حرب غزة تدخل مرحلة تخويف القيادات

غزة – كشف مقتل أبناء رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية أن إسرائيل شرعت في تنفيذ إستراتيجية تقوم على تخويف القيادات والضغط عليها من خلال عملية تستهدفها بشكل مباشر أو تطال المحيطين.
ويتحدث الإسرائيليون أكثر عن تحول مسار الحرب نحو الاستهداف؛ سواء أكان ذلك بعمليات نوعية، مثل ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق وتصفية قادة كبار من الحرس الثوري أو اغتيال المتعاونين مع حزب الله أو قتل أولاد هنية وأحفاده، أم عبر عمليات مركزة بمنطقة معينة كما حدث في استهداف مستشفى الشفاء، بعد أن بقي القليل من التدمير الذي يمكن إنزاله بقطاع غزة.
وقتلت إسرائيل ثلاثة من أبناء هنية وعددا من أحفاده باستهداف سيارتهم عندما كانوا يقومون بزيارات عائلية في اليوم الأول من عطلة عيد الفطر في مخيم الشاطئ للاجئين في مدينة غزة. لكن إسرائيل قالت إن أبناء هنية كانوا من أعضاء الجناح العسكري لحركة حماس، وإن أحدهم “متورط في احتجاز الرهائن”.
وتعتبر إسرائيل جميع قياديي حماس إرهابيين، وتتهم هنية وقياديين آخرين بمواصلة “إحكام السيطرة على منظمة حماس الإرهابية”.
إسرائيل تستسيغ تأثير البعد الشخصي لما له من وقع على محيط من يتم استهدافهم من حماس أو الحرس الثوري أو حزب الله
ومن الواضح أن إسرائيل استساغت تأثير البعد الشخصي لما له من وقع سياسي لدى الإسرائيليين الذين يرون في تصفية من يتهمونهم بالوقوف وراء العمليات التي تستهدفهم “نصرا مباشرا”، كما أنها تحدث تأثيرا نفسيا على محيط من يتم استهدافهم من حماس أو الحرس الثوري أو حزب الله، وما تخلفه من ضغط معنوي يطال الأشخاص والجماعات (التنظيمات).
وبالرغم من مقتل أكثر من ثلاثين ألف فلسطيني في الهجمات الإسرائيلية على القطاع، فإن الإسرائيليين يستمرون في شن الهجمات للوصول إلى قادة حماس البارزين، وكأن يحيى السنوار رئيس حماس في غزة، أو محمد الضيف القائد العام لكتائب القسام أو أي قيادي، يساوي أكثر من ثلاثين ألف فلسطيني. والأمر نفسه بالنسبة إلى حماس التي تشعر بأنها مازالت قوية طالما قادة الصف الأول لم تتم تصفيتهم.
وقبل استهداف أبناء هنية تمت تصفية اللبناني محمد سرور الخاضع لعقوبات من واشنطن التي تتّهمه بتسهيل نقل أموال من إيران إلى الجناح العسكري لحركة حماس، قرب بيروت.
وعُثر على سرور مقتولًا بعد إصابته بما لا يقل عن خمس رصاصات الثلاثاء داخل منزل في بلدة بيت مري المطلّة على العاصمة اللبنانية.
وعقدت عائلة سرور، الذي كان يبلغ 57 عاما، مؤتمرا صحفيا الأربعاء في بلدته اللبوة بشرق لبنان، وأكدت أنها فقدت الاتصال به “منذ الثالث من أبريل الجاري”.
وطالبت الأجهزة الأمنية اللبنانية بـ”كشف الحقيقة”، محذّرة من “التعاطي مع الجريمة كحادثة عابرة”. وقال مصدر أمني لبناني إن سرور كان يعمل في مؤسسات مالية تابعة لحزب الله اللبناني الموالي لإيران وحليف حركة حماس.
وفي أغسطس 2019 أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على أربعة أفراد بينهم سرور بتهمة تسهيل تحويل “عشرات ملايين الدولارات من فيلق القدس”، الموكلة إليه العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني، “إلى حماس (…) عن طريق حزب الله في لبنان (…) من أجل شنّ عمليات إرهابية مصدرها قطاع غزة”.
وأشارت الخزانة الأميركية آنذاك إلى أن سرور كان “مسؤولًا عن نقل عشرات ملايين الدولارات سنويًا من فيلق القدس إلى كتائب عزالدين القسام” الجناح العسكري لحماس.
ونوّهت إلى أن سرور “كان بحلول عام 2014 مسؤولًا عن كل التحويلات المالية بين الطرفين”.
وركزت إسرائيل على استهداف قادة حزب الله الذين لهم تأثير على الميدان سواء في العمليات ضد إسرائيل أو في نقل الأسلحة من إيران إلى الحزب أو من الحزب إلى حماس.
وأسفرت الغارات الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر الماضي عن مقتل نحو 240 من مقاتلي حزب الله، من بينهم قادة كبار في لبنان، بالإضافة إلى 30 آخرين قتلوا في الغارات الإسرائيلية على سوريا، ما يعادل بشكل عام خسائر الجماعة في حربها مع إسرائيل عام 2006.
وحتى وقت قريب كانت إيران تقابل استهداف إسرائيل قيادات الحرس الثوري وحلفاءهم في المنطقة -مثل القيادي في حماس صالح العاروي- بالتهدئة، وتقول إن “الصبر الإستراتيجي للمقاومة لن يخرج عن إطار العقلانية والمنطق”.
لكن مقتل القيادي في الحرس الثوري محمد رضا زاهدي دفعها إلى أن تلوّح بالرد، وأشّر استهداف أحد قادة الصف الأول على أن إسرائيل تتمادى في الاستهداف وأن “الصبر الإستراتيجي” لا يفهم لديها إلا بكونه عجزا.
وتعهد المرشد الأعلى علي خامنئي بالثأر، وصدرت تصريحات أخرى في السياق نفسه من الرئيس إبراهيم رئيسي ومن مسؤولين دبلوماسيين وعسكريين آخرين، ما يوحي بأن إيران جادة في المسألة.
وشدد الرئيس الإيراني على أن “هذه الجريمة الجبانة لن تبقى من دون رد قطعا”. وتوعد رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف بأن إسرائيل ستواجه عقابا شديدا على استهداف القنصلية. وأعلن مجلس الأمن القومي أنه “اتخذ القرارات المناسبة” بشأن الغارة التي استهدفت القنصلية.