حكاية صحافي يحرّف الحقيقة في أرض المؤامرات السعيدة

الروائي اليمني وجدي الأهدل يضع قارئ روايته "أرض المؤامرات السعيدة" إزاء صورة مغايرة لليمن، تتعالى فيها أصوات القهر والبؤس، وتغيب الأخلاق والمبادئ لحساب المصالح الشخصية المشتركة.
السبت 2018/07/21
المؤامرات تُحاك في سبيل تبديد ما هو موحّد

بيروت - تثير رواية “أرض المؤامرات السعيدة” للروائي اليمني وجدي الأهدل، الصادرة حديثا عن دار هاشيت أنطوان– نوفل في بيروت، مجموعة من الأسئلة، من بينها: هل يصحّ تصنيف البشر بين محض أخيار ومحض أشرار؟ هل الخير قيمة مطلقة؟ والشر مثلب يبدأ بزلّة لا رجوع عنها؟ وهل نتعاطف مع من يغرق، ونشعر برغبته الدفينة في الانعتاق من هذا الفخ، أم نتشفّى منه؟

يضع الأهدل، في هذه الرواية، القارئ إزاء صورة مغايرة لليمن، تتعالى فيها أصوات القهر والبؤس، وتغيب الأخلاق والمبادئ لحساب المصالح الشخصية المشتركة، وتُحاك المؤامرات في سبيل تبديد ما هو موحّد وفقا لما يرضي السلطة ورجالها ويخدمهما معا.

صحافي يُدعى مطهر فضل باع روحه للشيطان، وأمعن في التورّط مع السلطة في لعبة محكمة النسج التي يمتهنها أقوياء البلاد. في تلك الدوّامة التي سلّم نفسه لرياحها، قام فضل بكل ما طُلب منه من أعمال دنيئة، لكنّ ملمحا إنسانيا طيبا ظل لصيقا به، يظهر في الخفاء، عند مفاصل الحكايات، في ثنايا المشهد القبيح، حين ينام جميع الحرّاس، وتنقشع قليلا متطلبات الوظيفة وأوامر الكبار، في بلاد لا تزال العبودية تُمارَس في دهاليزها. ثمة “خادمات” يتنقلن بين بيوت الأسياد، فتيات يشاهدن الرسوم المتحرّكة ويشرّعن أجسادهن وأعوامهن الطرية لغزاة الليل والطفولة، وثمة كرماء يُشهَّر بهم ومجرمون يكافَأون. في هذه البلاد فوّت الصحافي الفاسد عليه إنسانيته، روّضها ببعض الدموع كلما ظهرت، ليموت بها كمدا.

يروي الأهدل حكاية هذا الصحافي الذي يُكلّف بكتابة تحقيق صحافي لصالح الجريدة التي يعمل فيها، وهي جريدة تابعة للسلطة، حول قضية اغتصاب فتاة قاصر تبلغ من العمر 8 سنوات، ما يضطرّه للسفر من صنعاء إلى مدينة الحُديدة لتقفّي آثار الجريمة التي ارتكبها شيخ قبيلة يمتلك علاقة قويّة بالسلطة. وهناك، في المدينة، يُقابل الصحافي الفتاة المُغتصبة، لكنّه، ووفقا لما جاء من أجله، يُحرّف حقيقة الحادثة، ويحاول في التقرير الذي أعدّه تبرئة شيخ القبيلة بإلحاق التهمة بطفل صغير مجهول الهوية، إرضاء للسلطة التي فرضت هذا الأمر على الجريدة، وبدورها فرضته على الصحافي، في تواطؤ واضح بين السلطة والإعلام وشيخ القبيلة وأعرافها. وبذلك، يُعرّي الأهدل حقيقة السلطة المزيّفة.

على الجهة المقابلة، يتعرّف القارئ إلى طبيبة روسية تفحص الفتاة المُغتصبة، وكتابة تقرير في إحدى الصحف المعارضة ينسف مقولة النظام والشيخ والجريدة وصحافيّيها، ما يجعل من هذه القضية فضيحة تهزّ السلطة، وتشعل الرأي العام اليمني، حيث تتحدّث عنها صحف المعارضة كلها، فيندفع أحد ضبّاط الشرطة لاعتقال الشيخ والتحقيق معه. هنا، ينتفض الحزب الحاكم للدفاع عن الشيخ الذي يُبرّأ من التهمة، ويصرف مكافآت مادّية لمطهر، فضلا عن إرساله إلى فتيات قاصرات ليمارس الجنس معهنّ. وهكذا، يفقد مطهر أمانته الصحافية قبل أن يُكلّف بإدارة صحيفة معارضة.

قدّم الأهدل من الصحافي مطهر فضل نموذجا للمثقف الذي تستغله السلطة في خدمة أجنداتها، والترويج لوجهات نظرها، وضرب المعارضة في صميمها وتدمير سمعتها، قبل أن يفقد كلّ ما يملكه بعد أن ترميه السلطة حين ينتهي من تنفيذ ما كلّفته به.

يتبين، من خلال عنوان الرواية، الكثير من الدلالات التي تبدأ من وصف المكان المتمثل في اليمن، لكن بصورة غير مباشرة، فهو “أرض المؤامرات”، بيد أن “السعيدة” تشير إلى تسمية اليمن بهذا الاسم منذ القدم، لكن لا يتضح إن كان وصف السعيدة في الرواية يشير إلى المؤامرات أم إلى الأرض؟

لا يلمس القارئ الحرب في اليمن على نحو مباشر، لكنه يرى كل المؤشرات التي كان يعيشها المجتمع اليمني ما قبل الحرب، بمعنى أن الرواية تنطلق من المسوغات التي كانت بالفعل تتدرج باتجاه الانفجار، فهي تغرق في تفاصيل الفساد السياسي والأخلاقي والقيمي، في مؤسسات المجتمع.

يعمد الأهدل في هذه الرواية إلى كسر الصيغة التقليدية للسرد، القائمة على الامتداد الطولي للزمن، بنزوعه إلى التقطيع السينمائي، كما يمزج بين مستويات سردية مختلفة، واقعية وأسطورية ورمزية، وتتسم شخصياته بالتنوع على غرار التنوع الذي يتسم بهما واقع منطقته تهامة، ما يمنح الرواية أشكالا خطابية متعددة.

15