حقول الزيتون في تونس ملاذ المهاجرين الأفارقة بانتظار قوارب الموت

تونس - يمضي آلاف المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء يومهم في حقول زيتون بالقرب من مدينة صفاقس التونسية وهم يطبخون لحم دجاج قاسيا ويقيمون تحت شوادر بلاستيكية، بانتظار رحلة محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا بحرا.
وتؤكد عدة مصادر محلية لوكالة الصحافة الفرنسية أن ثمة ما لا يقل عن 20 ألف شخص ينتشرون في حوالى 15 مخيما موقتا بالقرب من بلدتي العامرة وجبنيانة الزراعيتين في شمال محافظة صفاقس في وسط البلاد.
وشرع هؤلاء بإقامة أكواخ بأغصان الأشجار اعتبارا من منتصف سبتمبر الفائت بعدما طردوا ونقلوا بحافلات من وسط مدينة صفاقس.
والتحق بهم آلاف آخرون أتوا مشيا إلى حقول الزيتون حيث يتحينون الفرصة المناسبة للصعود إلى قوارب متهالكة والابحار باتجاه الشواطئ الإيطالية بشكل غير نظامي.
وابراهيم (اسم مستعار) واحد من هؤلاء. وهو غادر غينيا منذ أكثر من عام للهجرة إلى أوروبا من أجل "توفير احتياجات والدته المريضة وأخيه الصغير".
دخل تونس عبر الحدود مع الجزائر ووصل إلى حقول الزيتون قبل ثلاثة أشهر في خضم فصل الشتاء بعدما مشى مدة 20 يوما.
ويقول ابراهيم الطالب الجامعي البالغ 17 عاما "الوضع صعب للغاية هنا، حتى بالنسبة للتسوّق، فنحن نتنقل سرّا. يمكننا الخروج للبحث عن عمل ولكن في نهاية الشهر عندما يتعين عليهم دفع الراتب يقومون بالاتصال بالشرطة".
وأطلق الرئيس التونسي قيس سعيّد مطلع العام الفائت تصريحات بشأن المهاجرين غير النظاميين من جنسيات دول أفريقيا جنوب الصحراء كان لها وقع شديد على تواجدهم في البلاد.
وفقد المئات منهم مصادر رزقهم غير الرسمية في قطاعات مختلفة كالبناء والمطاعم والمصانع الصغيرة وكذلك طردوا من مساكنهم.
وفي 2023، استقل عشرات الآلاف البحر مجازفين بحياتهم انطلاقا من صفاقس، مركز انطلاق هذه الرحلات في تونس.
ويؤكد إبراهيم "نحن على بعد كيلومترات قليلة من أوروبا"، في إشارة إلى السواحل الإيطالية التي تبعد أقل من 150 كيلومترًا.
وبالقرب من منطقة العامرة الزراعية وداخل أكواخ مؤلفة من شوادر بلاستيكية وأنابيب ريّ أخذت من الحقول، يمضي هؤلاء المهاجرون الليل على حصائر بالية في مجموعات من خمسة إلى عشرة أشخاص.
وينقسم المهاجرون إلى ثلاث مجموعات. فالمتحدثون بالفرنسية في مكان والناطقون بالعربية والانجليزية في مكانين آخرين. وهم بغالبيتهم رجال لكن ثمة نساء وأطفالا وقد أتوا من غينيا والسودان وسيراليون ونيجيريا وغيرها.
وتقوم نساء بإعداد حساء بلحم دجاج قاس يشكل الطبق الرئيسي لغالبية المهاجرين.
ويروي إبراهيم "كان الشتاء قاسيا جدا هذا العام، لكننا تمكنا من الصمود بفضل التضامن بين الإخوة الأفارقة".
ويتابع "إذا كان لدى شخص ما طعام بينما لا تملكه، يعطيك بعضًا منه، الغطاء البلاستيكي اشتريناه بأموالنا أو بعدما تسولنا".
