ومحافظه، وقال "لن نسمح باستمرار ضخ أموال الثروة الليبية وإيصالها إلى يد أشخاص جاءوا إلى السلطة بطريقة مشبوهة"، محذرا من أن المساس بالمصرف ومحافظه في الوقت الحالي قد يهدد استقرار المؤسسة النقدية في ليبيا وتعاملاتها الدولية.
وفي تطور لاحق، استنكر مجلس النواب ما وصفه بمحاولات اقتحام المقر الرئيسي للمصرف المركزي بالقوة، وطالب النائب العام بفتح تحقيق عاجل في "هذا الاعتداء وإحالة المسؤولين عنه للعدالة".
واعتبر مجلس النواب، في بيان له، أن ما وصفه بـ"الاعتداء بالقوة" جاء نتيجة "قرارات ولجان من جهات فاقدة للشرعية وغير ذات علاقة، وفقًا لقانون تعيين أو إعفاء محافظ المصرف أو نائبه أو مجلس إدارته".
وحمّل بيان مجلس النواب المجلس الرئاسي "كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية أمام الشعب الليبي والمجتمع الدولي عن مثل هذه الأعمال الخارجة عن القانون وما يترتب عليها من أضرار على المواطن الليبي واقتصاد البلاد". وإثر بلاغه مكتب النائب العام، حمل الكبير وزير الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، عماد الطرابلسي، المسؤولية عن اقتحام مقر المصرف.
وأشار الكبير إلى إعلان الطرابلسي، الجمعة، تسلم وزارته مقر المصرف، والبدء في تأمين محيطه، وأضاف "أحملكم مسؤولية ما يترتب عن تمكينكم من اقتحام مقر المصرف المركزي من نتائج لها بالغ الأثر في إلحاق الضرر بالدولة الليبية".
وكانت وزارة الداخلية قد نشر فيديوهات تظهر تسلم قواتها مقر المصرف المركزي، والبدء في الانتشار في محيطه لتأمينه، بعد أن تسلمته مع قوة الردع الخاصة الموالية للكبير، إثر الاتفاق الذي أعلن عنه الطرابلسي، والقاضي بنأي كافة التشكيلات المسلحة في طرابلس بنفسها عن أزمة المصرف.
وخلال الساعات الأولى من صباح الجمعة، شهدت طرابلس تحشيدات عسكرية كبيرة، وسط توتر أمني عال، على خلفية انقسام مواقفها حيال قرار تغيير مجلس إدارة المصرف والمحافظ الصديق الكبير بين موالية للأخير وأخرى موالية للمجلس الرئاسي، قبل أن يخرج وزير الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي، ليل السبت، ليعلن اتفاق جميع قادة التشكيلات المسلحة في طرابلس على النأي عن الاختلاف القائم حول قرار تغيير إدارة المصرف، وترك الأمر للمجلس الرئاسي كونه شأناً إدارياً.
وفي خضم التحشيدات، أصدرت البعثة الأممية بياناً أعربت فيه عن قلقها بشأن التقارير حول تحشيد القوات في العاصمة طرابلس و"التهديد باستخدام القوة لحل الأزمة المحيطة بمصرف ليبيا المركزي"، مشيرة إلى أنها تجري اتصالات مكثفة مع كافة الأطراف للتهدئة والتوصل إلى اتفاق سلمي لحل الأزمة.
وأكدت البعثة أنه "لا مناص من الحوار حلاً وحيداً لجميع القضايا الخلافية"، اعتبرت أن "هذه التحركات لا يمكن أن تُنتج حلاً مقبولاً أو عملياً للأزمة الحالية أو للجمود السياسي الذي طال أمده، بل ترى فيها سبباً إضافياً يفاقم الأزمة ويقلل من فرص التوصل إلى حل سياسي".
وشاركت سفارات الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وفرنسا لدى ليبيا بيان البعثة الأممية، ودعوة الأطراف الى الانخراط في حوار جاد من أجل التوافق وإنهاء الجدل حول المؤسسة المصرفية، لما للأمر من عواقب وخيمة على سلامة المؤسسة الحيوية واستقرار البلاد، فضلاً عن التأثيرات الخطيرة المحتملة على موقف ليبيا ضمن النظام المالي الدولي.
ويثير هذا الصراع على أهم مؤسسة سيادية في ليبيا، مخاوف من تأثيرها على مركز البلاد في النظام المالي العالمي ومن توّقف التعاملات المصرفية وبالتالي تفاقم الأزمة الاقتصادية، ومن لجوء الأطراف المتنازعة إلى استخدام القوّة لحلّ هذا النزاع، خاصّة في ظلّ وجود تحرّكات مسلّحة واستنفار أمني وعسكري داخل العاصمة طرابلس.