حرب الكبتاغون في سوريا أم مع سوريا

يحمل قرار إعادة سوريا إلى حظيرة الإنتربول عواقب وخيمة وطويلة الأمد مع اشتداد معركة احتواء تجارة الكبتاغون في الخليج والشرق الأوسط الأوسع، حيث تتهم جهات موالية للنظام السوري وإيران بدعم تهريب تلك المواد المخدرة.
الكويت - ضبط مسؤولو إنفاذ القانون في مطار الكويت الدولي في 23 يونيو شحنة مشبوهة وصلت من تركيا. واحتوت الشحنة الغريبة على آلات تغليف حراري طلبها مواطن سوري عبر الشحن الجوي. وحددت الإدارة العامة للجمارك في الكويت عند المراجعة مجموعة متنوعة من أكثر من 4 ملايين قرص بني داكن، أصفر، وأبيض من الكبتاغون، وهي مادة غير مشروعة من نوع الأمفيتامين. وكانت مخبأة بخبرة تحت ماسحات الجهاز الضوئية.
وبينما تعاملت الجمارك الكويتية مع شحنة الكبتاغون، التقى ممثلو إنفاذ القانون في البلاد في غرفة اجتماعات في الإمارات العربية المتحدة لإجراء مناقشة برعاية الإنتربول حول الجهود الإقليمية لمكافحة تجارة المخدرات المحلية. ومن قبيل الصدفة، جلس الممثلون الكويتيون في نفس الغرفة مع اثنين من ممثلي الحكومة السورية باعتبارها الوكيل الأساسي لتجارة الكبتاغون الحديثة.
منذ 2019، تعددت الأدلة التي تربط تجارة الكبتاغون بجهات فاعلة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمراتب العليا للنظام السوري والجماعات المسلحة الشريكة الموالية لإيران. وجمعت التحقيقات والتقارير والتحليلات التي تكشف عن معلومات استخباراتية جديدة حول تجارة الكبتاغون التي أجراها معهد نيو لاينز وصحيفة شبيغل ونيويورك تايمز وراديو فرنسا الدولي ومركز التحليل والأبحاث العملياتية وغيرها، أدلة على مشاركة على مستوى الوزارة والتواطؤ في إنتاج الكبتاغون والاتجار فيه.
وتساهم طبقات متعددة من الجماعات المسلحة مثل الفرقة الرابعة المدرعة المتحالفة بشكل وثيق مع الأجهزة الأمنية للنظام السوري ورجال الأعمال من القطاع الخاص والشركات الوهمية المقربة من الحكومة السورية، وحتى أقارب بشار الأسد في زخم تجارة الكبتاغون. ويشرف هؤلاء الممثلون على مواقع إنتاج الكبتاغون في اللاذقية وحلب وحمص والنقاط التي يسيطر عليها النظام على طول الطريق السريع إم 4. ويعرضون النقل والمواد والأفراد لعمليات التهريب مع توفير المنتجات الزراعية والسلع الصناعية والمنتجات المشروعة الأخرى لإخفاء حبوب الكبتاغون.

وأجرى النظام السوري سلسلة من الإصلاحات التجميلية، وحملة توعية عامة ومصادرة بعض الكميات، بين الحين والآخر، للتقليل من العلامات الدالة على هذا التواطؤ وذلك مع تراكم الأدلة بشأن التواطؤ والمشاركة في تجارة الكبتاغون على مستوى الدولة. وقد صُمّمت هذه السياسات لتوجيه اللوم وسط الاتهامات الإقليمية وخلق رواية مفادها أنها جادة في قمع الجريمة.
وارتفعت في الأشهر الأخيرة، عمليات ضبط الكبتاغون المبلغ عنها في المناطق التي يسيطر عليها النظام. ومع ذلك، فإن عمليات الاعتراض هذه صغيرة النطاق بشكل غير متناسب وتستهدف الأفراد. ونادرا ما تُصادر شحنات كبيرة الحجم مخصصة لأسواق الوجهة في منطقة الخليج العربي التي غالبا ما تنسقها القوات المتحالفة مع النظام والشبكات الإجرامية.
وتزامن الارتفاع المفاجئ في عمليات الاعتراض التي نفذها النظام مع انعقاد مؤتمر الإنتربول في يونيو، ولكنها كانت تهدف أيضا إلى إتاحة فرص إضافية لتدابير حفظ ماء الوجه مع انعقاد اليوم الدولي لمكافحة تعاطي المخدرات والاتجار غير المشروع، الذي نظمه مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجرائم، واجتماع بشأن الملف في بيروت نهاية الشهر، إضافة إلى جهود للتقارب مع العديد من حكومات الشرق الأوسط.
ورغم النداءات المستمرة وعلامات التحريض من دول العبور والوجهة المجاورة، فإن دمشق لم تفعل شيئا يذكر لكبح وتيرة عمليات التهريب من سوريا أو التخفيف من السلوك العنيف للمهربين المسلحين التابعين للنظام. وبينما تستمر الحكومة في إنكار المشاركة في التجارة، إلا أنها لم تفعل شيئا يذكر لتقييد الاشتباكات (وبعضها مميت) التي يرتكبها المهربون من سوريا على طول حدود البلاد مع الأردن.
