حب السود والبيض في مهب العنصرية

الزواج ليس مسألة شخصية في المجتمعات العربية.
السبت 2020/10/03
رضا المجتمع موجب للاحتفال

المجتمعات العربية مجتمعات تقليديّة بامتياز، فيها لا يعتبر الزواج مسألة شخصية، بل توظّف هذه المؤسّسة ضمن إستراتيجيته المجتمعية، وهو ما يتجلى في تبخيس قيمة الحبّ عند اختيار الشريك.

تونس – لئن يعتبر السود جزءا من النسيج المجتمعي التونسي، فإنّ الزيجات المختلطة لا تزال تعتبر من الحالات المثيرة للاهتمام في المجتمعات العربية، وخاصّة منها زواج الأبيض من سوداء. وحين تتوالى الأحداث العنصرية المسيئة لأصحاب البشرة السوداء، تزهر علاقات من نوع آخر تتجاوز الألوان وتمتزج فيها الأرواح لتخلّد قصص حب تتوج بالزواج.

حب استثنائي

عاش اللاعب السابق للمنتخب التونسي علي الزيتوني قصة حب كسرت حاجز العنصرية. عانى علي كغيره من أصحاب البشرة السوداء من حوادث عنصرية كثيرة في تونس.

واختار علي الاستقرار في تركيا مع زوجته التركية وابنتيه. يقول إنه لم يوجّه إليه يوما أي كلام عنصري ولكنه لم يسلم من نظرات التعجب والاستغراب عندما يكون رفقة زوجته التركية.

وفي حديثه عن قصة زواجه، يقول علي “تزوجت عن حب وقد تعرفت على زوجتي عن طريق بعض الأصدقاء التونسيين. قبلتني كما أنا، قبلت شكلي وكانت تجهل شهرتي”. وأضاف أن والدته عارضت هذا الزواج في البداية خاصة أنه يعتبر تمردا على تقاليد ونواميس عائلة الزيتوني، فهو الاستثناء الوحيد الذي تزوج امرأة بيضاء البشرة بل ومختلفة الجنسية، ولكن تغير الأمر لاحقا عندما تعرفت والدته على زوجته ونشأت علاقة وطيدة بينهما جعلت علي يكون أكثر ارتياحا بسبب تقبل والدته لخياره.

ولا تعد حالة علي الزيتوني “استثناء”، إذ لا يزال ارتباط زوجين من لونين مختلفين مدعاة للاستغراب والتعجب، يمتد الأمر للسود أنفسهم ويصبحون عنصريين عندما يرفضون أن يتزوج أبناؤهم السود بيضا.

وتفسر خلود السباعي أستاذة علم النفس الاجتماعي مثل هذه السلوكات والمواقف بأنها تنبع من كون “الإنسان عادة ما يخاف مما هو مختلف عنه ويرتاح أكثر إلى ما هو مألوف بالنسبة إليه”، مضيفة أن “المختلف يثير دوما التوجس”. وتشير السباعي إلى أن التمييز العنصري، الذي يكون سببا في رفض الزواج بالآخر المختلف عنا، يكون متمركزا أساسا في فئة كبار السن، فيما الشباب يكونون أكثر انفتاحا، لكن ضريبة مثل هذا التمييز عادة ما يدفعها الشباب أنفسهم.

ومن الأمثال التونسية القائمة على التمييز العنصري “الوحلة في الكحلة أما حتى البيضة خذات راجل” بمعنى أنّ ذات البشرة السوداء تمثل مشكلة ويصعب عليها إيجاد زوج مقابل استطاعة الفتاة البيضاء الزواج.

وتتعدد الأمثال العنصرية الأخرى التي تختلف بين الجهات وتختلف معانيها لكنّها تؤكد على الموروث السلبي والمكرّس للعنصرية القائمة على اللون، ويردد البعض اليوم بوعي تام بمعانيها بينما يتناقلها البعض دون فهم مقاصدها.

وفي هذا الإطار تحدّثت ريم الحمروني، وهي ممثّلة مسرحية تونسية، سوداء البشرة ومتزوجة من رجل أبيض، عن تجربتها التي اعتبرتها تجربة شاقّة وقاسية، خاصّة في مرحلة الزواج الأولى، من خلال نظرة الاستغراب والاستهجان التي كانت تحسّها في نظرات الآخرين، واعتبار زوجها بمثابة المسكين المتزوج من “وصيفة”.

ويرجع الأكاديمي التونسي مهدي المبروك الأمر إلى التنشئة الاجتماعية وإلى التربية على الخوف والرهاب من الآخر، في مجتمع ينظر إلى الآخر، المختلف في العرق، بدونية وتحقير ولا يرجع فشل العلاقات المختلطة إلا إلى الأسباب اللونية.

وفي فلسطين مثلا، يكون الامتزاج بين السود والبيض في كل شيء إلا في الزواج. ففي “حارة العبيد” أو وسط شارع الجلاء شمال مدينة غزة، ويعيش فيها ما يقارب 11 ألف فلسطينيّ “أسمر” حسب المختار، يعتبر زواج أبنائها من خارج “الحارة” حدثا استثنائيا.

