حجاب فوق حجاب.. فرصة إسلامية للتزلج

عوائق متعددة تواجهها المسلمات المحجبات تنغص عليهن حياتهن الرياضية.
الخميس 2025/01/16
أوقات ممتعة في الهواء الطلق

تواجه النساء المحجبات عوائق متعددة تنغص عليهن حياتهن الرياضية؛ إذ تشكل الملابس الإسلامية عقبات لوجستية، إضافة إلى شعورهن بالعزلة الاجتماعية إذا كن منفردات. وقد تزيد العوائق إذا كن رياضيات محترفات؛ إذ يتم إقصاؤهن فيشعرن بالتهميش والتمييز. وفي دورة الألعاب الأولمبية الأخيرة واجهت المتباريات المحجبات عقبات إضافية داخل حلبة المنافسة وخارجها، لذلك يدعو المتخصصون إلى ضرورة نشر الوعي بقضايا المسلمات المحجبات.

مينيسوتا (الولايات المتحدة) - تراكم بعض نتاف الثلج فوق رموش رقية ناصر وغطاء سترتها وقبعتها وحجابها. وكانت تلتقط أنفاسها بعد التزلج في منتزه بمينيسوتا في صباح يوم من أيام شهر يناير بلغت فيه الحرارة 18 درجة مئوية تحت الصفر.

وتنتمي ناصر إلى مجموعة نسائية متكونة من عشرين عضوة. وأسستها أم صومالية – أميركية في مينيابوليس لتشجيع النساء المسلمات على ممارسة الأنشطة الموسمية. وتشعر المرأة المسلمة بنوع من العزلة الاجتماعية إن قررت المشاركة في هذه الأنشطة وحدها، خاصة إذا كانت محجبة.

وتعود جذور رقية ناصر إلى اليمن. وقد انتقلت مؤخرا إلى مينيسوتا. وتحدثت عن المجموعة قائلة “إنها تفهم أسلوب حياتي. لست مضطرة إلى شرحه لأحد. يشكّل ديني كل شيء في حياتي.”

ويعدّ الحجاب من أبرز دلالات اتباع المرأة للعقيدة الإسلامية. وغالبا ما يجذب بذلك الجدل. وتريد بعض النساء ارتداءه باعتباره رمزا للتقوى والاحتشام، بينما تعارضه أخريات حيث ترين فيه رمزا للاضطهاد. ويمتد الجدل إلى عالم الرياضة، بما في ذلك دورة الألعاب الأولمبية الأخيرة. وواجهت المتباريات المحجبات عقبات إضافية داخل حلبة المنافسة وخارجها.

وكانت نسرين حبيب قلقة بشأن سلامتها، فهي امرأة محجبة أرادت ممارسة الرياضة في الهواء الطلق للتغلب على الاكتئاب الموسمي. فقررت قبل ثلاث سنوات كتابة منشور على وسائل التواصل الاجتماعي حول إنشاء مجموعة للمشي مسافات طويلة.

جدل لا ينتهي

◙ طموح رغم العوائق
◙ طموح رغم العوائق

وشملت الاستجابة الأولية 9 نساء. ثم توسع مشروع حبيب “أمانة ريك” إلى أكثر من 700 عضوة. وأبقت على مجموعة أساسية تقتصر على النساء المسلمات وتتسم بـ”المزيد من الأخوة والاحتشام”. كما أسست مجموعة للعائلات. وتتمحور الأنشطة حول النزهات الأسبوعية. وتمتد أيضا إلى الرحلات الأطول وتبادل المعارف بشأن كل ما يهم المرأة كالملابس الشتوية المناسبة التي تشكّل معضلة للعديد من مجتمعات المهاجرين. وتتناول المجموعة كذلك مواضيع الصحة والاستدامة البيئية من المنظور الإسلامي.

وقالت حبيب “إنها طريقة لتعيش حياتك كلها وفقا لمجموعة من المعتقدات والقواعد. وينص جزء من هذه المعتقدات على الاهتمام بخلق الله. كيف يمكننا أن نكون أكثر استدامة في وقت نرى فيه تأثير تغير المناخ، وخاصة تأثيره على الأشخاص الذين يشبهوننا في الجنوب العالمي؟” وانتقلت الأختان روون محمود ونوال حيرصي من الصومال إلى الولايات المتحدة في سن الطفولة منذ حوالي عقدين.

