حسابات اقتصادية تطغى على معارضة استغلال إثيوبيا لميناء بربرة

أديس أبابا - يرى محللون أن الحسابات الاقتصادية تطغى على معارضة عدد من دول المنطقة لاستغلال إثيوبيا ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال، إذ أن ذلك سيمنح إثيوبيا منفذا إستراتيجيا ومربحا في البحر الأحمر وخليج عدن.
وتشعر جيبوتي وإريتريا ومصر بالقلق من الوجود البحري الكبير لإثيوبيا في البحر الأحمر وخليج عدن الإستراتيجيين. ومصر، واحدة من دول رئيسة على ساحل البحر الأحمر، وتملك عدة موانئ تجارية ونفطية، وتعتبر أحد مصادر الدخل الأجنبي؛ فيما يعد استغلال إثيوبيا لميناء بربرة بوابة تنافس مع مصر في صناعة الخدمات اللوجستية البحرية.
واعتبرت القاهرة أن اتفاق أديس أبابا مع أرض الصومال بشأن تطوير ميناء بربرة "غير شرعي ومخالف للأعراف الدولية ويمثل تدخلا في الشؤون الداخلية لجمهورية الصومال الفيدرالية". وفي جيبوتي، التي تتقاضى من إثيوبيا حوالي 1.5 مليار دولار سنويا لاستخدام موانئها، يقول محللون إن فقدان هذا الدخل قد يؤدي إلى عدم استقرار البلد الذي يرأسه إسماعيل عمر جيله.
وجيبوتي دولة أفريقية صغيرة الحجم، ولكنها مفتوحة على قناة السويس باعتبارها واحدا من أنشط طرق النقل البحري في العالم. ويعد ميناؤها المهم روح اقتصاد البلاد، إذ يوفر أكبر مصادر الدخل والتشغيل في بلاد تفتقر إلى مقومات حيوية أخرى. وباعتبارها أكبر منفذ بحري لجارتها العملاقة، فإن أيّ صفقة للتجارة عبر ميناء بربرة قد تقلل من مكانتها.
وبالنسبة إلى الصومال، فإن ميناء بربرة يعتبر أحد أفضل المواقع الجغرافية للتطوير، وتحويله إلى أحد أهم مصادر الدخل للبلد الفقير، خاصة مع عدم توفر موانئ بنفس الميزات التي يحظى بها بربرة. وإثيوبيا اليوم، هي "دولة حبيسة" لا تطل على أيّ واجهة بحرية، إذ تحدها من الغرب كينيا وجنوب السودان، ومن الجنوب الصومال، ومن الشرق جيبوتي وإريتريا، ومن الشمال والشمال الغربي السودان.
وفقدت إثيوبيا، وهي ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان، قدرتها على الوصول إلى البحر عندما انفصلت إريتريا عنها وأعلنت استقلالها عام 1993. ومنذ ذلك الحين، اعتمدت إثيوبيا على جيبوتي في التجارة الدولية، حيث يمر أكثر من 95 في المئة من وارداتها وصادراتها عبر ممر "أديس أبابا – جيبوتي".
وقد لا يبدو الحصول على منفذ بحري طوله 20 كيلومترا أمرا كبيرا، ولكنه حيوي بالنسبة إلى دولة حبيسة، مثل إثيوبيا، تبحث عن موارد مالية، من أجل بقائه؛ فهي من حيث عدد السكان أكبر دولة في العالم لا تملك ساحلا. ولسنوات، سعت الحكومة الإثيوبية إلى تنويع محاولات الوصول إلى موانئ بحرية، بما في ذلك استكشاف الخيارات في السودان وكينيا؛ وفي 2018 وقّعت صفقة للاستحواذ على حصة 19 في المئة في ميناء بربرة، قبل إلغاء الاتفاق.
