حرائق الغابات في هاواي تهدد شجرة "البانيان" المعمرة

يأمل سكان مدينة لاهاينا التابعة لولاية هاواي في الولايات المتحدة أن تكون شجرة “البانيان” المعمرة قد نجت من الحرائق التي اجتاحت المدينة خلال أغسطس المنقضي. وبينما تبدو الشجرة صامدة ولم تتضرر من الحريق، إلا أن السكان يخشون أن تكون الحرائق قد ألحقت بها أضرارا.
لوس أنجلس (الولايات المتحدة) - لم يكن يجول بذهن أحد في عام 1873، عندما زرعت شجرة “البانيان” القادمة من شبه القارة الهندية في مدينة لاهاينا الساحلية التي كانت مركزا حيويا لمملكة هاواي السابقة، أنها ستتعرض لكارثة حرائق الغابات الأخيرة، بل وتتحداها وهي تتشبث بالحياة إلى آخر لحظة.
وعندما زرعت الشجرة كان طولها يبلغ مترين ونصف متر فقط، واليوم يبلغ ارتفاعها نحو 20 مترا، وقد امتدت فروعها على نطاق واسع، بما يتيح ظلا لمساحة تقارب ثلثي فدان، وفقا لما تقوله مؤسسة إعادة ترميم لاهاينا. وتم تسجيلها كأكبر شجرة “بانيان” في البلاد. ويقوم مجلس البلدة القديمة في ماوي بالحفاظ عليها ورعايتها، حيث أصبحت معلما بارزا في هذه البلدة، ومكانا تلتقي فيه مجموعات من السكان المحليين.
وذكرت صحيفة “لوس أنجلس تايمز” أن هذه الشجرة، التي يمتد عمرها إلى نحو 150 عاما، ربما تواجه الآن أيامها الأخيرة، بعد أن اجتاحت سلسلة من حرائق الغابات جزيرة ماوي، وهي ثاني أكبر جزيرة في ولاية هاواي الأميركية، وقد خلفت العشرات من القتلى، وأتت على الكثير من أجزاء الجزيرة، خاصة مدينة لاهاينا.
ولا تزال شجرة “البانيان”، التي تعرف أيضا باسم شجرة التين البنغالي، تقف في صلابة وشموخ، صامدة أمام كتل اللهب الحارقة، بينما تراكم الرماد على أفرعها ذات العقد الكثيرة وجذوعها العديدة، حيث أن هذه الشجرة تنبثق من أعلاها جذور في الهواء، ثم تتدلى وتنمو لتتحول إلى جذوع صغيرة، وتبدو من خلفها كميات من الأنقاض والأشياء المتفحمة التي لا يمكن التعرف عليها، وذلك وفقا للروايات القادمة من المدينة المدمرة.
الشجرة يبلغ ارتفاعها نحو 20 مترا، وقد امتدت فروعها على نطاق واسع، بما يتيح ظلا لمساحة تقارب ثلثي فدان
غير أن الخبراء يشعرون بالقلق من أن الحرارة المرتفعة الناتجة عن الحرائق المدمرة يمكن أن تضع نهاية لهذه الشجرة المعمرة، حيث أنها ليست من النباتات المحلية، وبالتالي لا تتمتع بأي مزايا طبيعية تحميها من النيران.
وفي هذا الصدد يقول جي.بي فرايداي الخبير في الغابات بجامعة هاواي “لا أعتقد أن الشجرة نجت من الحرائق، وبالنظر إلى أن المباني حولها قد احترقت تماما وانهارت، يمكن القول إن ما حدث هو حريق عنيف، ولا يبدو أن الشجرة ستنجو منه”.
وجاء هذا التعليق بعد أن اطلع فرايداي على صور للشجرة دون أن يشاهدها، أو يقيم الوضع على الطبيعة.
غير أن ثمة إشارات إيجابية جاءت من جانب كيمبرتي فلووك نائبة مدير مؤسسة إعادة ترميم لاهاينا المعنية بالحفاظ على تاريخ المدينة.
