حركة الشباب نتيجة وليست سببا في مأساة الصومال

مقديشو - منذ ما لا يقل عن 14 عامًا، قامت حركة الشباب المسلحة بترويع المنطقة الجنوبية من الصومال حيث كان طموحها فرض دكتاتورية على البلاد بأكملها من خلال الخوف والوحشية. ولتحقيق أهدافها، سعت إلى الإطاحة بالحكومة الصومالية وحلفائها العسكريين الأجانب.
ويقول الكاتب جابولاني سيخاخاني في تقرير نشره موقع ذوكنفرسيشن إن الكارثة السياسية والإنسانية تسبق ظهور الجماعة الإرهابية، وبالتالي فإن حركة الشباب نتيجة وليست سببا لمأساة الصومال.
ويضيف سيخاخاني أن هناك قوتين رئيسيتين تتحملان المسؤولية عن الكارثة في الصومال والفصيل المهيمن في الطبقة السياسية الصومالية هو الجاني الرئيسي حيث كانت أجندته تتمثل في الوصول إلى السلطة ونهب موارد البلاد لتحقيق مكاسب خاصة والثاني هو المجتمع الدولي، وهو الشريك الأصغر للطبقة السياسية.
ويخشى ممثلو الحكومات الغربية والأفريقية من أن يصبح الصومال قاعدة لـ”الإرهابيين”، الأمر الذي قد يزعزع استقرار القرن الأفريقي الإستراتيجي. لكنهم غير راغبين في التعامل مع الصوماليين المدنيين ذوي العقلية المستقلة.
وتمثل القبلية السمة السياسية المميزة للصومالين إذ تعود وجهة النظر هذه إلى الحقبة الاستعمارية عندما قام المستعمرون بتقسيم السكان الأفارقة إلى معسكرات عرقية لتقسيمهم وحكمهم.
ومن هنا نشأ زواج مصلحة غريب بين الطبقة السياسية الصومالية والمجتمع الدولي حيث يتظاهر كل منهما بإحراز تقدم.
والحقيقة هي أنه لم يتم إحراز تقدم يذكر في إصلاح الفوضى السياسية. ولم يتم بذل الكثير لمعالجة الاحتياجات الإنسانية والتنموية الملحة للبلاد.
ومن المرجح أن يُهزم التنظيم الإرهابي ذات يوم. ولكن لا توجد دلائل تشير إلى أن النخبة السياسية راغبة أو قادرة على التغيير، باستثناء حدوث تحول جذري في الضغوط الدولية أو إرادة شعبية عازمة.
ويرجح سيخاخاني أن تتفاقم مأساة الصومال لعقود أخرى من الزمن، مع حركة الشباب أو بدمن دونها.
وفي العقد الأول من الاستقلال، برز الزعماء الصوماليون في أفريقيا من أجل الحكم الديمقراطي من خلال احترام سيادة القانون واستقلال المؤسسات العامة والشروط الانتخابية. ومع ذلك فإن أول رئيس للصومال، عدن عبدالله عثمان، كان يشعر بقلق عميق إزاء سلوك شريحة من الطبقة السياسية.
وانتهى المشروع الديمقراطي عندما حول أولئك الذين هزموا الرئيس عثمان في انتخابات عام 1967، البلاد إلى دولة ذات حزب واحد.
وكانت الفوضى التي أحدثتها هذه الأحداث سببا في مقتل الرئيس عبدالرشيد شارماركي على يد أحد حراسه الشخصيين في عام 1969. وسرعان ما استولى الجيش على السلطة، ومنع العودة إلى نظام حكم تمثيلي وخاضع للمساءلة على مدى الأعوام الحادية والعشرين التالية.
وبعد نصف عقد من وجودها في السلطة، قامت الدكتاتورية بتكثيف إضفاء الصبغة القبلية على السلطة العامة وحذت المعارضة السياسية حذوها.
ممثلو الحكومات الغربية والأفريقية يخشون من أن يصبح الصومال قاعدة لـ”الإرهابيين”، الأمر الذي قد يزعزع استقرار القرن الأفريقي الإستراتيجي
وأصبحت الخدمة المدنية والترقيات في الجيش، والوصول إلى موارد الدولة، تعتمد على هوية نسب الفرد أو ولائه للنظام. فمنذ أواخر السبعينات إلى عام 1990، واجهت الديكتاتورية العسكرية معارضة سياسية مجزأة ومسلحة قبلية على حد سواء وأصبحت الدولة أداة للإرهاب و تمت معاقبة مجتمعات بأكملها وتدمير مدن بسبب نسبها الثقافي وكان هذا قبل وقت طويل من صعود حركة الشباب.
