حسن الزرقوني لـ"العرب": لاستطلاعات الرأي دور حيوي في التحول الديمقراطي في تونس

بعد الانتفاضة الشعبية قبل عشر سنوات، كان من بين أكبر المكاسب التي حصل عليها التونسيون حرية التعبير، وقد برزت على الساحة في خضم ذلك أدوار جديدة لمؤسسات سبر الآراء التي اعتبرها البعض إحدى الأدوات المهمة في ذلك المسار. ومع كل الجدل الذي رافق نشاطها، بدأت تشق طريقها بثبات في المشهد السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي. ولعل “سيغما كونساي”، التي تعد واحدة من أبرز الشركات في هذا المجال اليوم، تجسد ذلك المنعطف حتى أن مديرها حسن الزرقوني اعتبر في مقابلة مع “العرب” أن لاستطلاعات الرأي دورا حيويا في الانتقال الديمقراطي كما أنها باتت في بعض الحالات تحدد السياسات العامة وتوجه التغيير الجيواستراتيجي للدولة، إلى درجة أنها اتجهت لتقديم تجربتها في أماكن مختلفة من المنطقة العربية.
تونس - يعرف أغلب التونسيين حسن الزرقوني، مدير شركة سيغما كونساي المتخصصة في عمليات استطلاع الآراء، والتي توقعت بدقة نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية التونسية التي أجريت في العام الماضي.
لم تكن توقعات الزرقوني مجرّد تخمينات بل كانت نتاج شهور من العمل الشاق. وأوضحت هذه النتائج في واقع الحال التقدّم الذي أحرزته شركة سيغما كونساي، ووكالات استطلاع رأي تونسية أخرى، منذ عام 2011.
تمتلك هذه المؤسسات الآن التجربة لتقديم خدماتها في أماكن مختلفة. وهذا هو الحال مع شركة سيغما كونساي التي تأسست في عام 1998 ولها اليوم مكاتب في تونس والجزائر والمغرب. وهي تعمل في أكثر من عشرين دولة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وقد افتتحت مؤخرا فروعا في أوروبا وأفريقيا جنوب الصحراء.
قبل 2011 كان نشاط مراكز سبر الآراء في تونس مقتصرا على أبحاث التسويق أو الجمهور الإعلامي أو الدراسات الاجتماعية
وحسن الزرقوني خبير في الإحصاء وخرّيج المدرسة الوطنية الفرنسية للإحصاء والإدارة الاقتصادية، وقد أصبح حضوره أساسيا في البرامج الحوارية على القنوات التلفزيونية التونسية، أثناء فترات الانتخابات وخارجها، ووصفه أحد المحللين التونسيين بأنه “يقدّم الوجه الرقمي للاتجاهات الاجتماعية والسياسية في البلاد”.
ويعمل لدى سيغما كونساي 120 موظفا بدوام كامل. وتستعين المؤسسة بأكثر من ألفي موظف بدوام جزئي سنويا. وتعتمد دراسات هذه المؤسسة على المسوحات الكمية فضلا عن التحليل النوعي ومجموعات التركيز والمقابلات المتعمّقة مع الجماهير المستهدفة.
وتقوم طرق جمع البيانات في سيغما كونساي على الاستطلاعات المباشرة وجها لوجه والمكالمات الهاتفية واستطلاعات الرأي عبر الإنترنت. وفي مقابلته مع “العرب”، يقيّم الزرقوني تطوّر عمل شركات استطلاع الرأي في تونس، وتأثير دورها على التحول الديمقراطي في البلاد، وتفاعل السياسيين والجمهور بشكل عام مع نتائج استطلاعاتها.
كيف تقيّم تطور قطاع استطلاعات الرأي منذ عام 2011؟ وكيف تطورت مؤسسة سيغما كونساي منذ ذلك الحين؟
قبل عام 2011 كانت مراكز سبر الآراء في تونس مقتصرة على قطاع أبحاث التسويق واستطلاعات الرأي المتعلّقة بالجمهور الإعلامي وكان التداخل مع السياسة نادرا إلا في مناسبات الدراسات الاستقصائية الاجتماعية القليلة التي كانت تطلبها المؤسسات الدولية، لاسيما وكالات الأمم المتحدة، والتي كانت تركّز على قضايا النوع الاجتماعي أو الشباب.
بعد عام 2011 وسّعت مؤسسات سبر الآراء، مثل سيغما كونساي، مجال أبحاثها لدراسة الرأي العام بطريقة أكثر تعمّقا. ونجري الآن ثلاثة أنواع من الاستطلاعات على أساس منتظم؛ الأول، استطلاعات الرأي التي يتم إنجازها بمقاييس شهرية لتقسيم الحالة العاطفية للتونسيين، وتصوراتهم للوضع الاجتماعي والاقتصادي ومستوى ثقتهم في المؤسسات والشخصيات السياسية.
كما نجري استطلاعات رأي حول نوايا التصويت للانتخابات التشريعية أو الرئاسية أو المحلية، ونقوم كذلك باستطلاعات رأي للناخبين فور خروجهم من مراكز الاقتراع، ونعرض الأرقام التي نحصل عليها مساء الإعلان عن نتائج الانتخابات.