واستقرتا في مينيسوتا التي خلقت فيها أعداد متزايدة من لاجئي شرق أفريقيا جالية مسلمة منذ أواخر التسعينات. ويعلو صوت هذه الفئة المتوسعة بشكل متزايد. وكانت النائبة الديمقراطية إلهان عمر أول مشرعة ترتدي الحجاب أثناء شغلها مقعدا في مجلس النواب الأميركي، وكانت مينيابوليس أول مدينة كبيرة في الولايات المتحدة تسمح برفع الأذان من عشرين مسجدا.

وتشعر حيرصي بأنها “آمنة ومقبولة” بحجابها. لكنها انضمت إلى المجموعة للحصول على دعم إضافي. وأقنعت شقيقتها بحضور أنشطتها لأول مرة. وقالت “أحب أن أكون في الهواء الطلق وجعلني الانضمام إلى هذه المجموعة أكثر ارتياحا بذلك.” وتزلجت مع شقيقتها بينما سجلت بناتهما المغامرة بهواتفهن. وصرخت روون “يا إلهي، إنه أروع شيء قمت به على الإطلاق.”

♣ المرأة المسلمة تشعر بنوع من العزلة الاجتماعية إن قررت المشاركة في الأنشطة الرياضية وحدها، خاصة إذا كانت محجبة

وأكدت الأختان أهمية تضمين حب الهواء الطلق والنشاط البدني في تنشئة أطفالهما تنشئة دينية. وذكّرت حيرصي بأن الإسلام يأمر بالعناية بالصحة. وقال عمر حسين، الأستاذ في جامعة ويلكس الذي يدرُس مسألة الدين والرياضة، إن النساء المسلمات المحجبات يواجهن عوائق متعددة تنغص عليهن حياتهن الرياضية. وذكر أمثلة الأنشطة التي يختلط فيها الجنسان أو تشكل فيها الملابس الإسلامية عقبات لوجستية. وتطرق إلى العائلات المحافظة التي قد لا تتقبّل ذلك.

وتسعى مجموعات مثل مجموعة حبيب لتمكين النساء في مجتمعاتهن مع نشر الوعي بالمساحات المناسبة دينيا مثل الأماكن التي تمنع الاختلاط أو مواقع الصلاة. وقالت حبيب إن “الوصول إلى الأماكن التي تسمح لنا بممارسة ديننا مع الحفاظ على حيائنا والالتزام بالتعاليم الإسلامية التي تمنع الاختلاط دون التستر يشكّل العقبة الأكبر التي تواجهها النساء خاصة.”

وقالت مكيّة أمين “عندما أخبرتني بأنها ستشكّل مجموعة للمشي مسافات طويلة لإخراج الأخوات إلى الطبيعة… رأيت في ذلك أمرا كنت أبحث عنه منذ فترة طويلة جدا. لم أجد هذه الفئة من حولي في الهواء الطلق من قبل.” وانضمت إيشو محمد إلى المجموعة للتواصل مع صديقات جديدات بقدر حاجتها إلى الهواء الطلق الذي انقطعت عنه إلى حد كبير منذ أيام الكلية.

وقالت إنها “مساحة آمنة تخرجني من منطقة راحتي.” وتلتقي اليوم النساء اللاتي يتبادلن الخبرات المهنية وتجارب الهجرة ويتشاركن إيمانهن. وأضافت “كما نتحدث عن الارتباط الروحي والتواصل مع الله، ونتلو الأدعية والأذكار عندما نمشي.”

وكانت جوريدا لطيفي مسرورة لقدومها مع ابنها البالغ من العمر 7 سنوات. واستقرت في أميركا بعد هجرتها من ألبانيا. وتلتقي مع عضوات المجموعة أسبوعيا منذ انضمامها إليها قبل أكثر من سنة. وقالت “تفهمك الأخوات المسلمات… وما تمرين به، حتى مع الملابس والحجاب. تحسين بأنك مع عائلتك.”

وبات تحدي الصور النمطية، ومحاربة الافتراضات المسبقة حول النساء العربيات المحجبات في المجال الرياضي، من أبرز القضايا التي تشغل الفتيات الرياضيات المحجبات، اللاتي يواجهن نقص الفرص في البطولات المحلية والدولية من جهة، ونقد بعض أفراد المجتمع لممارستهن الرياضة بملابس رياضية غير مناسبة لمفهوم الحجاب.

وأكدت مريم فريد، العداءة القطرية، أن الجري أصبح جزءاً لا يتجزأ من هويتها، وتطمح لأن يدرك المجتمع العالمي أنه يجب أن تحظى كل امرأة تعمل في مجال الرياضة، لاسيما المحجبة، بفرص متساوية وأن تكون قادرة على تحقيق أحلامها، بغض النظر عن الاختلافات في المظهر أو العقلية.

