حكم الإعدام يصدر فقط على بعض الفاسدين في إيران

أصدرت محكمة إيرانية حكما بالإعدام على الملياردير الإيراني ذي الشهرة العالمية باباك زنجاني بتهمة الفساد في الأرض واختلاس أموال الدولة، وتداولت وسائل إعلام محلية الخبر على نطاق واسع وكأنه يمثل وجها جديدا للحكومة الإيرانية التي تشن حربا على الفساد، فيما يرى آخرون قضية زنجاني ذر رماد على العيون لتتظاهر الحكومة بأنها تقدم على الإصلاحات العميقة لتجلب الاستثمارات الخارجية.
الأربعاء 2016/03/16
كبش فداء غير مكلف

طهران- قال المتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية غلام حسين محسني إن الحكم بالإعدام صدر بحق زنجاني ذي الـ41 عاما بتهمة اختلاس 2.8 مليار دولار من بيع النفط خلال ولاية الرئيس محمود أحمدي نجاد (2005-2013) بالاعتماد على شبكة من المصارف في الصين وماليزيا وطاجيكستان.

وصدر الحكم يوم 6 مارس الجاري ليتصدّر الخبر الصفحة الأولى لمعظم الصحف الإيرانية يوم 7 مارس تحت عناوين مثل “النهاية الحزينة” في الأولى للصحيفة اليومية “آفتاب” مع صورة للمحكوم عليه باكيا، وعنوان “المحطة الأخيرة للاحتيال في تجارة النفط: الإعدام” في الأولى لصحيفة “جهان اقتصاد” (عالم الاقتصاد) وعرضت هذه الصحف مجريات القضية وكأنها تقدم انتصارا للعدالة على الفساد في إيران.

واعتبرت أوساط متابعة للشأن الإيراني هذا الحكم بمثابة بادرة تقيم الدليل على إرادة حكومة روحاني محاربة الفساد حتى لو تعلق الأمر بالمقربين من الرئيس السابق أحمدي نجاد. وتم اعتقال زنجاني بعد يوم واحد من إعلان الرئيس الإيراني بدء حكومته حملة ضد الفساد المالي في البلاد، ويرجع ذلك لشهرته كرجل أعمال نافذ عمد إلى الالتفاف على العقوبات التي كانت مفروضة على طهران لثنيها عن متابعة برنامجها النووي وباع كميات هائلة منه وأدخل العملة الصعبة للدولة إبان الحظر الاقتصادي على إيران، الأمر الذي دفع بالحكومات الأوروبية والأميركية لوضعه على القائمة السوداء عام 2012.

وجدير بالإشارة أن الولايات المتحدة الأميركية كانت قد أدرجت شركات زنجاني على قوائم الشركات التي فرضت عليها العقوبات الاقتصادية على خلفية تعاونها مع السلطات الإيرانية للتهرب من العقوبات الاقتصادية بسبب الخلافات التي كانت قائمة قبل ذلك حول برنامج طهران النووي.

واعترف زنجاني بأنه استخدم شركات على شبكة الإنترنت في كل من الإمارات وتركيا وماليزيا لبيع الملايين من البراميل من النفط لصالح الحكومة الإيرانية منذ عام 2010. وقبل اعتقاله أكد زنجاني أن العقوبات الدولية تمنعه من تحويل نحو مليار و200 مليون دولار للحكومة كعائدات مستحقة لها عن بيع النفط، لكن المحكمة قالت إن شركاته تدين بنحو 2 مليار و700 مليون دولار للحكومة.

واعتقل زنجاني أواخر عام 2013، بعد أشهر قليلة من وصول روحاني إلى السلطة في أغسطس من العام نفسه والذي وعد خلال حملته الانتخابية بمكافحة جدّية للفساد، وفي يوليو 2015 توصلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي مع الدول “5+1” تم من خلاله رفع العقوبات في يناير 2015، وهو ما جعل السلطات الإيرانية تتجه نحو استقطاب الاستثمار الأجنبي خاصة الأميركي والأوروبي لإنعاش اقتصادها محاولة تبديد مخاوف المستثمرين من استشراء الفساد في البلاد.

