حرب شاملة مع إسرائيل تضاعف الأزمات الطاحنة في لبنان

مسؤولون إسرائيليون يلوحون بتوسيع دائرة الاشتباك مع حزب الله من قواعدها الحالية إلى حرب أشمل، والحزب لا يريد الحرب، ويربط وقف هجماته بتوقيف المعارك في غزة. واللبنانيون يتخوفون من أن الحرب ستدفع إلى تعقيدات كثيرة تزيد وضعهم سوءا.
بيروت- صعّد مسؤولون إسرائيليون وتيرة تهديدهم بشنّ عملية عسكرية في لبنان على وقع ارتفاع منسوب الهجمات المتبادلة مع حزب الله خلال الأيام الأخيرة، في وقت يحذر فيه محللون من أن لبنان لا يمكن أن يتحمل حربا شاملة مع إسرائيل في ظل أزماته المتعددة.
ومنذ أسبوع، ارتفعت حدّة تبادل القصف والهجمات مركّزة الأهداف بين حزب الله وإسرائيل عبر الحدود، التي تشهد تصعيداً تعلو وتيرته حيناً وتتراجع حيناً أخرى، منذ هجوم حركة حماس غير المسبوق على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي.
وأعلن حزب الله، الذي يقول إن عملياته تشكل جبهة “مساندة” لغزة، مؤخراً أنه شنَّ هجمات مركبة بمسيّرات انقضاضية وصواريخ على مواقع عسكرية إسرائيلية. وتسبّب باندلاع حرائق غير مسبوقة في الجانب الإسرائيلي.
ومساء الخميس، قال الحزب إنه استخدم صواريخ دفاع جوي ضد طائرات إسرائيلية، لإبعادها عن أجواء الجنوب بعد خرقها جدار الصوت، لأول مرة، بعد استخدامه في وقت سابق صواريخ مماثلة لإسقاط مسيّرات من نوع هيرمز.
ويشير المحلل الجيوسياسي لدى شركة لو باك الاستشارية مايكل هورويتز إلى “تصعيد حقيقي خلال الأسابيع الأخيرة، مع إطلاق صواريخ بعدد أكبر بكثير”، لافتاً إلى أن عدد الصواريخ التي تم إطلاقها على شمال إسرائيل “تضاعف ثلاث مرات خلال شهر مايو مقارنة مع يناير على سبيل المثال”.
ويضيف هورويتز “يستخدم حزب الله كذلك أسلحة جديدة أكثر فاعلية، لاسيما الطائرات الانقضاضية من دون طيار، بينما يوسّع نطاق عملياته إلى مدن جديدة”.
ويكرّر حزب الله الذي يستهدف أحياناً مواقع عسكرية بعيدة نسبياً من الحدود على لسان أمينه العام حسن نصرالله أنه لم يستخدم إلا جزءاً يسيراً من ترسانة الأسلحة الضخمة التي يمتلكها، وأنه لن يوقف هجماته قبل وقف إطلاق النار على غزة.
ويرد الجيش الإسرائيلي بتنفيذ غارات أعمق داخل الأراضي اللبنانية وضربات موجهة بمسيرات، تطال مقاتلين وقياديين من حزب الله وفصائل أخرى أثناء تنقلهم في سيارات أو على دراجات نارية.
وفي موازاة التصعيد في الميدان، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأربعاء أن بلاده “جاهزة لشنّ عملية مكثفة للغاية” على الحدود مع لبنان، من أجل أن “نعيد الأمن” إلى شمال إسرائيل، حيث دفع التصعيد مع حزب الله عشرات الآلاف إلى مغادرة منازلهم.
ودعا حليفا نتنياهو من اليمين المتطرف وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش في الأيام الأخيرة إلى التحرك بصورة عاجلة لإعادة الأمن إلى شمال إسرائيل.
وكتب بن غفير على تلغرام الثلاثاء تعليقا على حرائق اندلعت إثر إطلاق حزب الله صواريخ الاثنين “إنهم يُضرمون الحرائق هنا. يجب حرق وتدمير جميع معاقل حزب الله”.
وقال سموتريتش الاثنين إن على الجيش الإسرائيلي أن يجتاح لبنان ويبعد “مئات آلاف اللبنانيين” من الحدود.
وفي الجانب اللبناني، يقلّل حزب الله من أهمية التهديدات الإسرائيلية، التي اعتبر نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم أنها “لا تعنينا.. وليست لها فائدة”.
وقال في تصريحات لقناة الجزيرة الثلاثاء “على كل حال قرارنا ألا نوسّع المعركة ونحن لا نريد حرباً شاملة”، مشدداً في الوقت ذاته على أنه “إذا فرضت علينا، فنحن جاهزون لها ولن ننسحب من الميدان”.
اقرأ أيضا:
ورغم التهديدات المتبادلة، يرى الباحث في مركز مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط مايكل يونغ أن حزب الله وإسرائيل لا يريدان الحرب ويخوضان “تصعيداً بضوابط”.
ويقول “ما نراه هو لعبة ردع من الجانبين. وسّعت إسرائيل خلال الأشهر الماضية هامش” عملياتها عبر “ضرب أهداف أبعد من الجنوب واستهدفت المدنيين”، في حين أنّ “تصعيد حزب الله في الأيام الأخيرة لاستخدام أسلحة على نطاق واسع هو بمثابة محاولة لإخبار الإسرائيليين أننا قادرون أيضاً على التصعيد”.