وأشارت فلووك إلى وجود الكثير من الأرائك الخشبية الموضوعة تحت الشجرة والتي نجت من ألسنة اللهب، وتقول “عندما أنظر إلى الصور، أشعر أن هناك ما يدعو إلى الأمل”. ولكنها تضيف أنه ليس هناك سبيل لتحديد شدة الدمار الذي لحق بالشجرة، وتتابع “هناك بالتأكيد دليل على وجود ندوب بأفرع الشجرة، والكثير منها مغطى بالرماد”.
وتوضح أنه مع وجود فرع أو فرعين قابلين للحياة من الجذع الرئيسي، حال عدم احتراقهما بشكل بالغ، فإن نظام جذور الشجرة الهوائي يمكن أن يعزز النمو مرة أخرى.
كما توضح فلووك أنه في وسط المباني القليلة التي لا تزال قائمة في لاهاينا، تحولت معظم مبانيها إلى ما يبدو كهياكل عظمية، بينما نجت الجدران من الاحتراق لأنها شيدت من كتل من الشعاب المرجانية، التي تعد في الجزيرة بديلا للقرميد أو الإسمنت، وتقول إن مبنى محكمة لاهاينا القديم المتاخم للشجرة في متنزه شجرة “البانيان” أصبح “مجرد صندوق فارغ الآن”.
وتحشد المؤسسة التي تشارك فلووك في إدارتها التمويل حاليا للمساعدة في إعادة إعمار لاهاينا، وتحاول تقييم مدى الخسائر التي لحقت بمتاحفها ومواقعها الأثرية المسجلة، ولكنها تشير إلى أن التاريخ قد طمس في كل مكان.
ويقف السيناتور بريان شاتز الذي يمثل ولاية هاواي في الكونغرس في شارع فرانت بلاهاينا، الذي عادة ما يعج بالحركة والمتاجر والمطاعم التي تفصل بعضها عن البعض مساحات خضراء، ومناظر مطلة على المحيط.
ويقول السيناتور شاتز وقد وقف وسط أكوام من الأنقاض “ينم المشهد كله عن دمار كامل، ولا تزال طاحونة السكر في مكانها، وكذلك المنارة، ويبدو أن شجرة البانيان لا تزال في مكانها، ولكن المعالم التي نجت قليلة للغاية”.
ويقول الخبير فرايداي إن لاهاينا ليست موطن شجرة “البانيان”، غير أنها مثل الكثير من الأشجار المحلية بالجزيرة، يمكن للنيران أن تمنع “وصول العصارة المغذية إلى أعلاها”، مما يعني أن الجذور قد تنجو، ثم تنبت مرة أخرى، ولكن الجزء الذي يعلو التربة من النبات يكون قد احترق إلى حد الموت.
ويشير فرايداي إلى احتمال نجاة شجرة “البانيان”، ويقول “قد تعيش وتنبت مرة أخرى من الجذور”، ومع ذلك، يوضح أن هذه العملية يمكن أن تستغرق عقودا لتنمو وتصبح شجرة كبيرة، وبضيف “يبدو أن الحريق كان شديدا حقيقة”.
ويرى فرايداي الذي تعامل طويلا مع مشكلات حرائق الغابات والنباتات بمختلف أنحاء جزر هاواي، أن الحريق الذي أضر بالشجرة من أسوأ الحرائق التي شهدتها المنطقة.
ويعلق فرايداي على الحرائق التي اندلعت في الجزيرة خلال أغسطس المنقضي بقوله “هذه هي المرة الأولى التي تضرب فيها الحرائق منطقة حضرية مثل هذه، وهو أمر ينفطر له القلب”.
ويعزو سبب اندلاع الحرائق إلى تزايد المساحات المنزرعة بالحشائش غير محلية الأصل في الجزر، إضافة إلى تراجع إدارة الأراضي مع انحسار قطاع الزراعة، وهو ما أتاح مزيدا من الوقود لاندلاع الحرائق، إلى جانب حدوث تغيرات مناخية قاسية في الجزر، نجمت عن ارتفاع درجة الحرارة على كوكب الأرض، مما أدى إلى تفاقم المشكلة.