حزمة استثمارات سعودية تفتح آفاق انتعاش الاقتصاد الباكستاني المتعثر

يرجح خبراء أن تساهم حزمة الاستثمارات السعودية المرتقبة خلال زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في تخفيف أزمات باكستان الاقتصادية، ويجعل إسلام آباد في طريق مفتوح للابتعاد أكثر عن التعامل تجاريا مع إيران التي تشكل أحد أبرز التحديات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
الرياض - تترقب باكستان الزيارة التاريخية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعد أن أدارت بوصلتها الاقتصادية إلى الرياض عابرة إيران المحاذية لها من الشرق، بما تمثله من مشكلة جيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط.
وبينما أكد مصدران سعوديان لوكالة الصحافة الفرنسية أمس أن ولي العهد سيزور إسلام آباد في الفترة المقبلة دون موعد محدد، إلا أن مصادر قالت الشهر الماضي إن الزيارة ستكون في نهاية فبراير الجاري.
وتطمح إسلام آباد إلى اجتياز البعض من المشكلات وهي تقف على عتبة عقد اتفاقيات مع الرياض بقيمة 13 مليار دولار بشأن الاستثمار ودعم ميزان المدفوعات ومعالجة تأخر تسليم شحنات النفط من السعودية والإمارات.
ويتوقع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان توقيع مذكرة تفاهم خلال الزيارة بشأن إطار لاستثمارات سعودية بقيمة 10 مليارات دولار، خاصة في مجال تكرير النفط والبتروكيماويات والطاقة المتجددة وكذلك التعدين.
ومن أبرز تلك الاستثمارات ستكون مصفاة لتكرير النفط في ميناء مدينة غوادر الاستراتيجية، الوجهة النهائية في ما يعرف بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الضخم، الذي لا يبعد كثيرا عن ميناء جابهار الإيراني.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية لمسؤول كبير في وزارة المالية الباكستانية قوله إن “نتائج المحادثات حتى الآن إيجابية للغاية وستكون هذه من أكبر الاستثمارات السعودية على الإطلاق في باكستان”.
وكانت صحيفة وول ستريت جورنال أوردت الشهر الماضي أن السعودية والإمارات، أكبر شريك تجاري لإسلام آباد في الشرق الأوسط، عرضتا استثمارات وقروض على باكستان بقيمة 30 مليار دولار.
ويتوقع الخبير الاقتصادي فضل البوعينين أن توفر الاستثمارات السعودية لباكستان شريان حياة لاقتصادها المتعثر، والتي من المرجح أن تؤدي إلى زيادة التباعد في علاقاتها مع إيران المجاورة.
وقال إن “هذه الاستثمارات تأتي ضمن منظومة دعم اقتصادية تسعى السعودية من خلالها للتخفيف من ضغوط الديون على باكستان وشح العملات الأجنبية وضعف النمو الاقتصادي”.
وأكد أن الرياض تسعى أيضا لتحقيق أهداف استراتيجية وتجارية من استثماراتها في مشاريع مصفاة النفط والبنى التحتية.
وكانت كل من السعودية والإمارات قد قامت بإيداع 6 مليارات دولار مناصفة في البنك المركزي الباكستاني لتعزيز السيولة ودعم العملة المحلية المتدهورة.
وقامت الدولتان أيضا بتأجيل دفعات بقيمة 6 مليار دولار من مستحقات الواردات النفطية، مع فشل باكستان في الحصول على قروض جديدة من صندوق النقد الدولي.
وزار خان السعودية مرتين منذ توليه منصبه في يوليو 2018، إذ حضر في أكتوبر منتدى استثماريا في الرياض، بينما زار وزير الطاقة السعودي خالد الفالح غوادر الشهر الماضي وتفقد موقع مصفاة النفط المقترحة.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن الفالح قوله حينها إن بلاده “تدرس إمكانية بناء مصفاة للنفط وملحق للبتروكيماويات في المدينة بكلفة 10 مليار دولار”.
ويؤكد البوعينين أن السعودية تسعى لتوسيع استثماراتها في المصافي لتأمين حصة واستدامة لصادراتها النفطية بعيدا عن المنافسة العالمية.