قوالب نمطية سلبية

◙ تمييز وتهميش
◙ تمييز وتهميش

وعلى الرغم من أنها لم تتعرض للرفض المباشر، تعتقد أن الكثير من الناس رفضوها بسبب التوقعات المجتمعية التقليدية من النساء. وقالت فريد “بصفتي امرأة محجبة عربية، أزعج نجاحي بعض الأفراد، حيث أشعر بأن البعض وضعني في قوالب نمطية سلبية في محيطي،على الرغم من ذلك أنا ممتنة للدعم المستمر الذي أتلقاه من عائلتي ومجتمعي.” وأضافت “غالبا ما يتم تصوير النساء المحجبات العربيات بطريقة معينة.”

بدورها وصفت العداءة المصرية المحجبة ومدربة عدائي “أديداس” خديجة حجازي الجري بأنه وسيلتها لتحقيق النصر، وهو الوقت الخاص، حيث تبتعد عن الجميع، وعن كل شيء لتشعر بالحرية. كما أن كونها جزءاً من فريق للجري يساعدها على العثور على أشخاص يخوضون نفس الرحلة التي تخوضها، حيث تكون صداقات تدوم مدى الحياة.

ولم تنكر حجازي أن هناك العديد من التعليقات السلبية خصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها واجهت الموضوع بمحاولة تغيير هذه النظرة والآراء المحبطة، من خلال محتوى يبرز جانب القدرات والإنجازات والقوة الكامنة لدى العديد من الرياضيات اللاتي يرفضن التعامل مع الحجاب كحاجز أمام أحلامهن وطموحاتهن في مجال الرياضة، لذلك ترى أن “الدعم يجب أن يبدأ منا كفتيات، بعدها سيأتي الدعم من باقي أفراد المجتمع.”

◙ العداءة المصرية خديجة حجازي تصف الجري بأنه وسيلتها لتحقيق النصر
◙ العداءة المصرية خديجة حجازي تصف الجري بأنه وسيلتها لتحقيق النصر

وتعاني الرياضيات المحجبات من التهميش والإقصاء في عدد من بلدان أوروبا الغربية، على غرار فرنسا التي تتشدد في منع ارتداء الحجاب. وقال تقرير نشر حديثا من طرف منظمة العفو الدولية (أمنستي) إن النساء الرياضيات المحجبات في فرنسا عانين من التهميش والإقصاء خلال الألعاب الأولمبية في باريس. يأتي ذلك بسبب القوانين الفرنسية التي تحظر ارتداء الرموز الدينية ومن بينها الحجاب، بينما تمكنت الرياضيات المحجبات القادمات من الخارج من المشاركة بالحجاب.

وبعد مرور أيام على تصريحات وزيرة الرياضة الفرنسية أميلي أوديا كاستيرا، العام الماضي، قالت مارتا هورتادو، المتحدثة باسم مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، للصحافيين في جنيف “لا ينبغي لأحد أن يفرض على أي امرأة ما يجب أن ترتديه أو لا ترتديه.” وكانت أوديا كاستيرا قد صرحت بأن الفريق الأولمبي الفرنسي، باعتباره مؤسسة تمثل الجمهور الفرنسي ويتم تمويلها منه، مقيد بمبدأ العلمانية. وأضافت “هذا يعني الالتزام بالحياد المطلق في الخدمات العامة. منتخب فرنسا لن يرتدي الحجاب.”

وأعلنت اللجنة الأولمبية الدولية بعد ذلك أن الرياضيين سيكونون أحرارا في “ارتداء الحجاب أو أي لباس ديني أو ثقافي آخر” في قرية الرياضيين للألعاب الأولمبية في باريس 2024 دون أي قيود. وذلك لأن “قواعد اللجنة الأولمبية الدولية هي التي تنطبق على القرية الأولمبية” التي يقيم فيها الرياضيون المشاركون.

ونقلت وكالة رويترز عن متحدث باسم اللجنة الأولمبية الدولية قوله “عندما يتعلق الأمر بالمسابقات، فإن القواعد التي تضعها الاتحادات الدولية المعنية (بكل رياضة) هي التي تُطبّق.” واعتبرت منظمة العفو الدولية في أكتوبر 2023 أن “حظر ارتداء الحجاب الديني في الأماكن العامة ينتهك حقوق النساء المسلمات.”

