حرب بين الأتراك والأكراد بصمت عراقي وكردستاني

فوائد العلاقات الإيجابية مع تركيا تفوق التكلفة التي ستترتب على معارضة هجماتها.
الخميس 2024/08/01
عربدة تركية تشجعها المصالح

يتناقض صمت الحكومة العراقية والحزبين الحاكمين في كردستان العراق بشأن الهجمات التركية على حزب العمال الكردستاني مع المشاعر العامة، إذ إن منافع الصمت أكبر بكثير من المعارضة الفعلية للأجندات التركية.

أربيل - تستمر الحرب منخفضة المستوى بين الأتراك وحزب العمال الكردستاني في كردستان العراق دون اهتمام دولي كبير، مع الصمت القسري داخل المنطقة الكردية في العراق، ورد بغداد الصامت على الانتهاكات الجسيمة لسيادتها.

وشن الجيش التركي هجوما جديدا في إقليم كردستان العراق ضد حزب العمال الكردستاني في الخامس عشر من يونيو. وتركزت الحملة على منطقة العمادية في محافظة دهوك وهدفت إلى عزل جيوب مقاتلي حزب العمال الكردستاني المتمركزين في جبال ماتينا وكاره.

ويقترب القتال تدريجيا من المناطق المأهولة بالسكان، مما يزيد من خطر تضرر المدنيين ونزوحهم.

وقتلت غارة جوية تركية في الثامن عشر من يوليو عثمان رشدي، وهو جندي من البيشمركة خارج الخدمة كان يعتني بخلايا النحل بالقرب من قريته. وهو تاسع مدني يقتل في العمليات العسكرية التركية هذا العام حتى الآن.

ووفقا لفرق صانعي السلام المجتمعية، قررت 200 أسرة إخلاء ثماني قرى في منطقة العمادية وواحدة في منطقة باطوفا المجاورة لتجنب الاشتباكات. واحترق منذ بداية الهجوم حوالي 6.747 هكتارا من الأراضي في الحرائق التي أشعلتها الغارات الجوية وانفجارات الذخائر.

التسامح العلني الذي تبديه بغداد والحزبان الحاكمان في كردستان إزاء الأنشطة العسكرية التركية يناقض المشاعر العامة

وكانت هذه الانتهاكات الصارخة للسيادة، وما يترتب عليها من ضرر يلحق بالمدنيين، ستثير رد فعل قوي لو حدثت في منطقة أخرى.

ويقول الباحث وينثروب رودجرز في تقرير نشره عرب دايجست إنه مع ذلك، فإن الحكومة العراقية، والحزبين الحاكمين في إقليم كردستان، تبدو متسامحة علنا مع الأنشطة العسكرية التركية، وتقتصر على الإدانات الرمزية، فيما يتناقض هذا مع المشاعر العامة في إقليم كردستان.

ويخشى المواطنون العاديون من توغل تركيا في أراضيهم، ومقتل المدنيين وإصابتهم والتأثيرات التي يتكبدها المزارعون والبيئة. لكن هذا لا يعني بالضرورة دعما كبيرا لحزب العمال الكردستاني.

ويوجه كثيرون، في الواقع، اللوم للميليشيا الكردية التركية ويحملونها المسؤولية عن القتال في إقليم كردستان. لكن مصالح الحكومة العراقية والأحزاب الكردية الحاكمة تعيق قدرتها على الاعتراض على الأنشطة العسكرية التركية، فهي لا تريد إغضاب أنقرة وتعمل على الحد من المعارضة الصريحة.

وعملت بغداد على مدى الأشهر الستة الماضية إلى تحسين علاقتها مع أنقرة. وسعت إلى زيادة التجارة والاستثمار من خلال برامج مثل “طريق التنمية” بتكلفة 17 مليار دولار. كما تسعى إلى بلوغ حل تفاوضي لنزاعات إدارة المياه لزيادة التدفقات من نهري دجلة والفرات.

وتطمح في تعزيز طموحات العراق في أن يُعتبر وسيطا إقليميا عبر تسهيل التقارب بين تركيا وسوريا.

وأعلنت الحكومة العراقية رسميا، قبل زيارة تاريخية أداها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أبريل، حزب العمال الكردستاني “منظمة محظورة” وكان ذلك تنازلا لأنقرة.

وبعيدا عن المبادرات الدبلوماسية والتجارية، يفتقر العراق إلى القدرة العسكرية لمنع التوغلات التركية. وتسيطر أطراف أخرى على المناطق المتضررة، وتبقى الوحدات التي تديرها الحكومة الفيدرالية مثل قوة الحدود ضعيفة على الأرض ولا تضاهي جيش تركيا الذي يعد ثاني أكبر جيش دائم في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد الولايات المتحدة ذات الالتزام العسكري الأكبر في الحلف.

وتدفع كل هذه الأسباب البراغماتية بغداد إلى تجنب إغضاب تركيا على الرغم من أنها تنتهك السيادة العراقية بشكل صارخ ومتكرر.

ولم تصدر حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لذلك سوى اعتراض صوري على الهجوم الجديد.

ويصدر بعض الضجيج من ائتلافه، وخاصة من قيس الخزعلي. ولكن يبدو أن فوائد العلاقات الإيجابية مع تركيا تفوق التكلفة التي ستترتب على معارضة الهجوم التركي بأكثر شدة.

