حسابات خاطئة في قضية خاشقجي: أردوغان يقلب الأوراق ضده

النظام التركي يورط نفسه بدلا من كشف الحقيقة، وخبراء يؤكدون أن تركيا غير مؤهلة لتقديم مواعظ حول الحريات وحقوق الإنسان.
الخميس 2018/10/25
كشف حقيقته لا حقيقة مقتل خاشقجي

كلما لاحت فرصة لتهدئة الجدل الذي أثاره مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، سارعت تركيا إلى صب الزيت من جديد على نار هذه القضية، رغم فشل الرئيس رجب طيب أردوغان في استثمارها لصالحه، منذ تسريبات الأيام الأولى وصولا إلى خطاب أردوغان أول أمس، بل إن موقفه أثار عليه الرأي العام والخبراء الدوليين، الذين لئن لم ينفوا مسؤولية السعودية في كل ما جرى، لكنهم في نفس الوقت يدينون “نفاق” النظام التركي الذي يملك صيتا سيئا في التقارير الدولية حول حقوق الإنسان والحريات، ويعتبره الخبراء آخر من يمكنه أن يقدم مواعظ في هذا السياق.

منذ أن اختفى الصحافي السعودي والكاتب في صحيفة واشنطن بوست، جمال خاشقجي، في قنصلية المملكة العربية السعودية بإسطنبول، لم يستطع الإعلام الأميركي اتباع سياسة ضبط النفس في إدانة ما أسموه بـ”مقتل الرجل”.

في الأثناء لم يتوان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والمسؤولون الأتراك لحظة عن إدانة المملكة العربية السعودية، لا سيما بعد أن زعم المسؤولون الأتراك أن لديهم شريط تسجيل صوتي لحادثة مقتل خاشقجي.

بدأ الأتراك في نشر صور لخمسة عشر رجلا يقولون إنهم عناصر سعودية أُرسلت من الرياض لقتل خاشقجي. وفي 23 أكتوبر، ألقى الرئيس أردوغان خطابا للمرة الأولى هاجم من خلاله السعوديين بشكل علني وادعى أنهم أمضوا أياما في التخطيط لقتله.

ثم بدأ عدد من الكتّاب والصحافيين الأميركيين يشيرون إلى موقف تركيا المنافق تجاه السعودية، وكيف أن المسؤولين الأتراك، والرئيس أردوغان على وجه الخصوص، تلاعبوا بوسائل الإعلام الأميركية والشخصيات السياسية.

وكان أنتوني كوردسمان من بين الأوائل الذين جذبوا انتباه الجمهور إلى هذه القضية. يعمل كوردسمان بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة.

الجانب الآخر من القضية

كتب كوردسمان مقالا لموقع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بعنوان “الجانب الآخر من مأساة خاشقجي”. اعترف كوردسمان بأن من الصعب تصديق أن السعودية لا تتحمل مسؤولية وفاة خاشقجي. لكنه أشار أيضا إلى نفاق الموقف الغاضب لتركيا من وفاة صحافي سعودي يعيش في الولايات المتحدة.

أردوغان سارع إلى اغتنام الفرصة وتلاعب بوسائل الإعلام الغربية التي تعتمد في تقاريرها على تدفق الأخبار الفورية ذات المنظور الضئيل. والإعلام والسياسيون الغربيون تجاهلوا إلى حد كبير سجل تركيا الفظيع بشأن حقوق الإنسان

وقال كوردسمان إن هذا الغضب يأتي من حكومة وصفها تقرير حقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية في أبريل 2018، حيث وصف التقرير حكومة أردوغان بأنها تقوم “بقمع مواطنيها أكثر مما تفعله السعودية بكثير”.

وأشار كذلك إلى أنه في حين أن هذه ليست منطقة “تتردد فيها معظم الحكومات في القضاء على عناصر المعارضة”، فقد أوضحت وزارة الخارجية الأميركية أن تركيا لا تختلف كثيرا عن قريناتها من الدول الأخرى التي ذكرها التقرير. كما “لا يبدو أنها تهتم بسجنائها أكثر مما تبدو عليه السعودية بالنسبة لخاشقجي”.