وفي شهر مايو الماضي طلبت منظمات رياضية وحقوقية المساعدة من رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ على إلغاء الحظر المفروض على ارتداء الرياضيات الفرنسيات الحجاب. ووقعت منظمة العفو الدولية، و10 مجموعات أخرى، رسالة إلى باخ أشارت فيها إلى أن القرار الفرنسي يتعارض مع الميثاق الأولمبي. وجاء في الرسالة “لقد أدى حظر

الحجاب في الرياضة إلى التمييز ضد الكثير من الرياضيات المسلمات وإقصائهن واستبعادهن وإذلالهن، وهو ما سبب لهنّ صدمة وعزلة اجتماعية،” داعية باخ إلى التحرك نصرةً لـ”المساواة بين الجنسين في فرنسا من خلال ضمان حصول جميع النساء والفتيات على حقهن في عدم تعرضهنّ للتمييز واحترام هذا الحق وحمايته، وضمان حقهن في المشاركة في الألعاب الرياضية.”

قيود

◙ قيود مفروضة
◙ رياضة التزلج مهنة احترافية

وتمنع فرنسا ارتداء الحجاب في العديد من الرياضات، بما في ذلك كرة القدم وكرة السلة والكرة الطائرة، وفي المسابقات على جميع المستويات، بما في ذلك مسابقات الفئات الشابة وكذلك الهواة. وتحظى هذه القرارات الفرنسية بتأييد فرنسيين لا يرغبون في رؤية مظاهر دينية واضحة في العلن، إلا أن آخرين يخشون من إمكانية أن تستخدم فرنسا هذه القوانين كحجة لقمع الأقليات في البلاد، وأبرزها الأقلية المسلمة.

ويجادل البعض بأن هذه القيود تمنع النساء المسلمات اللواتي اتخذن إحدى الرياضات مهنة يحترفنها ويعتشن منها، من ممارستها. كما أنها تمحي سنوات من التعب والتدريبات والمثابرة لتحقيق حلم شخصي. فيما يعتبر حقوقيون آخرون أنه بموجب القانون الدولي لا يشكل حياد الدولة أو علمانيتها سببين مشروعين لفرض قيود على حرية التعبير أو حرية المعتقد.

ولا تواجه المسلمات المحجبات تحديات فريدة من نوعها في المجال الرياضي فحسب، بل يواجهن أيضا تحديات ثقافية واجتماعية، ومن أبرزها التمييز، وهو ما يؤثر على فرصهن في العمل والتعليم. وإضافة إلى ذلك يواجهن صورًا نمطية سلبية عن المرأة المسلمة، ما يجعل من الصعب عليهن التعبير عن آرائهن بحرية. ومن ناحية أخرى قد يتعرضن لضغوط من المجتمع أو العائلة بهدف الامتثال لمعايير معينة، وهو ما يحد من حريتهن في اتخاذ القرارات.

محاربة الافتراضات المسبقة حول النساء العربيات المحجبات في المجال الرياضي باتت من أبرز القضايا التي تشغل الفتيات

وتتأثر النساء المسلمات المحجبات أيضًا بالتحديات السياسية والقانونية، مثل القوانين التمييزية في بعض الدول، الأمر الذي يعيق حرية التعبير عن الهوية الدينية. ويواجهن نقصًا في التمثيل السياسي، ما يجعل من الصعب عليهن التأثير في السياسات التي تؤثر على حياتهن. وبناء على ذلك قد يواجهن صعوبات في الحصول على حقوقهن القانونية، مثل حقوق العمل أو التعليم.

وتوجد عدة طرق يمكن من خلالها التغلب على هذه التحديات. ومن أبرزها نشر الوعي بقضايا النساء المسلمات المحجبات، وذلك من خلال الحملات الإعلامية والندوات. كما يجب على المجتمع تقديم الدعم للنساء المسلمات المحجبات، عبر إنشاء شبكات دعم ومجموعات مساعدة. وإضافة إلى ذلك يجب تشجيع المرأة على المشاركة في الحياة السياسية، من خلال التصويت والترشح للمناصب.

وتواجه النساء المسلمات المحجبات تحديات متعددة، ولكن من خلال التوعية والدعم المجتمعي والمشاركة السياسية، يمكن التغلب على هذه التحديات. إن تحقيق المساواة يتطلب جهدًا جماعيًا، إذ يجب على الجميع العمل معًا من أجل بناء مجتمع أكثر عدلاً وشمولية.

15