بفضل هذه الأنشطة المنتظمة والتجربة المتراكمة، سواء من حيث نظرية المسح أو ممارسة تقنيات تحديد العيّنات، شرعت العديد من الشركات الاستشارية التونسية في غزو الأسواق في البلدان العربية حيث أصبح تقييم توجهات الرأي العام عاملا إستراتيجيا في مجال اتخاذ القرارات والتصرف سواء بالنسبة إلى الحكومات المحلية أو بالنسبة إلى القوى الدولية.
وأصبح عملنا يحدّد السياسات العامة ويوجّه التغيير الجيواستراتيجي في بعض الحالات، وبدأت مؤسساتنا تستقطب أفضل الباحثين والمختصين في الإحصاء الذين لم يعودوا بحاجة إلى الهجرة لتحقيق طموحهم المهني والفكري.
إن وجود قاعدة قوية من الموارد البشرية والخبرة الثابتة والبنية التحتية التكنولوجية الراسخة إلى حد ما في تونس، مكّن مؤسسات سبر الآراء من منافسة كبرى المؤسسات في العالم. على سبيل المثال، تعمل سيغما كونساي في أكثر من 25 دولة، في 3 قارات، وتجري دراسات نموذجية بالاعتماد على أطقم تونسية، ومن تونس.
هل تعتقد أن المشرفين على مؤسسات الدولة والفاعلين السياسيين يجدون في استطلاعات الرأي مرجعا يساعدهم على اتخاذ قراراتهم؟
في البداية مررنا بمرحلة الرفض، ثم جاءت مرحلة القبول حاليا. هناك علاقة ثقة بين صانعي القرار السياسي أو الحكومي وشركات الاستطلاع الجادة في البلاد.
لقد أصبحت الإحصائيات ضرورية للمساعدة في اتخاذ القرار. تنتشر ثقافة الأرقام وتبسيط المناقشات من خلال الدراسات، وصرنا غالبا ما نرى قرارات مصيرية تتخذ بناء على نتائج استطلاعات الرأي، مثل قرار الترشح أو عدمه لرئاسة الجمهورية وتقييم فرص نجاح مثل ذلك الترشح.
كما نلمس ذلك في الأولويات التي تحدّدها الحكومات والتي تتطابق مع تلك المسجلة خلال استطلاعات الرأي الدورية. ويمكننا القول الآن إن صناع القرار يدرسون مليّا نتائج الاستطلاعات المختلفة حول تصورات المواطنين ومواقفهم وسلوكهم.
هل يتحدّث التونسيون المستطلعة آراؤهم بصراحة وعفوية في جميع الموضوعات أم أن هناك حالات يمارسون فيها شكلا من أشكال الرقابة الذاتية؟
اكتشف التونسيون حرية التعبير ووجدوا حتى الآن مصلحة في الرد بعفوية وبطريقة شاملة على الأسئلة التي تتضمنها استطلاعاتنا. لم يملّوا بعد من الاستطلاعات. وهذا قد لا يدوم. بالإضافة إلى ذلك، هناك موضوعات تمتحن فيها موضوعيّتهم، خاصة عندما يتعلّق الأمر باستطلاعات حول الممارسات الدينية أو حول موضوعات معيّنة تتعلّق بالحريات الفردية والاختيارات، وفي هذا لا يختلف التونسيون عن غيرهم من سكان العالم.
ما هو الدور الذي تلعبه استطلاعات الرأي في التحول الديمقراطي؟
تعد استطلاعات الرأي ومؤسسات سبر الآراء، مثل مؤسستنا، من دعائم الديمقراطية. اليوم، من الوهم الاعتقاد بأنه يمكنك ممارسة التزوير على نطاق واسع أثناء الانتخابات إلى درجة مخالفةِ نتائج نوايا الناخبين كما تحددها الاستطلاعات على سبيل المثال.
هل لدى صناع القرار والفاعلين السياسيين اهتمام بصورة تونس في الخارج؟ وهل استطاعت تونس الحفاظ على صورتها الأولية، “قصة نجاح للربيع العربي”؟
أهدرت تونس خزان التعاطف الذي حظيت به خلال الأشهر القليلة من سقوط نظام زين العابدين بن علي. كانت المصلحة العامة غائبة إلى حد كبير عن جميع المعارك السياسية والحزبية التي ميّزت الحياة العامة في تونس على مدى السنوات العشر الماضية، إلى درجة أن فكرة تعزيز الصورة الدولية للبلاد تراجعت إلى ذيل أولويات هؤلاء الذين هم في السلطة ولدى التونسيين أنفسهم.
إذا لم تتعاف تونس في أسرع وقت ممكن، فإن المتلازمة اللبنانية تتربص في الأفق، وسيكون ذلك خسارة كبرى لأن تونس، مثل لبنان، لديها إمكانات هائلة تسمح لها بالوقوف مجددا على رجليها وإعادة اكتشاف نفسها.
تكمن هذه الإمكانات بشكل أساسي في رأس مالها البشري وموقعها الجغرافي الإستراتيجي في قلب البحر المتوسط بين أوروبا شمالا وأفريقيا جنوبا، وبين الشرق والغرب.