حسن العلوي وحكاية الديك الفصيح
ظل حسن العلوي الصحافي الأشهر بين صحافيي العراق الألفين الممارسين الحقيقيين لمهنة الصحافة، والعلوي ليس الأفضل كتابة بين أقرانه في معايير المهنة، لكنه الأبرع في جعل كتف السلطة الرابعة بكتف السلطات الثلاث الأخرى في الدولة.
يعلق على حائط بيته حين زرته في أربيل العشرات من الصور له مع أصحابه الساسة بينهم رؤساء دول وملوك وأمراء، وأصدقاء رحلته خلال نصف قرن أو يزيد.
أذكر في بداياتي الصحافية حين كنت طالباً في الإعلام دخلت عليه في مكتبه في دار الجماهير للصحافة رئيساً لتحرير مجلة “ألف باء” مقترباً للمرة الأولى من ذلك العلوي مالئ الدنيا وشاغل الناس، أدركت عن قرب قصر قامته وطول لسانه، وهو يكاد ينفجر لأني لم آت إليه بنصّ مكتوب ليختبر موهبتي، واكتفى بإرسال رسالة معي، قل لرئيس قسمك د. سنان سعيد “الديك الفصيح من البيضة يصيح”، هكذا أنهى مقابلتي معه، خرجتُ ضجرا لكني منتشياً بعبارته التي لم أسمعها على مقاعد دراسة الإعلام.
ومرّت الأيام وأنا دؤوب على قراءة عموده الأسبوعي في “ألف باء” تحت عنوان “مفتاح”.
كان مشاكساً حاذقاً في التقاط، ظواهر الدولة السلبية حينها، وكانت له رسائل مكشوفة ومبشرة بالقائد القادم للبلاد، الذي يراهن عليه العلوي كثيراً بل ويرافقه حال انتقاله للموقع الأول مطلع الثمانينات من القرن الماضي، ليكتب مقالاً سياسياً أنثربولوجيا مدوياً (مئة ساعة مع صدام حسين) عن رحلته الأولى للأهوار والحوارات التي أجراها الرئيس مع آخر فصيل سومري استوطن الأهوار، تلك البيئة المدهشة التي يقطنها البسطاء.
مرافقته تلك تسببت بزيادة خصومه الألداء، وجلهم من أعضاء مكتب الثقافة والإعلام الذي يترأسه الرئيس بنفسه ليحكم سيطرته على الإعلام، كان يزعجهم ويحرجهم كثيرا تخطي العلوي لقوالب العمل الحزبي وتراتبيته، لكنه يتهمهم علناً بأنهم مصابون بلوثة “وحدة الأخبار ووحدة الأفكار ووحدة الأنماط والأساليب” الذي لم يتوان أن يطلقها أمام الرئيس الشاب الذي دخل حرباً ضروساً مع إيران مطلع الثمانينات، وكان العلوي يسعى إلى أن يكون هيكل العراق، بلا منازع، تشفع له ثقافته الاجتماعية وتأريخه الحزبي والسياسي.
حين تجالس العلوي تكتشف أنه حكاية وخزين من الأفكار والصياغات التي يضع نفسه دوماً في الصف الأول شاهداً وشهيداً على حدوثها، وهو ينجز بين حين وآخر كتاباً عن رؤاه السياسة والإعلامية التي تحوّل خلالها من مؤيد مغال لمعارض عتيد، بُعيد إعدام ابن خالته وشقيق زوجته الوزير عدنان الحمداني، والتحاقه بالمعارضة ضد النظام الذي سبق وأن كال إليه مديحاً منقطع النظير، ليعيّن نفسه سفيراً بعد سقوط بغداد ثم نائبا معارضاً للسلطة وكاشفاً خبايا رموز المعارضة الحاكمة أخيرا ليعود معارضاً لها.
كاتب عراقي