حسن روحاني: لا يمكننا تجفيف مستنقع الفساد ما لم يكن كل شيء واضحا وضوح الشمس

وقضت المحكمة بإعدام زنجاني ومحاكمة اثنين من شركائه وإجبارهم على إعادة المبالغ المختلسة كاملة إلى شركة النفط الوطنية الإيرانية، بالإضافة إلى دفع غرامة تعادل ربع هذا المبلغ بتهمة تبييض الأموال، ليصبح زنجاني وشركاؤه ممثلين للفساد ولتبييض الأموال في إيران، في حين أن المتأمل في سيرة زنجاني يدرك أنه لا يمكن لتاجر بسيط أن يتحول في وقت قياسي إلى ملياردير دون دعم من جهات نافذة في الدولة وخارجها.

وبما أن زنجاني كان معروفا خلال فترتي حكم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بقدرته على جلب العملات الصعبة من الخارج إلى إيران فإن ذلك يؤكد وجود شبهات الدعم للفساد التي وجهت لحكومة نجاد وفي ذلك تبرئة لذمة الحكومة الحالية من ورطة دعم المفسدين في الأرض، خاصة وأن وزير النفط الإيراني بيجان زنكنه قد حث المستثمرين الأجانب على تجنب التعامل مع الوسطاء الذين وصفهم بأنهم “طفيليون فاسدون” تلميحا إلى أمثال زنجاني من رجال الأعمال.

وعلى غير العادة في إيران جرت محاكمة زنجاني علنا، وهو ما يدعم وجهة النظر القائلة بأن هذه المحاكمة ليست إلا وسيلة لتمرير رسالة سياسية مفادها أن مساعي الحكومة الحالية لمكافحة الفساد جدية. كما يعد هذا الحكم تصديرا لصورة عن النزاهة والشفافية بالنسبة إلى القضاء الإيراني أو للدوائر الحكومية رغم أن الحكم ليس نهائيا ويمكن الطعن فيه أمام المحكمة العليا.

من جانبه طالب روحاني بعد يومين من صدور الحكم بتوضيح فضيحة الفساد التي تورط فيها زنجاني، قائلا “لا يمكننا تجفيف مستنقع الفساد ما لم يكن كل شيء واضحا وضوح الشمس″، مضيفا أن الناس لهم الحق في أن يعرفوا من يقف وراء المسألة وأنه ليس من الممكن أن يكون زنجاني قد قام بمثل هذا الأمر وحده. وفي ذلك تلميح إلى تورط أعضاء حكومة نجاد، حيث شهدت وقائع المحاكمة توجيه تهم إليهم العديد من المرات.

ملف قضية زنجاني شائك جدا ومعقد خاصة بعد رفضه الإفصاح عن شركائه، ربما خوفا وربما لتلقيه وعودا بالخلاص من حكم الإعدام، ليظل هؤلاء خلف الستار رغم أنهم يشكلون المحرك الرئيسي لشبكات الفساد وتجارة النفط وتبييض الأموال.

فباباك زنجاني الذي يلقب نفسه بحسب التايمز “الباسيج الاقتصادي” ليس إلا واجهة أمامية تخفي جبلا من المفسدين وقد تم استغلاله في فترة الحظر الاقتصادي لبيع النفط وإدخال العملة الصعبة بمساعدة حكومة نجاد أو الحرس الثوري نفسه، بحسب بعض القراءات لقضيته ولعلاقاته النافذة، واليوم انتهى الحظر الاقتصادي وتحتاج الحكومة الحالية لأن تبرهن على نزاهتها مع المستثمر الأجنبي، فاستغلته لتظهر أنها لا تراهن على المفسدين وإن كانوا من أكبر وأثرى رجال الأعمال وعلى ما يقدمونه من أرباح غير مشروعة لاقتصادها، فكان كبش الفداء وأول “مفسد” يحاسب ويحاكم بأشد الأحكام.
12