وانهار النظام العسكري في يناير 1991، لكن جماعات المعارضة فشلت في الاتفاق على أجندة مدنية مشتركة. وقد قامت جماعة المعارضة الأكثر نشاطا حول مقديشو، وهي مؤتمر الصومال الموحد، بإجبار الدكتاتور على التنحي.
ومن بين عواقب إراقة الدماء بين الفصائل التي أعقبت ذلك، تدمير سبل العيش وحدوث أول مجاعة في البلاد منذ الاستقلال في عام 1960. وكان هذا قبل فترة طويلة من ظهور حركة الشباب.
وحل أمراء الحرب والإقطاعيات السياسية القبلية محل الديكتاتورية، وفر جزء كبير من النخبة المتعلمة.
وأدت “بلقنة” البلاد والمجتمع إلى إفقار الجميع باستثناء القلة القليلة التي كانت تسيطر على وسائل العنف. وارتفعت معدلات الأمية بشكل كبير وتدهورت الحالة الصحية للسكان، مما حرم الأغلبية الشابة من مستقبل منتج.
ووُلد معظم سكان البلاد الحاليين بعد سقوط الجيش؛ ولذلك فإن القليل منهم يعرفون كيف تبدو السياسة المدنية والقيادة، ما يجعلهم بيادق للنخبة الطائفية.
حشد الميليشيات القبلية للقتال تسبب في تعميق الانقسامات بين الصوماليين في وقت يتعين على النظام أن يعمل على توحيد السكان من أجل قضية مشتركة
وقد استغرق الأمر ما يقرب من 16 عامًا حتى تتمكن مجموعة دينية تعرف باسم اتحاد المحاكم الإسلامية من هزيمة أمراء الحرب. وقد أعطى هذا الحدث الأمل للسكان في استعادة نظام سلطة أكثر شمولاً وخضوعا للمساءلة. لكن الولايات المتحدة وحلفاءها الإقليميين شعروا بالقلق إزاء احتمال وجود موطئ قدم “إسلامي” في القرن الأفريقي.
ونتيجة لذلك، غزت إثيوبيا الصومال ونصبت في مقديشو الحكومة الفيدرالية الصومالية القبلية التي تشكلت في نيروبي. وانقسمت قوات اتحاد المحاكم الإسلامية إلى وحدات أصغر واعتمدت تكتيكات حرب العصابات ونجحت في مقاومة الغزو.
وأدركت واشنطن وحلفاؤها أن الاحتلال الإثيوبي محكوم عليه بالفشل، فقامت فيما بعد بهندسة انقسام بين اتحاد المحاكم الإسلامية.و كان هذا الانقسام بمثابة علامة على ولادة حركة الشباب كمنظمة مستقلة مكرسة للانتقام من حلفائها السابقين، والمؤيدين الغربيين للحكومات الصومالية، وأي شخص يعارضهم.
وليست حركة الشباب سوى أحدث مظهر من مظاهر عواقب 50 عاما من الأيديولوجية السياسية التفردية والقيادة عديمة الكفاءة.
وتشير التقديرات إلى أن قوة الدفاع الصومالية يبلغ قوامها نحو 20 ألف جندي. لكن عوامل عديدة منعتها من مواجهة ميليشيات حركة الشباب.
ويمثل الافتقار إلى الموارد اللازمة والقيادة الجيدة، السبب جزئيا. والمشكلة الأخرى هي الأولوية التي تعطى للهوية القبلية على الوطنية والكفاءة في إدارة القوة الوطنية.
وبالإضافة إلى ذلك، تتمتع المقاطعات القبلية بقواتها المسلحة الخاصة لأنها لا تثق في الحكومة الفيدرالية وفي بعضها البعض.
ولم تتعلم القيادة الحاكمة الحالية أي درس من إخفاقات الماضي. ويستخدم النظام جهاز الأمن الوطني لتشويه صورة مجتمع الأعمال، تحت غطاء الحرب مع حركة الشباب.
وتسبب حشد الميليشيات القبلية للقتال في تعميق الانقسامات بين الصوماليين في وقت يتعين على النظام أن يعمل على توحيد السكان من أجل قضية مشتركة.
ويعتقد سيخاخاني أن مثل هذه الإستراتيجية لا تبشر بالخير فيما يتعلق بإنشاء نظام مدني شامل بعد حركة الشباب.