حرب آدم وحواء الإلكترونية تهدد تماسك الأسر المصرية

خلقت التطورات الإلكترونية المتسارعة جيلا من الشباب مختلفا عن الأجيال السابقة لم يعد يدرك قيمة وأهمية العادات والتقاليد الاجتماعية، حيث يجهل العديد من الشبان والشابات التأثير السلبي لوسائل التكنولوجيا الحديثة على الترابط الأسري في البيت الواحد، ممّا تسبب في الكثير من الأزمات الأسرية والعائلية التي انعكست بدورها على المجتمع برمته.
الجمعة 2016/07/29
المعركة خرجت عن نطاق المزاح

القاهرة - أسست مجموعة من الفتيات خلال الأيام الماضية في مصر مجموعة على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة بهن تحمل اسم “أنا أعرفه”، حيث تقوم الفتاة بنشر صورة الرجل الذي تربطها به علاقة عاطفية، سواء حبيبها أو خطيبها أو زوجها، ثم تنشر معلومات عنه وتسأل إن كانت هناك من تعرفه، لتكتشف مدى خيانته لها من خلال ردود فعل الفتيات على الصورة، وبالفعل اكتشفت الكثيرات منهن خيانة شركائهن.

وأمام عملية التشهير التي قامت بها الفتيات، أسس الشبان بدورهم مجموعة “أنا أعرفها” كردة فعل لفضح الفتيات اللاتي تتعدد علاقاتهن مع الشباب، ونشروا صورا لهن حين كانت تربطهم علاقات عاطفية بهن، لتتحول مواقع التواصل الاجتماعي وهذه المجموعات إلى ساحة لمعارك حامية بين الشبان والشابات، دفعت فيها الكثير من الأسر المصرية فاتورة استخدام أبنائهم السيء للتكنولوجيات الحديثة وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، وتحولت المعركة من الفضاء الإلكتروني إلى الواقع وسالت الدماء في بعض الشوارع المصرية، وخاصة في المناطق الشعبية.

وأقدم شاب على محاولة قتل جاره في حي عين شمس بالقاهرة، لقيامه بنشر صورة شقيقته والتشهير بها من خلال نشر تفاصيل علاقته معها مدعومة بصور خاصة، ما تسبب في إصابة 3 أشخاص بجروح خطيرة من أسرتي الشاب والفتاة استدعت تدخل قوات الشرطة، كما شهد حي المعمورة بمحافظة الإسكندرية شجارا مماثلا أصيب فيه شخصان لنفس السبب.

وبررت الفتيات اللاتي قمن بتدشين المجموعات بأن الهدف ينحصر في تنبيه السيدات من الرجال الذين قاموا بأفعال غير أخلاقية مع أي منهن ومعاقبتهم بشكل رادع، ورد الرجال بتقديم نفس المبرر. ودفعت بعض الأسر تكلفة ذلك، حيث قامت فتاة عمرها 16 سنة بنشر صورة لوالدها لتتباهى به وبأخلاقه، فسارعت أخرى في الرد عليها بأن الصورة المنشورة كانت لوالدها هي، وتبيّن بعد ذلك أن الفتاتين من أب واحد، حيث تزوج من أخرى وأنجب منها الفتاة التي نشرت صورته.

وتوعدت مصادر أمنية بوزارة الداخلية بملاحقة كل من يشهّر أو يفضح أحدا على أي من الصفحتين، لما لذلك من انعكاسات خطيرة على السلم والأمن الأسري في المجتمع، غير أن ذلك لم يمنع الطرفين من نشر المزيد، الأمر الذي اعتبره خبراء العلاقات الأسرية وعلم النفس بأنه “نوع جديد من أنواع الانقسام داخل المجتمع تصعب السيطرة عليه، حيث أنه بلغ حد التمرد”.

وقالت نهى إسكندر، أستاذ العلاقات الإنسانية بقسم علم الاجتماع بجامعة قناة السويس، إن الجيل الجديد عمد إلى تحويل مواقع التواصل الاجتماعي إلى مواقع للصراع والنزاعات التي تسبب الانشقاق داخل المجتمع، وما يحدث حاليا سوف تكون له تبعات خطيرة على الأسر المصرية بصفة عامة، لأن الفتيات وصلن إلى مرحلة الانتقام من الرجل الخائن بتشويه سمعته وعائلته، ومع الوقت فإن ذلك قد يصبح ثقافة سائدة وعادة عند الفتيات”.

الجيل الجديد عمد إلى تحويل مواقع التواصل الاجتماعي إلى مواقع للنزاعات التي تسبب الانشقاق في المجتمع

وأضافت لـ”العرب” أنها تابعت العديد من المعارك النسائية على مجموعات لفتيات في مواقع التواصل الاجتماعي، وبلغت المسألة حد توعد إحداهن بطلب الطلاق بعدما أرسلت لها أخرى صورة زوجها عندما تقدم لخطبتها قبل شهرين، ما يعني أن الأولى تعرضت للخيانة. وطالبت إسكندر الجهات المسؤولة في الدولة بسرعة التدخل لغلق هذه الصفحات قبل أن تتحول إلى ثقافة اجتماعية جديدة تتسبب في انتشار الجريمة، وتتحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى وسيلة للانتقام، مما قد ينتج عنه انهيار للعلاقات داخل العديد من الأسر.

وترى هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق، أن الجميع خاسر سواء الفتيات أو الشباب، وأنهم يفضحون أنفسهم بأنفسهم بسبب سوء اختيارهم. فالقضية وصلت في نظرها إلى مرحلة الخروج عن الأعراف والتقاليد وعدم الاعتراف بها، مما يوحي بأن القادم أسوأ، خاصة إذا كان الطرفان يعيشان في مجتمع شرقي محافظ، أصبح الشبان فيه يتجاوزون الخطوط الحمراء ولا يعيرون أي اهتمام للعادات الاجتماعية، لأن التشهير على الصفحات الإلكترونية قد يهدم أسرا بأكملها.

وأضافت لـ”العرب” أنه من المؤكد وقوع حالات انشقاق داخل بعض الأسر جراء هذه الأفعال غير المسؤولة، لكن المشكلة أن هناك من تصدق خيانة زوجها أو خطيبها بمجرد سماعها لكلام عابر يصلها من فتاة أخرى دون التحري عن مصداقيته، وهذه مشكلة عامة في التكنولوجيا تنم على انعدام المسؤولية من جميع الأطراف، سواء أكان صاحب المعلومة أم متلقيها.

ولكن المشكلة الأكبر بحسب رأي هدى زكريا، أن بعض الفتيات في مصر يعتبرن أن علاقات الرجال السابقة، سواء أكانت خطبة أم عاطفية، هي تهمة يستحق الرجل أن يعاقب عليها بالتشهير والانفصال عنه، لأنه لم يفصح عن علاقاته السابقة حتى لا يحكم عليه بأنه “شخص متعدد العلاقات وخائن ويستحق الفضح على الإنترنت”.

ويبدو أن الخسائر الاجتماعية لا تقف عند الشجار وتبادل العنف بين العائلات وانهيار العلاقات الأسرية بل إنها تطال ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده وتنذر بانهيار منظومة أخلاقية بأكملها لدى جيل من الشباب أضحت صفحات التواصل الاجتماعي طريقته الأبرز في التواصل مع الآخر.

21