حركة فتح تحذر من أجسام موازية لمنظمة التحرير

الرئيس الفلسطيني يعيش حالة من العزلة فلسطينيا وإسرائيليا وإقليميا ودوليا ولم يعد بإمكانه قيادة الحوار.
الأحد 2023/05/28
عباس يعجز عن حماية وحدة فتح

رام الله - أكدت حركة فتح أنها لن تسمح بالمس بمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. ويأتي هذا في الذكرى التاسعة والخمسين لتأسيس منظمة التحرير التي تصادف الأحد، وفي وضع يسيطر فيه الانقسام على الصف الفلسطيني سواء داخل حركة فتح أو بين الحركة وبقية الفصائل الفلسطينية الأخرى.

وقالت فتح، التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس السبت، إنها ستواجه بحزم المحاولات المشبوهة التي تقوم بها جهات مأجورة لخلق بدائل للمنظمة أو أجسام هزيلة موازية لها. وأضافت الحركة في بيان صحفي أن “أي عملية إعادة بناء أو تصويب لبعض الجوانب في منظمة التحرير لا تتم عبر المحاولات لتصفيتها أو خلق بدائل لها، إنما بالانضمام إليها والعمل بشكل جماعي وعلى أسس وطنية من أجل النهوض بها".

ويرى مراقبون فلسطينيون أن حركة فتح منزعجة من صراعاتها الداخلية، ومن الدور المتزايد للتيار الإصلاحي داخلها الذي يبحث عن توحيد الصف الفلسطيني من خلال خطوات عملية، وهو ما ترفضه القيادة الحالية لفتح التي ترى في ذلك تمهيدا لعزلها وخلق بدائل عنها وكف سيطرتها عن منظمة التحرير. وتنزعج فتح كذلك من تحركات فلسطينية في أوروبا بدأت تتصرف من خارج الحركة ومن دون تنسيق معها، وخاصة مؤتمر "فلسطينيي أوروبا" الذي يعقد دورته العشرين في السويد وترى فيه "خطوة انشقاقية عن المنظمة لضرب وحدانية تمثيلها وشرعيتها".

◙ حركة فتح منزعجة من صراعاتها الداخلية، ومن الدور المتزايد للتيار الإصلاحي داخلها الذي يبحث عن توحيد الصف الفلسطيني

ويعتبر المراقبون أن الحل بيد قيادة فتح إذا كانت الحركة تريد أن توقف تيار الانفصال عنها وتهميشها والبحث عن بدائل من خارجها، مشيرين إلى أن الرئيس عباس أمام موقف حرج، فإما أن يواصل إصراره على موقفه السلبي من الحراك الفلسطيني الجديد وإما أن يطلق مبادرة للمصالحة تشمل جميع الشخصيات التي انفضت عنه ويضمن عودة الروح إلى الحركة وروافدها، أو أن الأوضاع الراهنة تتجه إلى المزيد من التشرذم داخل فتح لتترك المبادرة لغيرها سواء من روافد الحركة أو لحركة حماس.

وفي محاولة لمواجهة البدائل التي تتحرك لأجلها روافد فتح الإصلاحية، فضلت فتح الاحتماء بحماس ودعوتها صحبة حركة الجهاد للانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية. وفي تغريدة له على تويتر، دعا حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية السبت، إلى حوار وطني شامل يحصن ويحمي مقدرات وتراث وتاريخ وأهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال تحت قيادة منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين.

وأكد الشيخ على أن منظمة التحرير ستبقى الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، مجددًا العهد بالوفاء للفكرة والهدف وصوت هذا الإطار الجبهوي الجامع لكل مكونات الشعب الفلسطيني، والاستمرار في الكفاح والنضال لتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وتأسست منظمة التحرير نتيجة لقرار مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في القاهرة في العام 1964، لتكون ممثلا للفلسطينيين في مختلف المحافل الدولية، وهي تضم معظم الفصائل الفلسطينية تحت لوائها.

غير أن المنظمة عانت من تراجع في دورها ومكانتها منذ تأسيس السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو للسلام المرحلي مع إسرائيل عام 1993، فيما فشلت عدة تفاهمات بشأن انضمام حماس والجهاد إلى المنظمة. وقال بيان حركة فتح إن الانقسام الفلسطيني الداخلي (مستمر منذ عام 2007) هو “أحد أهم أسباب إضعاف منظمة التحرير بل وإضعاف الشعب الفلسطيني ومقاومته الحقيقية للاحتلال الإسرائيلي". وأضاف أن إنهاء الانقسام هو "المدخل الصحيح لا لتصويب أوضاع المنظمة وحسب وإنما لمجمل الكفاح الوطني والحركة الوطنية الفلسطينية".

