حكاية النائم في غرامه

العاشق إن أغلق عينيه فإن قلبه لا ينام بالمعنى المجازي ذلك لأن القلب بطبيعته لا ينام.
السبت 2024/03/09
في الغرام يكتب الأرق مذكراته الطويلة

ننام فنحلم. غير أن هناك مَن يحلم بالنوم فلا ينام إلا مجهدا. وفي الغرام يكتب الأرق مذكراته الطويلة.

يقول المتنبي “أرق على أرق ومثلي يأرقُ/ وجوى يزيد وعبرة تترقرقُ/ جهد الصبابة أن تكون كما أرى/ عين مسهدة وقلب يخفقُ” وبالرغم من أن “النوم سلطان” فإن هناك إجماعا بين العشاق على أن سرقته ممكنة. وفي ذلك تقول فيروز “من عز النوم بتسرقني/ أهرب لبعيد بتسبقني” وهو ما أكدته شادية بقولها “يا سارق من عيني النوم إن نمت دقيقة تصحيني/ وبقالي كم ليلة ويوم يا سارق النوم من عيني”.

ولأم كلثوم حكايات طرفاها السهر والنوم وقد تكون كلمات مأمون الشناوي في “كل ليلة وكل يوم” مختصرا مفيدا لذلك الصراع “سهرت السهر في عنيا/ صحيت المواجع فيا/ كل ساعة وكل يوم بعدما أطمن عليك حيجيني نوم يا حبيبي”. وإذا ما كان “النوم هو غذاء العقل والروح” فإنه أيضا “عدو العيون الوحيدة” وقد يسعى العاشق إلى اختراع تقنيات من أجل ألاّ يسرقه النوم من متعة خياله. وفي ذلك يقول البهاء زهير الذي ولد في مكة المكرمة عام 1186 وعاش حياته كلها في مصر أيام الدولة الأيوبية “أحتال في النوم كي ألقى خيالكمُ/ إن المحب لمحتاج إلى الحيل”.

وإن أغلق العاشق عينيه فإن قلبه لا ينام بالمعنى المجازي ذلك لأن القلب بطبيعته لا ينام وفي ذلك يقول حسين نعمة “نامت قلوب الناس/ قلبي شينيمه”. وبعكس ما انتهى إليه البهاء زهير قد لا يكون العاشق سعيدا بالأرق الذي يحرمه النوم وهو ما اعترف به عبدالحليم حافظ “شغلوني وشغلوا النوم عن عيني ليالي/ ساعة أبكي وساعة يبكي عليا حالي”، فمَن يبكي على مَن في خضم الفوضى الشعورية التي يعيشها العاشق؟

ومثلما ورد على لسان محمد عبدالوهاب “ده النوم يا ليل نعمة/ يحلم بها الساهر”، وقد تختل أحيانا المعادلة بين طرفيها. ينام طرف ويسهر آخر فلا يملك الطرف الذي يسهر سوى أن يأمل في ألا يستمر ذلك الخلل. تقول نجاة الصغيرة بكلمات عبدالرحمن الأبنودي “وأنا رمشي ما ذاق النوم/ وهو عيونو تشبع نوم/ روح يا نوم من عين حبيبي روح يا نوم”.

وليس محمود درويش كمثل الكثيرين الذين أنصتوا إلى فيروز وهي تغني “يلا تنام لأذبحلها طير الحمام” فقد تأثر بتلك التهويدة بطريقة ذكية هي جزء من عبقريته الشعرية. يقول”فنم يا حبيبي/ أيصعد صوت البحار إلى ركبتي/ ونم يا حبيبي لأهبط فيك وأنقذ حلمك من شوكة حاسدة/ ونم يا حبيبي/ عليك ضفائر شعري، عليك السلام/ يطير الحمام/ يحط الحمام"، وما من أحد من العشاق يرغب في النوم مثلما يفعل فريد الأطرش "من أول يوم يا ظالمني/ خليت النوم يخاصمني".

18