حرب أوكرانيا تفتح جروح معركة حلب

سوريون يشاهدون الأوكرانيين يواجهون أهوالا مألوفة عندهم.
الخميس 2022/03/17
المأساة نفسها

فتحت الحرب الروسية - الأوكرانية جروحا لدى السوريين الذين عاشوا أجواء مشابهة أثناء معركة حلب خاصة ما يتعلق بنقص الغذاء وندرة المواد الأساسية كالكهرباء والغاز.

بيروت - تتذكّر عفراء هاشم الأيام التي عاشتها خلال حصار حلب. ففي أواخر سنة 2016 أغلقت القوات الحكومية السورية الشطر الشرقي من حلب الذي يسيطر عليه المتمردون، وكان بداخله 270 ألف شخص، وقصفته مدعومة بالطائرات الحربية الروسية لبضعة أشهر وحولته إلى أنقاض. وكان الطعام شحيحا. واقتصر غذاء عائلة هاشم، مثل غيرها، على وجبة واحدة في اليوم.

حينها، سأل ابنها الأكبر وسام، الذي كان يبلغ من العمر 11 سنة “أمي، هل يمكننا تناول السمك؟” ولم يكن أطفالها الثلاثة يحبون السمك. وأشارت إلى أنه عندما لا يكون لديك أيّ شيء، فأنت تشتهي حتى الأشياء التي لا تحبها.

وقررت قلي الخبز المتعفن، ووجدت بعض الكزبرة والثوم والفلفل الأحمر وتظاهروا جميعا بأنها سمكة. حتى أن الأطفال قالوا إنهم تمكنوا من تذوق طعمها.

وقالت “لم أكن أنا وحدي من أفعل هذا، حيث أن كل النساء في حلب كن يقمن بهذه الاختراعات لإطعام أطفالهن”.

فرض حصار مماثل لحصار حلب على مدينة ماريوبول وعشرات الآلاف يبحثون عن الطعام والمأوى تحت القصف الروسي

وأحيت هاشم وناجون آخرون من حلب يوم الثلاثاء الذكرى الحادية عشرة للثورة السورية التي تحولت إلى حرب أهلية. ولا يفكر الكثير منهم في مصائرهم فحسب، بل يشاهدون بصدمة الأوكرانيين وهم يواجهون أهوالا كانت مألوفة عندهم: القصف والحصار الوحشي والاضطرار إلى الفرار من منازلهم.

وساعدت روسيا الرئيس بشار الأسد في الحرب السورية على اكتساب التفوّق باستراتيجية قاسية. وضربا حصارا حول المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وقصفاها وجوّعا السكان حتى انهارت قدرتهم على الصمود.

وكان حصار حلب هو الأعنف من نوعه. حيث كانت أكثر مدن سوريا اكتظاظا بالسكان. وعندما بدأت الحرب، قاتلت المقاطعات الشرقية الحكومة لمدة أربع سنوات، مدفوعة بالحماسة الثورية. لكن الحصار الذي استمرّ ما يقارب الستة أشهر حول الجزء الأكبر من الشرق شتّت سكانه أو أودى بحياتهم.

وفي أوكرانيا، فُرض حصار مماثل منذ نحو أسبوعين على مدينة ماريوبول الساحلية، حيث يبحث عشرات الآلاف عن الطعام والمأوى تحت القصف الروسي. وينتشر الخوف مع احتمال أن يوسع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استراتيجية الحصار في أوكرانيا على غرار سوريا.

وقالت هاشم، التي تعيش الآن في لندن مع زوجها وأطفالها، إنها وقفت متضامنة مع أوكرانيا منذ اليوم الأول للغزو الروسي.

وأضافت “يتساءل الكثيرون عمّا إذا كنت أشعر بالغضب لأن العالم يتعاطف مع أوكرانيا أكثر مما يتعاطف مع سوريا. أقول لهم إنني لا أهتم إذا تعاطف الناس أكثر. أنا أهتم بالضحايا”.

وفي منطقة من سوريا لا تزال خارج سيطرة الحكومة، يحاول أحد الناجين من حلب، عبدالكافي الحمدو، التواصل مع أوكرانيا. وهو يعيش في محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة ويعمل أستاذا للآداب في بلدة عزاز القريبة التي تسيطر عليها تركيا. وقال “أنا دائما أربط الأخ الأكبر في رواية جورج أورويل 1984 ببوتين، سواء في سوريا أو في أوكرانيا”. وطبع علمين أوكرانيين ليلوّح بهما إلى جانب أعلام الثورة السورية في مظاهرة محلية في إدلب بمناسبة الذكرى السنوية هذا الأسبوع.

وعندما اندلع الصراع في سوريا في 2011، كانت هاشم ناشطة وتعمل مديرة مدرسة. وارتفعت آمالها في التغيير في سوريا مع مكاسب المعارضة، بما في ذلك انتزاع الشطر الشرقي من حلب من الحكومة. وعملت مع المجلس المحلي الذي يدير المدينة وساعد في تنظيم الاحتجاجات.

مع غياب غاز الطهي، كانت العائلات تجمع الأثاث وبقايا الخشب لحرقها من المباني التي كانت تتعرض للقصف بأعداد متزايدة باستمرار
مع غياب غاز الطهي، كانت العائلات تجمع الأثاث وبقايا الخشب لحرقها من المباني التي كانت تتعرض للقصف بأعداد متزايدة باستمرار

وعلى مدى السنوات التالية، قصفت الطائرات الحربية الروسية والحكومية بشكل متزايد شرق حلب أثناء قتالها قوات المتمردين في الريف. ونقلت هاشم مدرستها إلى قبو وحوّلت الغرف المظلمة إلى فصول دراسية وملاجئ. وكتبت المسرحيات للطلاب لتقديمها هناك.