مواجهة الجميع في نفس الوقت أمر صعب
مواجهة الجميع في نفس الوقت أمر صعب

وتجدر الإشارة أيضا إلى أن ديناميكيات الصراع داخل إقليم كردستان تتأثر بالجغرافيا السياسية والمنافسات بين الأكراد. وغالبا ما يركز المحللون على النقطة الأولى ويتجاهلون الثانية.

ويسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تديره عائلة بارزاني على محافظتي أربيل ودهوك حيث يحدث الهجوم الحالي ويعدّ لذلك جهة فاعلة ومهمة.

ويرتبط الحزب الديمقراطي الكردستاني على المستوى الجيوسياسي بتركيا التي تجمعها به علاقات اقتصادية وسياسية وأمنية طويلة الأمد.

وتقع الحدود التركية – العراقية بأكملها داخل منطقة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتوفر المعابر الحدودية مصدر دخل مربح له.

وتستطيع أنقرة، باعتبارها الطرف الأقوى في العلاقة، ممارسة نفوذ كبير على الحزب الديمقراطي الكردستاني وحشد مساعدته في محاربة حزب العمال الكردستاني.

وتلعب قوات الأمن التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني دورا أساسيا في السيطرة على الحركة في جميع أنحاء منطقة النزاع، وإعاقة عمليات حزب العمال الكردستاني وتوفير المعلومات الاستخباراتية.

ولم يجبَر الحزب الديمقراطي الكردستاني على هذه العلاقة غير المتكافئة. وهو يرى حزب العمال الكردستاني منافسا أيديولوجيا وسياسيا على قلوب الأكراد وعقولهم في جميع أنحاء العالم بينما يبقى الاثنان في الواقع معيبين. كما يؤثر وجود حزب العمال الكردستاني داخل إقليم كردستان على قدرة الحزب الديمقراطي الكردستاني على السيطرة على أراضيه، مما يضع مناطق خارج نطاق سيطرته ونفوذه. وتدعم هذه العوامل العداء المتبادل بين الحزبين مما يسبّب أحيانا اندلاع اشتباكات مسلحة.

ويُعرف الحزب الديمقراطي الكردستاني بعدم التسامح مع المعارضة، فهو يعاقب الصحافيين والنشطاء والمواطنين العاديين الذين ينتقدونه علنا.

ويراقب الخطاب حول تركيا وحزب العمال الكردستاني عن كثب ويمنع المظاهرات ضد سياسات أنقرة العسكرية.

ويُتّهم المنشقون بالتآمر مع حزب العمال الكردستاني (الذي صنفته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وآخرون جماعة إرهابية وحظرته الحكومة العراقية رسميا) حتى مع عدم كفاية الأدلة. وهذا ما يخلّف تأثيرا مخيفا على الخطاب العام حول الصراع المستمر وآثاره على المدنيين الأكراد.

خط ساخن
خط ساخن

ويسيطر الحزب الكردي الحاكم الآخر، الاتحاد الوطني الكردستاني، على محافظة السليمانية، الواقعة جنوب وغرب مناطق القتال الحالي التي لا تحد تركيا. لكن يبقى لحزب العمال الكردستاني وجود في المنطقة، حيث يقع مقره الرئيسي في جبال قنديل عند نقطة التقاء الحدود العراقية – الإيرانية – التركية.

وقدمت تركيا خلال السنوات الأخيرة رواية مفادها أن الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب العمال الكردستاني متحالفان. كما يدفع الحزب الديمقراطي الكردستاني بهذا التأطير كجزء من تنافسه مع الاتحاد الوطني الكردستاني. لكن الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب العمال الكردستاني يميلان إلى عدم التدخل في شؤون بعضهما البعض.
وقد استغلت تركيا نفوذها لدفع الاتحاد الوطني الكردستاني إلى بذل المزيد من الجهد للتدخل في أنشطة حزب العمال الكردستاني. وفرضت أنقرة مثلا على الاتحاد الوطني الكردستاني دفع ثمن باهظ من خلال إغلاق مجالها الجوي أمام جميع الرحلات الجوية المتجهة إلى مطار السليمانية أو منه لأكثر من سنة.

وتواجه قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية مشكلة مزدوجة في صياغة ردها. فهي تريد من جهة استغلال الرأي العام السلبي حول الحملة العسكرية التي تشنها تركيا والعلاقة الوثيقة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني المنافس وأنقرة.

وسعى زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني إلى إقامة علاقات وثيقة مع الجماعات الكردية السورية لتحقيق هذا الهدف ولتعزيز صورته القومية الكردية. لكن هذه الإستراتيجية تأتي على حساب استعداء الحكومة التركية، التي يقال إنها ترفض التعامل مع طالباني.

ويفتقر المدنيون المتضررون من الحرب إلى القدرة على المشاركة في نقاش جدي حول كيفية تأثيرها على حياتهم. لكن هذا لا يحدث في سياق الحملة العسكرية التركية الحالية في إقليم كردستان لأن للقيادات السياسية في بغداد وأربيل والسليمانية مصلحة في الحد من خطاب الرأي العام ورؤيته حول هذه القضية.

6