حفل موسيقي يعيد الجمهور إلى مسرح الربيع الموصلي

قدمت فرقة أوركسترا "وتر" أولى حفلاتها على مسرح الربيع في الموصل بهدف تسليط الضوء على حاجة هذا الصرح الفني إلى إعادة الإعمار، في محاولة لبثّ الحياة في المدينة المنكوبة من خلال الموسيقى والفن..
الموصل (العراق) - نظمت فرقة أوركسترا “وتر” العراقية بقيادة محمد محمود أولى حفلاتها في قاعة مسرح الربيع التي دمرت في أعقاب احتلال تنظيم داعش لمدينة الموصل شمال العراق.
وأمتعت الفرقة، التي كانت قد عزفت من قبل في مراسم استقبال البابا فرنسيس في مارس الماضي على أنقاض الكنيسة السريانية الكاثوليكية، الحاضرين.
ومن بين الأنقاض تصاعدت ألحان العازفين وملأت الفضاء بمقطوعات موسيقية تفاعل معها جمهور غفير، وأعادت الحياة للمسرح المهجور، في رسالة تحمل آمالا كبيرة في بعث الموصل وتراثها الموسيقي من جديد من وسط ما لحقهما من تخريب وتهميش ودمار.
وشهد الحفل حضورا جماهيريا عريضا متعطشا إلى عودة الحياة لأقدم مسارح مدينة الفيحـاء، وكان رئيس أساقفة الموصل للسريان الكاثوليك المطران يوحنا بطرس موشي من بين الحضور وكانت برفقته مجموعة من رجال دين مسيحيين آخرين وراهبة كاثوليكية.
ووفقا لتقارير إعلامية كشف أحد العازفين أن هذه المبادرة رسالة للموصليين والعالم بأسره يفيد فحواها بأن هناك فنا وأن عليهم الاستمرار، “لذلك فكروا في إعادة الحياة للمدينة المنكوبة من خلال الموسيقى والفن”، معتبرا أنهم في حاجة إلى مسارح، وهذا ما دفعهم إلى لفت انتباه الجمعيات والمنظمات لحاجة مسرح الربيع إلى الإعمار من خلال هذا الحفل.
وحرص عدد من الحضور بعد انتهاء العرض على التقاط صورة سيلفي بهواتفهم المحمولة لتوثيق الحدث.
وقامت مجموعة من المتطوعين الشباب قبل انطلاق العرض بتنظيف المسرح الذي أهمل منذ حرب العراق عام 2003؛ فبعد أن كان مكانا يجمع كبار الفنانين العراقيين والعرب، من بينهم الفنانة الجزائرية الراحلة وردة الجزائرية والفنانة المصرية نجاة الصغيرة والفنان السوري صباح فخري والعديد من الفرق الموسيقية والعروض المسرحية، تم تدميره وأهمل نتيجة الصراعات المسلحة في الموصل.
وقد شكلت كبرى مدن محافظة نينوى محطة هامة لكبار الفنانين العرب ممن أقبلوا على إحياء حفلاتهم في “أم الربيعين” التي ولد فيها عبقري الموسيقى أبوالحسن علي بن نافع الموصلي والمعروف بزرياب، وصولا إلى كاظم الساهر أحد أشهر فناني العالم العربي اليوم.
لكن خلال سيطرة تنظيم داعش على الموصل قام الجهاديون بعمليات تدمير ممنهجة للمسارح والآلات الموسيقية. واليوم لا توجد قاعات للحفلات الموسيقية في المدينة، على عكس ما كانت عليه في القرن العشرين.
وعلى الرغم من محاولات المقاهي فتح أبوابها أمام مجموعات موسيقية لتقديم عروضها، في ظل غياب تلك الصروح وغيرها من المساحات المناسبة للحفلات، فإن الكثير من الموصليين يطمحون لفتح المسارح والفضاءات الثقافية من جديد.
ويهدف هذا العرض إلى تسليط الأضواء على الدمار الذي لحق بالمرافق الفنية في الموصل، في محاولة لاستعادة الإرث الفني وإعادة إعمار أحد أهم المسارح في المدينة.
ولا تزال آثار الدمار الكبير الذي أصاب المدينة جرّاء الحرب ضدّ داعش التي دارت داخل أحيائها وبين مساكنها ماثلة للعيان بعد سنوات من انتهاء تلك الحرب وإعلان النصر على التنظيم في عام 2017.
ورغم أن الحكومة وعدت بإعادة بناء المدينة فإن جهد إعادة الإعمار اصطدم بالأزمة المالية المستفحلة في العراق، ما جعل السكان يعوّلون على جهدهم الخاص ويفعلون كل ما يستطيعونه لترميم دُورهم ومتاجرهم أو إعادة بنائها بالكامل، والآن يحاولون إعمار الفضاءات الفنية.
يشار إلى أن الفنانين العراقيين، لاسيما من الشباب، يجتهدون لإزالة آثار الدمار عن مدينة الموصل، وقد تنوعت مبادراتهم. ففي عام 2019 قامت مجموعة من الفنانين الشباب، ومعظمهم من طلاب الجامعات، بتزيين المدينة بجداريات ذات ألوان زاهية، تنبض بالحياة وتعيد لسكانها ذكريات ماضيها الجميل وتحيي في نفوسهم الأمل في مستقبل أفضل.