حزب مصري ينغمس في العملية التعليمية هربا من الركود السياسي

توجهات لسد الثغرات ومنع عودة نشاط الإخوان داخل المنظومة التعليمية.
الاثنين 2021/12/27
القواعد الشعبية تبنى من المدارس

أسفر تراجع حضور تنظيم الإخوان المسلمين داخل المؤسسة التعليمية في مصر عن محاولات جهات أخرى للانخراط في الأنشطة التعليمية وتنظيم المسابقات والنشاطات الطلابية التي تؤسس لقاعدة شعبية واسعة، حيث تدخل حزب مستقبل وطن المقرب من الحكومة في المنظومة التعليمية داعما كوادره للمشاركة في مجالس أمناء الطلاب كما عقد اتفاقية هي الأولى من نوعها مع وزارة التربية والتعليم، رغم أنه لا يملك قاعدة شعبية كبرى، كما أن الحكومة لا تفتح المجال لغيره من الأحزاب للقيام بذلك، مما جعلها في مرمى اتهامات بمحاولتها السيطرة على المؤسسات التعليمية وتعويض الفراغ الذي خلفه تنظيم الإخوان والاستعداد غير المباشر للانتخابات القادمة.

القاهرة - خرج حزب مستقبل وطن الذي يمثل ظهيرا سياسيا للحكومة المصرية في البرلمان عن المألوف حزبيا وبدأ ينخرط في تنظيم أنشطة تعليمية، ونشطت قيادات فيه داخل بعض المدارس والإدارات التعليمية مؤخرا، ما أثار ردود فعل غاضبة في أوساط تعليمية رأت أن الحزب يهرب من النشاط السياسي العام إلى آخر تربوي.

ونظم الحزب صاحب الأغلبية في البرلمان مسابقة “أوائل الطلاب” على مستوى محافظات ومديريات مختلفة أخيرا، وظهر شعار الحزب في المدارس وارتدى البعض من الطلاب وشاحات مدون عليها اسمه وصورته في بادرة جديدة على التعليم قبل الجامعي الذي ظل محافظا على تقاليد منعت الترويج لشعارات سياسية داخل المدارس.

ودعم الحزب كوادره لشغل مناصب “اتحادات أمناء المدارس” الخاصة بأولياء الأمور ومهمتها التعامل مع الصعوبات التي تواجه الطلاب داخل محيطهم المدرسي، ما أدى إلى استبعاد عدد كبير من الآباء الذين حرصوا على التواجد في هذه المناصب للدفاع عن حقوق أولادهم، وبدا أن هناك حالة من عدم الرضاء بشأن تسييس مواقع تعليمية.

محاولة اختراق

جمال أسعد: هناك محاولة لتمكين الحزب رغم حضوره الضعيف في الشارع

في سابقة تعليمية، وقعت وزارة التربية والتعليم بروتوكولا للتعاون مع حزب “مستقبل وطن” قضى بأن يشارك الحزب إلى جانب الإدارات التعليمية في تنظيم مسابقة “أوائل الطلاب”، ومنح الاتفاق الحزب تعليق لوحات دعائية للمسابقة تحمل شعاره وشعار الوزارة داخل المكان المقرر لعقد المسابقة، وتكليف المسؤول الإعلامي بالإدارة التعليمية بالتغطية الفاعلة للمسابقة، على أن يقوم الحزب بتوزيع الجوائز على الفائزين.

ومع الأهمية التي يمثلها نقل السياسة إلى المدارس، إلا أنها تفقد بريقها طالما أنها تقتصر على حزب بعينه، لأنها تكرس نمطا معينا في الخطاب السياسي يخدم أصحابه.

ويبدو أن هناك رغبة لدى جهات حكومية أن يبرز حضور الحزب في الأنشطة التي يقوم بها داخل المدارس والإيحاء بأنه يقوم بأنشطة تخدم 22 مليون طالب في مراحل التعليم قبل الجامعي المختلفة.

وبالتالي الوصول إلى قطاعات قد لا تعلم شيئا عن الحزب سوى اسمه أو أنه يتبع الحكومة وينفذ سياساتها، بعد تعرضه لانتقادات شعبية في الانتخابات البرلمانية الماضية، فلا يظهر تقريبا سوى في مواسم الانتخابات لجذب أصوات الناس من خلال تقديم معونات غذائية للبسطاء معبأة في كراتين مكتوب عليها شعار الحزب.

ووجهت دوائر سياسية عديدة لتنظيم الإخوان المسلمين اتهامات بأنه يخترق العملية التعليمية عبر أعضائه وكوادره سابقا، وخاضت الحكومات التي تعاقبت منذ إزاحة الإخوان عن السلطة معارك لإبعاد المنتسبين للجماعة، وأضحت مدارس الإخوان تابعة لإشراف حكومي صارم، لذلك بدا الحزب كمن يناقض الحكومة في التعامل مع التوجيه السياسي لمنع العبث بالعملية التعليمية.