وحتى تخرج الدعوة إلى الحوار من الغموض، قال الأمين العام لـ"المبادرة الوطنية الفلسطينية" (عضو في منظمة التحرير) مصطفى البرغوثي إن المطلوب من قيادة منظمة التحرير "أن تتخذ الكثير من الخطوات الجادة حتى تعود المنظمة إلى سابق عهدها وبريقها، قائدة لحركة التحرر الوطني الفلسطيني".

وحذر البرغوثي على هامش الذكرى الـ59 لانطلاق منظمة التحرير الفلسطينية، من أن “بقاء الوضع على ما هو عليه اليوم يعني أنها سوف تضعف أكثر، وهذا يجعل الآخرين يطمعون فيها، خاصة إسرائيل التي تسعى لعزل قيادة المنظمة عن شعبها من خلال سلسلة من الخطوات التي تنفذها يوميا.. وهذا ما على قيادة المنظمة والسلطة الفلسطينية أن تفهمه جيدا”، وفق قوله.

واعتبر البرغوثي أن “السلطة الفلسطينية التي تشكلت عقب توقيع اتفاق أوسلو المشؤوم عام 1993، همّشت منظمة التحرير وحلّت مكانها، وأصبحت المنظمة وكأنها تابعة للسلطة وليس العكس، وهذا تطور خطير يتناسى أننا ما زلنا في مرحلة نضال وتحرر، ولسنا دولة ولنا كيان مستقل”. ويستبعد متابعون للشأن الفلسطيني أن يقدم الرئيس عباس على مبادرات عملية لإنجاح الحوار، معتبرين أن أكثر ما يمكن له فعله هو الإيحاء بقبول الحوار ثم وضع مواعيد فضفاضة يتم تأجيلها كلما اقتربت.

◙ متابعون للشأن الفلسطيني يستبعدون أن يقدم الرئيس عباس على مبادرات عملية لإنجاح الحوار وأكثر ما يمكن له فعله هو الإيحاء بقبول الحوار

ويرى المتابعون أن الرئيس الفلسطيني يعيش حالة من العزلة فلسطينيا وإسرائيليا وإقليميا ودوليا ولم يعد بإمكانه قيادة الحوار خاصة إذا كان هذا الحوار التفافيا ويسعى من ورائه لتثبيت نفسه وبعض المحيطين به في وقت لم يعد للسلطة الفلسطينية أي تأثير وهي تعيش وضعا قلقا.

وحذر تقرير دولي قبل أسابيع من أن معركة خلافة الرئيس عباس البالغ من العمر 87 عاما قد تتسبب بـ”احتجاجات شعبية وقمع وعنف، وربما انهيار السلطة الفلسطينية”. وتسري في الشارع الفلسطيني تكهنات حول هوية خليفة عباس الذي ترأس السلطة في 2005 لولاية كان يفترض أن تنتهي في 2009. ورأى التقرير أن إجراء “انتخابات وفق أسس قانونية” يعتبر أفضل سيناريو لكن يبقى هذا الاحتمال “الأقل ترجيحا”.

وبعد وفاة ياسر عرفات في أواخر 2004، ترأس عباس حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وانتخب في كانون الثاني/يناير 2005 رئيسا للسلطة الفلسطينية. وأشار التقرير إلى أن عباس “أفرغ المؤسسات والآليات الفلسطينية من مهامها فيما هي مخولة اتخاذ قرار بشأن من سيخلفه”، لذا أصبح “من غير الواضح من سيخلفه وبأي طريقة سيتم ذلك”.

ولم يتوجه الفلسطينيون إلى التصويت في الانتخابات الرئاسية منذ 2005، أي منذ ترأس عباس السلطة. وبعدما أعلن عن تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في 2021، عاد عباس عن هذا القرار مبررا ذلك برفض إسرائيل السماح بإجرائها في القدس الشرقية التي تحتلها منذ العام 1967 ويعتبرها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم المستقبلية. وعزا محللون خطوة عباس إلى خشيته من تراجع شعبية حركة فتح التي يتزعمها وتصدر حركة حماس التي تحكم قطاع غزة. ويخيم التوتر على العلاقة بين الحركتين منذ العام 2007 بعد اشتباكات دامية سيطرت بنتيجتها حماس عسكريا على قطاع غزة وطردت حركة فتح منه.

4