ومع ازدياد القتال سوءا، أصبحت حياتها العادية أكثر صعوبة. وكانت تمر كل صباح بجانب التل الذي يفصل بين شرق حلب وغربها الخاضع لسيطرة الحكومة.

وتتذكر أنه كان مثل جدار برلين. حيث سيطلق عليك القناصة النار إذا اقتربت أكثر من اللازم. لكنها أرادت أن تسمع صوت السيارات، أو أيّ صوت من الجانب الآخر من شأنه أن يعيد ذكرى الأصدقاء والأقارب الذين يعيشون هناك.

وتابعت “كنت أتساءل دائما، كيف تبدو الحياة في ذلك الكون الثاني؟”.

وانهار عالمها في جحيم كامل عندما فُرض الحصار على الشرق في يوليو 2016. وتقرر إغلاق شرق حلب، مع عدم وصول أيّ إمدادات إليه. وحطم القصف الروسي والحكومي كل شيء، بما في ذلك المستشفيات والمدارس. وتُركت التجمعات السكانية في حالة خراب.

ثم قُتل أحد طلاب هاشم. وأوقفت المسرح المدرسي. وتحولت حدائق المنطقة القليلة إلى مقابر. ونفدت الأدوية. وكان صوت الانفجارات متواصلا. كما قُصفت عمارة هاشم عدة مرات، وكانت تتنقل بشكل متكرر.

روسيا ساعدت الرئيس بشار الأسد في الحرب السورية على اكتساب التفوّق باستراتيجية قاسية. وضربا حصارا حول المناطق التي تسيطر عليها المعارضة

وبسبب انعدام الكهرباء والوقود المحدود، لجأ السكان إلى “البنزين البلاستيكي” باستخراج الوقود من الزجاجات والحاويات البلاستيكية. وكانت سيئة للمولدات وتنبعث منها رائحة سامة. لكنها ساعدت في توليد ما يكفي من الكهرباء للناس لشحن بطاريات السيارات والهواتف المحمولة والمصابيح الصغيرة.

ومع غياب غاز الطهي، كانت العائلات تجمع الأثاث وبقايا الخشب لحرقها من المباني التي كانت تتعرض للقصف بأعداد متزايدة باستمرار.

وارتفعت الأسعار. ولم تكن هناك فواكه وخضراوات كافية. وكان من شبه المستحيل الحصول على الدقيق. لذلك، كانت هاشم وعائلات أخرى تصنع الخبز بطحن الفاصوليا البيضاء.

ومع حلول برد الشتاء، كان الخشب الخردة ضروريا للدفء أيضا. وافتقد أطفالها مشروب السحلب الدافئ في أيام البرد لأنه يُصنع من زهرة الأوركيد، وكان العثور عليها أثناء الحصار مستحيلا.

لذلك، اتجهت هشام إلى مخزونها الثمين من الطحين، لتطبخه بالماء والسكر، “وكان هذا كما لو كنت تتناول السحلب ولكن بطريقة مختلفة”.

وبعد فترة وجيزة، في أواخر ديسمبر 2016، كانت من بين عشرات الآلاف من السكان الذين وافقوا على المغادرة بموجب اتفاق إجلاء. وذهبت إلى شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة، ثم إلى تركيا.

وفي أول ليلة لها في شقة بمدينة غازي عنتاب التركية، شاهدت الغسالة وهي تدور لأول مرة منذ سنوات وبكت.

واصطحبت أطفالها إلى قاعة طعام بمركز تجاري. وقالت “اشترينا جميع أنواع الطعام التي حلمنا بتناولها. بيتزا، وهامبرغر، ودجاج، وسمك، وشيبس. كل ذلك”.

روسيا تصنع الدمار في كل حرب تخوضها
روسيا تصنع الدمار في كل حرب تخوضها

واليوم، يعيش جندي من النظام السوري في منزلها القديم، بحسب ما أخبرها أقاربها الذين ما زالوا في المدينة. وهو ما يعكس توجها حكوميا لمصادرة الممتلكات بعد المعارك.

وغادرت إيمان خالد عبود، وهي أرملة تبلغ من العمر 40 عاما، حلب أيضا في نفس يوم الإخلاء في يوم ضبابي من ديسمبر مع تساقط الثلوج والبرد القارس، على غرار درجات الحرارة في أوكرانيا الآن.

ووصفت رؤية القوات الروسية لأول مرة مع مرور حافلات الإجلاء عبر نقاط التفتيش بعد أشهر من الوجود في الطرف المتلقي للضربات الروسية. وقالت إن ابنها وزوجها قُتلا في غارة روسية. واضطرت هي وعائلتها للتنقل 15 مرة أثناء الحصار.

وقالت عبود إنها تأمل ألا يضطر الأوكرانيون إلى المرور بما عاشته. لكنها قالت “أنصحهم بتخزين الطعام”.

ودُعيت هاشم في فبراير 2020 لحضور حفل توزيع جوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام لمشاركتها في الفيلم الحائز على جائزة، “من أجل سما”، الذي يأتي بعد ولادة طفل أثناء حصار حلب، ويبرز عائلتها. وقد تمكنت من طلب اللجوء في بريطانيا.

وفي ذكرى الحرب، تعتزم هاشم حضور احتجاج في لندن ضد الحكومة السورية، حيث ستُرفع لافتات ضد الغزو الروسي لأوكرانيا. وقالت “أريد أن أظهِر للعالم أن كارثتنا وخبرتنا قد تنتقل إلى بلد آخر”.

6