وأشار تقرير حقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية إلى أنه في نهاية عام 2017، قامت تركيا “بفصل أو إيقاف أكثر من 100 ألف موظف مدني من وظائفهم، واعتقال أكثر من 50 ألف مواطن، وإغلاق 1500 منظمة غير حكومية”.

ووثق التقرير قيام الحكومة التركية بتلفيق التهم والقضايا للصحافيين المستقلين، مشيرا إلى أن العديد من المصادر الصحافية قالت إن هناك ما بين 81 و153 صحافيا تركيا في السجون في نهاية عام 2017.

وبعد ظهور مقال كوردسمان، تناولت عدة منافذ إخبارية أميركية أخرى موضوع النفاق التركي.  لكن في حواره مع صحيفة “العرب ويكلي”، قال كوردسمان “لقد هاجمت الكثير من الدول السعودية ببساطة، وطبعا كلنا على علم بسلبيات نظام حكمها، لكنهم لم ينظروا جيدا إلى الصورة بأكملها، وأعتقد أنهم أغفلوا بشكل خاص الجهد المبذول للنظر فعليا في الأهمية الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية، والحاجة إلى إيجاد طريقة للتعامل مع مقتل خاشقجي في نفس الوقت الذي نحافظ فيه على العلاقة الاستراتيجية، لا سيما أنك لا تملك خيارات شراكة صحيحة في منطقة الشرق الأوسط”.

صمت السعودية

أنتوني كوردسمان: المملكة العربية السعودية أعطت الفرصة لتركيا بردها المتأخر وتصريحات المسؤولين المرتبكة
أنتوني كوردسمان: المملكة العربية السعودية أعطت الفرصة لتركيا بردها المتأخر وتصريحات المسؤولين المرتبكة

يقول كوردسمان إن جزءا من المشكلة هو أن السعوديين أعطوا الفرصة لتركيا بردهم المتأخر وتصريحاتهم المرتبكة. وأضاف كوردسمان “أعتقد أن هذه الجريمة بشعة، لكنها عملية يشوبها الكثير من الغباء من حيث طريقة التنفيذ. لقد كانت هذه العملية نموذجا مثاليا عن كيفية عدم إجراء عملية سرية. وتكمن إحدى المشكلات في أنه إذا جعلت من نفسك هدفا مثاليا، فإنه ستتم ملاحقتك عاجلا أم آجلا من قبل شخص ما”.

ويرى أن أردوغان سارع إلى اغتنام هذه الفرصة وتلاعب بوسائل الإعلام الغربية، التي تعتمد في تقاريرها على تدفق العديد من الأخبار الفورية ذات المنظور الضئيل.

 وأضاف أيضا أن الإعلام والسياسيين الغربيين تجاهلوا إلى حد كبير سجل تركيا الفظيع بشأن حقوق الإنسان، ومعاملة الصحافيين فيها وترحيلهم إلى تركيا.

لكن أردوغان “لعب هذه اللعبة بمهارة كبيرة بينما كان الجانب السعودي يتعامل بغباء من خلال قيامه بحملة علاقات عامة وكأن السعودية كانت تتوسل من خلال هذه الحملة للحصول على تغطية سلبية”.

هل يمكن أن تتعافى المملكة العربية السعودية من هذه التغطية السلبية، وإذا كان الأمر كذلك، كم من الوقت سيستغرق الأمر؟ قال كوردسمان “لا يمكنك أن تعرف إلى أن تمر حوالي ستة أسابيع على الواقعة. الكثير من هذه الأشياء تختفي بسرعة، لكن السؤال لا يزال قائما لأننا لم نر بعد كيف سيكون رد فعل السعودية”.

وأضاف متسائلا “كل هذه الأشياء لا يزال يتعين القيام بها. ثم يأتي سؤال ما إذا كانت الرياض ستفعل أي شيء من أجل إقناع الناس بأنها تعلمت درسا من هذه التجربة؟”.

7