ولدى إثيوبيا مصلحة إستراتيجية في الوصول إلى جميع الموانئ البحرية في منطقة القرن الأفريقي في إطار إستراتيجية رئيسية يرتكز عليها آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، في مشروعه الإقليمي الذي يقوم على ضمان التقدم الاقتصادي لإثيوبيا والتغلب على كونها دولة حبيسة، مما يعزز المساعي الإثيوبية لامتلاك حصص في الموانئ البحرية بالمنطقة.
ويقول أحمد عسكر وهو باحث مشارك في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية إن إثيوبيا تدرك أن السعي نحو تقوية اقتصادها يعزز نفوذها الإقليمي ، كونه يجعلها قادرة على ربط اقتصادات دول المنطقة بالاقتصاد الإثيوبي باعتباره الاقتصاد المهيمن. كما يجعلها مقصدًا للاستثمارات الأجنبية، وبوابة مهمة للقوى الكبرى إلى دول المنطقة والعمق الأفريقي.
◙ إيجاد منفذ إلى البحر الأحمر ليس حاجة إثيوبية فقط؛ فشركاؤها الاقتصاديون، وخاصة من دول الخليج التي باتت تراهن على حضور قوي في القرن الأفريقي
ويضيف عسكر "لذلك، تقود إثيوبيا مبادرة التكامل الإقليمي في القرن الأفريقي وما تتضمنه من مشروعات إقليمية عدة، من أجل تحقيق هدفين أساسيين هما؛ تعزيز ربط البنية التحتية بين إثيوبيا ودول المنطقة كما هو الحال في مشروع 'لابسيت' (LAPSSET) الذي يربط بين دول كينيا - ميناء لامو - وإثيوبيا وجنوب السودان. بالإضافة إلى إمكانية توافر عدة بدائل إستراتيجية فيما يتعلق بالموانئ البحرية، مما قد يسهم في تعزيز النفوذ الإثيوبي في القرن الأفريقي".
ويتابع "تسعى إثيوبيا بشكل حثيث إلى إيجاد موطئ قدم في كل الموانئ البحرية بدول المنطقة، بما يعزز البدائل المتاحة أمامها، وتأمين ممرات إستراتيجية في المنطقة تهدف إلى تدفق تجارتها الخارجية والتحول إلى مركز اقتصادي ومالي إقليمي هناك". واشتعل فتيل أزمة بين الصومال وإثيوبيا، مجددا خلال الأسبوع الجاري، بإعلان أديس أبابا توقيع مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال يسمح لأديس أبابا باستغلال ميناء بربرة على البحر الأحمر، تجاريا وعسكريا.
وهذه المذكرة، التي تأتي بعد قرابة 6 سنوات من اتفاق أولي بين الطرفين تم إلغاؤه لاحقا، أثار إدانات من الصومال؛ في وقت يشعر جيران آخرون بالقلق، بشأن السماح بالوصول البحري المحتمل إلى البحر الأحمر من جانب إثيوبيا. وأرض الصومال، أو "صومالي لاند" لا تتمتع باعتراف رسمي منذ إعلانها الانفصال عن الصومال عام 1991، لكنها كيان مستقل عن الصومال إداريا وسياسيا وأمنيا.
ويرى مراقبون أن إيجاد منفذ إلى البحر الأحمر ليس حاجة إثيوبية فقط؛ فشركاؤها الاقتصاديون، وخاصة من دول الخليج التي باتت تراهن على حضور قوي في القرن الأفريقي، لديهم مصلحة في ذلك، وليس مستبعدا أن تكون أديس أبابا قد حصلت على دعم خليجي لتحقيق هذا الهدف الإستراتيجي.
وفي إثيوبيا تستثمر دول الخليج في مجال الزراعة بشكل كبير. وحدث نمو كبير في الاستثمارات الأجنبية الموجهة إلى مجالَيْ الزراعة والإنتاج الحيواني، حيث بلغ حجم الاستثمارات في هذين المجاليْن نحو 8 مليارات دولار، معظمها استثمارات خليجية.