ويقول مراقبون إن إتاحة ظهور الحزب داخل المدارس تشي بأن الحكومة تدعم سياسة ظهور الحزب الواحد وتدفع نحو توجيه عقول الطلاب لتأييده وإن لم يكن حضوره الآن يرتبط بالترويج لأي أهداف سياسية مباشرة، لكنه في المستقبل يحمل هذا المعنى.

ويضيف المراقبون أن المدارس لن تكون متاحة لباقي الأحزاب المؤيدة للحكومة أو المعارضة لها، ففي حال فتحت الحكومة المجال للمنافسة لن تكون هناك برامج هادفة يستفيد منها الطلاب في هذه المرحلة العمرية المبكرة.

وأكد المحلل السياسي جمال أسعد أن انهماك حزب مستقبل وطن القريب من الحكومة في العملية التعليمية يأتي في وقت تغيب فيه الممارسة الحقيقية للعمل السياسي والحزبي، كما أن المدارس ظلت بعيدة عن أي حراك، ما يعني أن هناك محاولة لتمكين الحزب تدريجيا، على الرغم من أن حضوره لا يزال ضعيفا في الشارع.

وأوضح لـ”العرب” أن الطريقة التي جرت بها إدارة المسابقات الطلابية تؤكد أن الهدف تسويقي ودعائي خاص بأولياء الأمور وليست له علاقة بالتوعية السياسية المبكرة، وهذا الهدف سيكون من الصعب تحقيقه لأن الحزب لا يملك برنامجا قويا يجذب الجمهور إليه، ويفتقر للكوادر التي تستطيع التفاعل مع الجماهير بصورة كبيرة.

السيطرة على النظام التعليمي

تحركات مستقبل وطن ترسخ اتهامات المعارضة للحكومة بأنها تحاول السيطرة على النظام التعليمي وتوظيفه لبث توجهات سياسية واقتصادية وثقافية

تعد الأنشطة المرتبطة بالطلاب من صميم عمل المعلمين والأخصائيين الاجتماعيين ولم يكن ممكنا السماح للأحزاب بأن تتدخل في إدارتها، والانخراط فيها على هذا النحو دون أي تمهيد أو تعريف بأسبابه من جانب الحكومة يقود لنتائج سلبية، لأن المنتمين إلى حزب محسوب على الحكومة لديهم رغبة في الوصول إلى المناصب ويستهدفون الترويج لأنفسهم، ما يوجد خلطا بين العمل السياسي والتعليمي.

وقال أسعد “لم يحدث في تاريخ الحياة الحزبية في مصر أن تدخلت الأحزاب بهذا الشكل السافر في العملية التعليمية وداخل المدارس، وأن الوضع الراهن يعطي إشارات على أنه يمكن لأي حزب الذهاب إلى أي مدرسة ويتدخل في أنشطتها، كما أن وجود مستقبل وطن يتعارض مع أهداف توعية الأجيال الصاعدة”.

ما يجعل الانتقادات تتجه صوب الحكومة أنها تحظر نشر أو ترويج الشعارات السياسية في انتخابات اتحادات الطلاب على مستوى المدارس والجامعات، في حين أنها تخرق هذه التعليمات والقوانين التي طالب الكثير من السياسيين بتعديلها، خاصة على صعيد المرحلة الجامعية التي يغيب عنها الحضور السياسي للأحزاب.

وتقود تحركات مستقبل وطن إلى ترسيخ اتهامات وجهتها المعارضة للحكومة بأنها تحرص السيطرة على النظام التعليمي وتوظيفه لبث توجهات سياسية واقتصادية وثقافية، بما يجعل حضور الحزب بالمدارس دعاية سلبية للحكومة.

وأشار بعض خبراء علم الاجتماع السياسي إلى أن الحكومة تحاول ملء الفراغ الذي تركه تنظيم الإخوان الذي جرى تقليم أظافره في المؤسسات التعليمية التي حضرت فيها سيطرته وأفكاره لفترات طويلة من دون الاستعانة بمنظمات المجتمع المدني التي يمكنها القيام بهذا الدور، وتم اختيار اللجوء إلى حزب تسيطر الحكومة على مفاصله.

ويؤكد هؤلاء الخبراء أن غياب الانتخابات لمدة ثلاث سنوات مقبلة إلى حين إجراء انتخابات الرئاسة والبرلمان يجعل هناك رغبة حكومية في خلق حالة من التواصل بين الحزب والمواطنين على أمل تهيئة بعض الكوادر وتدريبها ودعم ظهورها بشكل مستمر بين أولياء أمور الملايين من الطلاب لتتمكن من إيجاد حضور لها عندما يعقد أي استحقاق انتخابي.

7