حقائب القادمين إلى لبنان محملة بأدوية صيدليات عابرة للحدود

المغتربون اللبنانيون يقدمون لعائلاتهم وأصدقائهم أدوية مفقودة بدل الهدايا.
الأحد 2021/07/11
حقائب محملة بحاجيات أساسية مفقودة في الأسواق

بيروت - تحولت حقائب القادمين إلى لبنان إلى صيدليات عابرة للحدود في خضم أزمة مالية خانقة تضرب البلاد منذ نحو عام، الأمر الذي فاقم أزمة فقدان الأدوية من السوق بعد غياب أنواع منها عن رفوف الصيدليات منذ شهور طويلة.

ولم تحمل ليديا خلال رحلتها الأخيرة إلى بيروت آتية من مرسيليا الهدايا، بل ملأت حقائب سفرها بأدوية تخطت كلفتها الألف يورو، لتوزعها على أفراد عائلتها وأصدقائها الذين لا يجدون في صيدليات لبنان أيا منها.

وتقول السيدة الستينية التي وصلت إلى بيروت الأسبوع الماضي، "حملت معي من كل شيء، أدوية مضادة للالتهابات وأدوية ضغط وكوليسترول وسكري وباركنسون وسرطان، فضلا عن الكثير من الأدوية المضادة للاكتئاب".

وصلت ليديا إلى منزلها في بلدة بعبدات شمال بيروت فجرا، وما هي إلا ساعتان فقط حتى بدأ الزوار يتوافدون إليها للحصول على أدويتهم.

وتضيف ليديا "لم يكن بوسعي حتى أن أنام، لكنني أتفهمهم فليس هناك أسوأ من نضوب الدواء"، موضحة أن بعض الأشخاص الذين أحضرت لهم الأدوية يعانون من أمراض مزمنة ولم يتمكنوا منذ أكثر من أسبوعين من تأمين العلاج.

وليست ليديا وحدها، إذ إن والديها أيضا حملا معهما من فرنسا أدوية لـ12 شخصا ملأت حقائبهما الأربع.

وأعادت الأزمة الحالية إلى ذهن ليديا سنوات الحرب الأهلية (1975 - 1990)، حين كان يأتي المغتربون محملين بحاجات أساسية فُقدت من الأسواق.

وتقول ليديا "صحيح أننا كنا نخاف من القذائف، لكننا لم نشهد يوما نضوبا في الأدوية أو الوقود كما اليوم"، مضيفة "لم نشعر يوما بهذا القدر من الاختناق، ما يحصل اليوم غير مسبوق وسريالي".

صورة

ومنذ مطلع العام، يبحث اللبنانيون عبثا عن أدويتهم في صيدليات باتت رفوفها فارغة. وينشر مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي يوميا أسماء أدوية يحتاجونها. وبات كثر يعتمدون على أصدقائهم وأفراد عائلاتهم في الخارج لتأمين أدويتهم، بأسعار مرتفعة جدا مقارنة مع السعر المحلي المدعوم.

وحذرت نقابة مستوردي الأدوية من "نفاد" مخزونها من "مئات الأدوية الأساسية التي تعالج أمراضا مزمنة ومستعصية".

ويأتي ذلك بعدما شرعت السلطات منذ أشهر في ترشيد أو رفع الدعم تدريجيا عن استيراد سلع رئيسية بينها الأدوية. وتسبب تأخر فتح اعتمادات للاستيراد، في انقطاع عدد كبير في الأدوية، بينها حتى مسكنات الألم العادية وحليب الأطفال الرضّع.

ويطالب مصرف لبنان منذ أشهر وزارة الصحة بوضع جدول أولويات بالأدوية التي يجب مواصلة دعمها، وهو ما وعد وزير الصحة حمد حسن بتنفيذه، مؤكدا تعاون وزارته مع المصرف المركزي لبدء توفير أدوية مفقودة.

وبدأ تجمع أصحاب الصيدليات الجمعة إضرابا عاما مفتوحا احتجاجا على نضوب الأدوية، قبل أن يعلن الأحد تعليقه الثلاثاء والأربعاء بانتظار الإجراءات الحكومية الموعودة، لكنه حذر من استئناف الإضراب الأربعاء "في حال لم يتم تزويدنا بالأدوية لتلبية حاجات المرضى".

وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أعلن أنه سيسدّد "الاعتمادات والفواتير التي تتعلق بالأدوية، لاسيما أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية (…) ضمن مبلغ لا يتعدى 400 مليون دولار" يغطي "مستوردات أخرى بما فيها الطحين".

لكن بحسب نقابة مستوردي الأدوية، لن يتخطى الجزء المخصص للأدوية 50 مليون دولار شهريا، وهو ما يعادل نصف الفاتورة الاعتيادية.

وأمام هذه التعقيدات التي تزيد من معاناة اللبنانيين، استغل بول نجار وزوجته ترايسي إجازة قصيرة إلى قبرص لشراء الأدوية.

وعاد الزوجان اللذان فقدا ابنتهما ألكسندرا في انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020، الشهر الماضي حاملين حقيبة مليئة بالأدوية لأقاربهما ولأشخاص تواصلوا معهما على وسائل التواصل الاجتماعي.

اشترى بول وترايسي قطرات للعين وحليبا مجففا وأدوية مضادة للاكتئاب وأخرى لعلاج الضغط وأمراض القلب.

صورة

وتروي ترايسي "الصيدلي (في قبرص) عرف سريعا أننا من لبنان، وقال لنا إن صديقين مرا عليه قبل يومين لشراء طن من الأدوية".

وجراء الانهيار الاقتصادي المتسارع منذ صيف العام 2019، الذي رجح البنك الدولي أن يكون من بين أسوأ ثلاث أزمات في العالم منذ العام 1850 ولم تبق أي شريحة بمنأى عن تداعياته، بات أكثر من نصف اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، وقد خسرت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار.

ويحمّل جزء كبير من اللبنانيين الطبقة السياسية مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية، ويتهمون المسؤولين بالفساد والهدر وسرقة المال العام.

ومنذ أشهر يجهد أحمد (58 عاما)، الذي يعاني من ارتفاع في الضغط ومرض السكري، ليجد علبة دواء واحدة على الأقل، حتى بات الأمر مستحيلا.

وبعدما اختفت أدويته من الأسواق، حدد له طبيبه أدوية بديلة عنها، لكن حتى هذه "لم يعد من الممكن إيجادها".

وأمام هذا الواقع، اضطر أحمد الذي يعمل في موقف سيارات أحد مطاعم بيروت، إلى التوقف عن استهلاك الدواء لأسابيع، لكنه سرعان ما أصيب بنوبات ارتفاع حاد في الضغط.

وما كان منه إلا أن اتصل بأحد أقاربه في إسطنبول وبصديق في الإمارات المتحدة، ليطلب منهما إرسال أدوية له مع معارف قادمين إلى لبنان.

ويقول "نحن أمام خيار الموت لأننا لا نجد الأدوية أو الموت، لأنه لم تعد لدينا أموال بعدما صرفناها كلها على أدوية نشتريها من الخارج". مضيفا "في الحالتين، يقتلوننا".