ورغم أن اندلاع الحرب “يبقى احتمالاً حقيقياً” وفق يونغ، إلا أنه يرى أن الطرفين “وسّعا الخطوط الحمراء، لكنهما لم يتجاوزاها فعلياً بعد”. ويقول “ما يحدث اليوم في الجنوب ليس استعداداً للحرب بقدر ما هو استعداد للتفاوض” في حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
ويجد المسؤولون الإسرائيليون أنفسهم، وفق هورويتز، تحت “ضغط شعبي حقيقي” مع استمرار معاناة النازحين من شمال إسرائيل. وتلعب “التوترات الداخلية دوراً في تصريحات” المسؤولين على حد قوله.
وسبق للقوات الإسرائيلية أن اجتاحت لبنان عام 1982 وحاصرت بيروت لطرد منظمة التحرير الفلسطينية التي تزعمها الرئيس الراحل ياسر عرفات. إلا أن رحيل المقاتلين الفلسطينيين أدى إلى ظهور خصم أكثر شراسة لإسرائيل، وهو حزب الله.
ويقول هورويتز “على الرغم من التصريحات التهويلية، أعتقد أن نتنياهو يعلم أيضاً أن الحرب مع حزب الله ستكون رهاناً محفوفاً بالمخاطر”.
وتضيف الحرب، في حال تمت بين حزب الله وإسرائيل، الكثير من التعقيدات على المشكلات التي تواجه لبنان، خاصة في ظل الاقتصاد المنهار.
ولا يزال لبنان يعاني من تبعات انهيار مالي كارثي ضرب البلاد في 2019. ونجم هذا الانهيار عن ارتفاع معدلات الإنفاق وفساد النخبة الحاكمة على مدى عقود، وهو ما أدى إلى غرق العملة المحلية وإفقار قطاع كبير من السكان وإصابة البنوك بالشلل، وترتبت على ذلك أكبر موجة هجرة منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
ووصف البنك الدولي حالة الانهيار هذه بأنها واحدة من أشد فترات الكساد في العصر الحديث. وانخفضت قيمة إجمالي الناتج المحلي للبنان من 55 مليار دولار في 2018 إلى 31.7 مليار دولار في 2020. ولم تنفذ الحكومة الإصلاحات اللازمة للتعافي حتى الآن.
وأصدر البنك الدولي تقريرا في مايو أوضح فيه استمرار تأثر لبنان بالأزمة وخلص فيه إلى أن معدل الفقر زاد بأكثر من ثلاثة أمثال في البلاد خلال العقد الماضي ليصل إلى 44 في المئة من السكان.
وجاء في التقرير أيضا أن واحدا من كل ثلاثة لبنانيين وقع في براثن الفقر في 2022 في خمس محافظات شملتها الدراسة، من بينها بيروت. وبينما تقدم مطاعم بيروت الجديدة خدماتها للأغنياء، قال تقرير البنك الدولي إن ثلاثا من كل خمس أسر خفضت إنفاقها على الغذاء.
وقال صندوق النقد الدولي في مايو إن عدم اتخاذ إجراءات بخصوص الإصلاحات الاقتصادية الضرورية ما زال يلحق خسائر فادحة بالاقتصاد والسكان. وأضاف أن النظام المصرفي يفتقر إلى إستراتيجية ذات مصداقية وقابلة للتطبيق ماليا.
وقال البنك الدولي إن السياحة والتحويلات المالية ساعدا الاقتصاد اللبناني على تجنب الركود مؤقتا في 2022 وأوائل 2023.
وقبل اندلاع حرب غزة، كانت التوقعات تشير إلى نمو اقتصادي بنحو 0.2 في المئة في 2023. ولكن بعد بدء الأعمال القتالية، تغيرت التوقعات إلى انكماش يتراوح بين 0.6 في المئة و0.9 في المئة.
وليس للبنان رئيس أو حكومة تتمتع بصلاحيات كاملة منذ انتهاء ولاية ميشال عون الرئاسية في 31 أكتوبر 2022، مما ترك فراغا غير مسبوق.
وتتولى حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي مهام تصريف الأعمال منذ ذلك الحين. ويتعين على الفصائل اللبنانية المنقسمة بشدة التوصل إلى اتفاق من أجل شغل منصب الرئاسة وتشكيل حكومة تتمتع بصلاحيات كاملة.
وتعكس هذه الأزمة التنافس بين أفراد الطائفة المسيحية المارونية الذين يحق لهم وحدهم فقط شغل منصب الرئاسة في ظل نظام تقاسم السلطة في لبنان. كما تعكس صراعا على السلطة بين جماعة حزب الله، التي أوصلت حليفها عون إلى الرئاسة في عام 2016، والمعارضين الذين يرفضون منذ فترة طويلة حمل الجماعة للسلاح ويقولون إن هذا ورّط لبنان في الصراع مجددا.
ومع عدم إظهار السياسيين أيّ ميل للحلول الوسط في الصراع على السلطة حتى الآن، فإن التوصل إلى تسوية بشأن شغل منصب الرئاسة قد يتطلب وساطة أجنبية، وهو ما أنقذ لبنان من أزمات سابقة مماثلة.
وبعد مرور ثلاثة عشر عاما على اندلاع الصراع السوري، لا يزال لبنان موطنا لأكبر عدد من اللاجئين بالنسبة إلى عدد السكان في العالم، إذ يعيش على أراضيه نحو 1.5 مليون سوري نصفهم لاجئون مسجلون رسميا لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويبلغ عدد السكان اللبنانيين نحو أربعة ملايين.
ويتراجع حجم التمويل المخصص للأزمة السورية، وهو ما يعكس معاناة المانحين الذين يتعاملون مع صراعات أخرى حول العالم. وعلى الرغم من خلافاتها، تتفق الأطراف من مختلف الأطياف السياسية في لبنان فيما يتعلق بضرورة عودة السوريين إلى وطنهم.