وكغيرها من الدول المصدّرة للنفط، سعت السعودية للاستثمار بشكل كبير في مشاريع مصافي النفط والبتروكيماويات في أنحاء العالم، بهدف ضمان مشترين طويلي الأمد للنفط الذي تنتجه.
ويقول خبراء إن خط نفط مقترحا من غوادر إلى الصين سيخفّض الوقت الذي تستغرقه الإمدادات من أربعين يوما في الوقت الحالي إلى سبعة أيام فقط.
وتم تطوير ميناء غوادر الباكستانية في إطار مبادرة طرق الحرير الجديدة التي أطلقتها الصين في عام 2013 باسم “الحزام والطريق”.
ويرى الخبيرة السعودي البوعينين أن باكستان تحتاج إلى شريك لدخوله كمستثمر ثالث، بالإضافة إلى الصين، قادر على ضخ الأموال اللازمة.
وحتى الآن، رفضت بكين دخول شركاء في المشروع مثل السعودية والإمارات. ويقول جيمس دورسي الخبير في شؤون المنطقة إن هذا يأتي بعد دعوات من خان إلى إعادة هيكلة الاستثمارات الصينية لتضم الزراعة وقطاعات أخرى مع توفير فرص عمل جديدة وليس فقط البنى التحتية.
ويرى دورسي أن أي استثمار سعودي في غوادر ستكون له أبعاد جيوسياسية، لاسيما وأن الجزء الآخر من التمويلات سيذهب إلى محافظة بلوشستان المجاورة للحدود مع إيران.
ودشنت طهران أواخر العام الماضي مرفأ جابهار الذي يوفر طريقا رئيسيا للإمدادات إلى أفغانستان، التي لا تملك أي منافذ بحرية.
ويتوقع محللون باكستانيون تدفق نحو 5 مليارات دولار في التجارة الأفغانية عبر المرفأ بعد أن بدأت الهند خلال ديسمبر الماضي في التعامل مع حركة الميناء التشغيلية.
وترى نيودلهي في المرفأ، الذي يبعد حوالي 70 كلم فقط عن غوادر طريقا رئيسيا لإرسال الإمدادات إلى أفغانستان وتعزيز تجارتها مع آسيا الوسطى وأفريقيا.
وتشعر باكستان بالقلق من أن العلاقات المتدهورة مع طهران من الممكن أن تتيح لجارتها الهند فرصة تقويض 45 مليار دولار متاحة لها.
وليس من المتوقع أن تتدخّل الرياض في الخلاف الهندي الباكستاني، حيث تملك السعودية أيضا اتفاقات طاقة استراتيجية كبرى مع نيودلهي التي يتسارع فيها الطلب على النفط.
وكانت الرياض قد وقعت في أبريل الماضي اتفاقا بقيمة 44 مليار دولار لبناء مصفاة نفط ضخمة ومجمع للبتروكيماويات غرب الهند.
وفي محاولة باكستانية لحشد تمويلات إضافية، التقى خان أمس على هامش القمة العالمية للحكومات المنعقدة في دبي بمديرة صندوق النقد كريستين لاغارد في دبي لاستكمال المباحثات حول مفاوضات للحصول على إنقاذ مالي.
وتسعى إسلام آباد للحصول على حزمة الإنقاذ، وهي الثالثة عشرة لها منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، من أجل معالجة عجز في ميزان المعاملات الجارية يُنذر بحدوث أزمة في ميزان المدفوعات.
لكن المباحثات تأجلت بفعل صعوبات في تحقيق مطالب الإصلاح التي يرغب فيها صندوق النقد، في ظل مخاوف باكستانية من أن مثل هذه الإصلاحات قد تكون قاسية وقد تضر بالنمو الاقتصادي.
ونسبت رويترز لوزير الإعلام الباكستاني فؤاد تشودري قوله قبل اللقاء إن هذا “سيُعطي فرصة لفهم آراء صندوق النقد الدولي وسنتمكن من عرض رؤيتنا على لاغارد”.
وتأتي الخطوة في الوقت الذي تتدهور فيه آفاق الاقتصاد الباكستاني الكلي، حيث جرى خفض توقعات النمو للسنة المالية الحالية إلى نحو 4 بالمئة من ستة بالمئة في التوقعات السابقة.