ووزعت منظمة "الهلال الأحمر التونسي" و"المنظمة الدولية للهجرة" على المهاجرين أوائل أبريل سلالا تحوي مواد غذائية استفاد منها 7 آلاف شخص.
ويفيد المتحدث الرسمي باسم منظمة "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" رمضان بن عمر بأن تونس "تتحول إلى مركز احتجاز فعلي بسبب اتفاقيات مراقبة الحدود مع الاتحاد الأوروبي".
ويطالب غالبيتهم بالمساعدة من أوروبا واخراجهم من هذا الوضع.
ويعرب ابراهيم عن قلقه على الصعيد الصحي، ويقول "أنجبت الكثير من النساء هنا ويتواجد مرضى ولا نستطيع الوصول إلى صيدلية أو مستشفى".
يؤكد مصدر في محافظة صفاقس "يوميّا يولد طفل مهاجر في مستشفى جبنيانة، والكثير من النساء الحوامل من دون متابعة".
ويهدد الوضع الصحي بالتفاقم مع قدوم فصل الصيف الحار.
وتقول سليمة البالغة 17 عاماً "أنا هنا للعبور مع ابنتي الصغيرة البالغة من العمر 4 أشهر، لا يوجد طعام ولا ماء ولا حفاضات للطفلة، نضع البلاستيك تحت أردافها". وهي عازمة رغم كل شيء على "الانتظار حتى يفتحوا (المهربون)" أبواب المغادرة.
اندلعت صدامات، مساء الثلاثاء الماضي بين قوات الشرطة التونسية ومهاجرين غير نظاميين من دول جنوب الصحراء في مدينة العامرة التابعة لمحافظة صفاقس، إثر محاولة إزالة مخيماتهم وتفكيك أماكن تجمعاتهم.
وتحركت قوات الأمن التونسية بأعداد كبيرة لتفكيك المخيمات التي اتخذها المهاجرون مقرا للإقامة وسط غابات الزيتون بمدينة العامرة، بعد تشكيّات من السكان المحلّيين واحتجاجات تطالب بترحيلهم من أراضيهم، وصلت إلى حد التهديد بتنفيذ إضراب عام.
وخلال هذه الحملة الأمنية، اندلعت مواجهات بين الشرطة والمهاجرين، اضطرت خلالها قوات الأمن لإطلاق قنابل من الغاز المسيلة للدموع، ردا على الاعتداء عليهم بالحجارة من طرف المهاجرين، للتعبير عن رفضهم لإزالة مخيماتهم.
وأظهرت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، مناوشات وعمليات كر وفر بين العناصر الأمنية والمهاجرين الأفارقة، وسط حالة من الاحتقان الشديد، في ظل مخاوف من انفلات الأوضاع.
وشوهدت في المكان بقايا شوادر بلاستيكية ممزقة وقنابل مسيلة للدموع مرمية على الأرض.
ويقول سوكوتو (اسم مستعار) البالغ من العمر 22 عاما والذي غادر غينيا قبل ثلاث سنوات "الشرطة ترهقنا كثيرا، أمس تم طردي من المحلات التجارية (في العامرة)".
ويحضر محمد البكري، التاجر الخمسيني وأحد سكان منطقة العامرة، بعض الماء والطعام للمهاجرين ويقول "إزالة الخيام ليس هو الحل، يجب على الدولة أن تجد حلا عمليّا. لم يكن حلا أصلا جلبهم إلى العامرة التي تسكنها 32 ألف نسمة ولدينا الآن 28 ألف شخص من جنسيات دول جنوب الصحراء".
وعلى الرغم التوترات وهشاشة الوضع، لا يرغب أي من المهاجرين في العودة إلى بلدانهم.
ويؤكد سوكوتو "لقد خرجت لمساعدة عائلتي، وعانيت كثيراً للوصول إلى هنا، ولن أعود إلى غينيا حتى لو اضطررت إلى السباحة للعبور".