وبحسب ما ورد من معطيات، كانت لبعض هؤلاء المهربين صلات قوية بالفرقة الرابعة التابعة للنظام السوري والشركاء المتحالفين مثل حزب الله والميليشيات المدعومة من الحرس الثوري الإسلامي. ويعمل هؤلاء الفاعلون على تهريب كميات كبيرة من أقراص الكبتاغون، بعد إنتاج العديد منها على نطاق صناعي داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام. ومع تدفق التعزيزات الروسية وتجديد التركيز العملياتي في شمال البلاد وسط مؤشرات على تدخل تركي محتمل، ستكون هناك مساحة أكبر لقوات الفرقة الرابعة السورية وحزب الله والميليشيات المتحالفة مع إيران لتسهيل تدفق البضائع غير المشروعة جنوب البلاد.
وعادت سوريا تدريجيا في الأشهر التي سبقت مؤتمر يونيو إلى الاندماج في الإنتربول بينما كانت تواصل جهود التطبيع مع الجهات الخليجية الرئيسية مثل دولة الإمارات. ففي 2012، طبقت اللجنة التنفيذية للإنتربول تدابير تصحيحية على مكتب الإحصاء الوطني السوري في دمشق، مما أدى فعليا إلى عزل النظام السوري عن نظامه المعلوماتي الذي سمح للبلاد بالعمل مباشرة مع الشرطة الدولية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وإصدار أوامر اعتقال للأفراد في الخارج. ومع ذلك، بعد ما يقرب من 10 سنوات من خروج سوريا من نظام معلومات الإنتربول، اتخذت لجنة المنظمة التنفيذية قرارا برفع هذه القيود في يونيو 2021. وعادت سوريا بحلول 2 أكتوبر 2021، إلى الحظيرة، مع تجديد وصولها إلى قنوات الإنتربول الإعلامية ونظام الإخطار، كما يوفر فريق الإنتربول التدريب لمكتب الإحصاء في دمشق.
وأثار قرار الإنتربول لسنة 2021 بإعادة الدمج ورفع الإجراءات التصحيحية عن الحكومة السورية مخاوف بشأن التداعيات واحتمال إساءة استخدام نظام التنبيه الخاص بالمنظمة. وبإحياء إمكانية الوصول، يمكن لسوريا استخدام نظام الإخطار الأحمر للإنتربول لإصدار أوامر اعتقال شخصيات معارضة في المنفى ولاجئين سوريين وتعقبهم ومحاكمتهم. كما يمكن أن تعتمد سوريا أنظمة الإنتربول غير الرسمية بدرجة أقل من المساءلة نظرا إلى غياب الفحص الداخلي، فيما يتعلق بمذكرات توقيف ذات دوافع سياسية. ودافع الإنتربول عن قراره بالترحيب بدمشق مرة أخرى في الحظيرة، مشيرا إلى أنه لا يمكنه استبعاد سوريا على أسس سياسية وأن سوريا أظهرت قدرات أفضل في معالجة البيانات بمرور الوقت.
◙ بعد انضمام سوريا إلى نظام الإخطار الخاص بالإنتربول، اتخذ الأخير خطوة جديدة رفعت مكانة دمشق في المنظمة وزاد من وصولها إلى تبادل البيانات والمعلومات الاستخبارية
ويرى مراقبون أنه بعد أشهر من انضمام سوريا مجددا إلى نظام الإخطار الخاص بالإنتربول، اتخذ الإنتربول خطوة جديدة رفعت مكانة سوريا في المنظمة وزاد من وصولها إلى تبادل البيانات والمعلومات الاستخبارية وجهود المراقبة والتخطيط لمكافحة التجارة غير المشروعة والمنظمات الإجرامية. واستكمالا لجهود التطبيع الإماراتية - السورية، وجه الإنتربول دعوات إلى وفد حكومي سوري لمناقشة عملية لايونفيش، وهي جهد رئيسي للإنتربول يهدف إلى تعطيل تجارة الكبتاغون داخل الشرق الأوسط وخارجه.
وتثير الدعوة إلى المؤتمر الذي ترعاه الإنتربول وتستضيفه الإمارات حول مكافحة تجارة المخدرات الإقليمية أسئلة حول زيادة مشاركة الحكومة السورية في جهود المنع المتعلقة بعملية لايونفيش، وكذلك مشروع المنظمة أمياب (أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ) التي تقدم للبلدان دعما عمليا وتحقيقيا من خلال قواعد بيانات الإنتربول الشرطية العالمية.
وتتأثر الولايات المتحدة وشركاؤها بشدة بتجارة الكبتاغون في جنوب أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط بمسار انخراط سوريا ضمن الإنتربول وأن يضعوا بدائل للتعاون الإقليمي والحوار من أجل الحظر، كل ذلك خارج أنظار الحكومة السورية.
ويأتي منح النظام السوري مقعدا (أو مقعدين) على الطاولة في المناقشات حول تبادل المعلومات الاستخباراتية، وقدرة الحظر، وتقنيات الكشف، وجهود المراقبة، بنتائج عكسية للجهود الإقليمية لإدارة تجارة الكبتاغون. ويؤدي إلى تقوية موقف دمشق، مما يسمح للمنتجين والمُتاجِرين الموالين للنظام في الفرقة الرابعة والقطاع الخاص السوري بالتكيف، وتحديد مواد التهريب الإبداعية، وطرق النقل، والطرق الجديدة، والتكتيكات للبقاء في طليعة جهود الحظر الإقليمية.