وينسحب الأمر على كل الدول العربية أين تعتبر معدلات العنصرية مرتفعة سواء ضد الأجانب من أصحاب البشرة السمراء أو حتى أبناء البلد نفسه الذي يملكون لون بشرة سوداء، وحتى أبناء الدول العربية الأخرى من أصحاب البشرة السوداء.

وذكر أحد السود العراقيين أن الناس يطلقون عليهم عبيد وعندما يحتجون عليهم يقولون “كلنا عبيد الله ولماذا تنزعجون “. ويقول أن هناك تسميات أكثر ايلاما للنفوس ومنها “الصخول” و”أبو الليل”، مشيرا الى رفض عوائل تزويجهم ابنتهم لشقيقه وقالوا لعائلته عبارة ما تزال ترن في ذاكرته وهي “أنتم وين نحن أحرار”.

معاناة العرب من عنصرية أبناء بلدهم ضدهم كبيرة ومخيفة، وهي تطال الجميع بغض النظر عن صلة القرابة وفي جميع الدول من دون استثناء سواء في مصر أو السعودية أو العراق أو المغرب واليمن وتونس ولبنان والبحرين والإمارات وغيرها.

زوجة بيضاء

زواج عارضة الأزياء السعودية عبير سندر بمدرب فنون القتال البريطاني جوردان أونيل مثال حي على تحدي نظرة المجتمع
زواج عارضة الأزياء السعودية عبير سندر بمدرب فنون القتال البريطاني جوردان أونيل مثال حي على تحدي نظرة المجتمع 

يفضل ما يقارب من ثلثي الشباب المقبلين على الزواج بيضاء البشرة، مكتفين بالجمال الخارجي، طمعا بالتباهي بعيش حياة ممتعة مع “امرأة جميلة”.

وعلى أحد منتديات النقاش يقول رجل “أنا رجل ذو مكانة علمية مرموقة متزوج حديثا بعد تجربة انفصال لزواج استمر شهرين. زوجتي الجديدة امرأة كاملة المواصفات عقلا وجمالا وخلقا وروحا ما عدا شيء واحد… إنها ليست بيضاء البشرة، ممكن أن تكون بيضاء، ولكن من الدرجة الثانية أو الثالثة، وهذا يجعلني أبكي حظي عندما أرى امرأة بيضاء حتى لو كانت أقل جمالا من زوجتي”!

ويضيف “كان حلمي أن تكون زوجتي بيضاء، وللأسف أشعر أنني لم أحقق هذا الحلم، وعندما ارتبطت بزوجتي الأولى كانت ما أريد، شكلا، ثم اتضح لي سوء خلقها. أمي وإخوتي يقولون إنني لا أقدّر النعمة، ولكن ماذا أفعل؟ في الكثير من الأحيان أُفكر في الزواج للمرة الثالثة، ولكن أي سبب سوف أقوله؟ إنني ‘أريد امرأة بيضاء؟ ‘ماذا أفعل؟'”. كان هذا عنوان مشكلة طرحها رجل على أحد منتديات النقاش طالبا “حلا”.

واختلفت الردود حول الأمر منها من يؤكد أن زوجته خدعته بمساحيق التجميل في “النظرة الشرعية”.

ويكفي المرور على المنتديات وحتى على مواقع الاستشارات الدينية حتى نكتشف حجم عدم الرغبة بالزواج بامرأة سمراء أو تملك بشرة داكنة.

وكأن الزواج بامرأة ببشرة داكنة مخالف لتعاليم الدين حتى يتم السؤال بهذه الكثافة عن الأمر.

قصص عديدة على المنتديات عن شباب في منطقة الخليج العربي بشكل خاص حددوا شرطهم بأن تكون العروس بيضاء البشرة، وبطبيعة الحال لم تتمكن الوالدة من تحقيق أمنيتهم؛ لأن الخليجيات إما حنطاويات وإما سمراوات، والنهاية كانت “الرضا بالنصيب” على مضض.

ومنذ القدم والعرب يفضلون المرأة البيضاء البشرة، فبياض البشرة كان من علامات الجمال عند المرأة، وقد تغنى الشعراء بهذه الجزئية بأبيات عديدة.

وقد مرت السنوات وذهبت، ومازالت البشرة البيضاء عقدة العرب وشغلهم الشاغل. فالمرأة التي تتمتع بالجمال ورغم أنف الجميع بيضاء البشرة. فالبشرة البيضاء “نصف الجمال”.

ويفسر الأمر هوس تبييض البشرة الذي اجتاح المجتمعات العربية لدرجة أن الإعلانات الخاصة بها التي تبرز امرأة سوداء تعيسة تصبح سعيدة بعد أن أصبحت بشرتها بيضاء مر ولسنوات طويلة جدا مرور الكرام وكأنه أمر عادي. كما تعج المواقع الخاصة بالنساء بخلطات فعالة لتفتيح البشرة، وكذلك الحال بالنسبة لمنتجات التبييض التي تحقق مبيعات قياسية.

كما تشهد مراكز التجميل من أجل “تفتيح” يدوم وتقشير وكل ما من شأنه أن يخلص المرأة من لونها إقبالا كبيرا.

أطفال كراميل

حوادث عنصرية كثيرة
حوادث عنصرية كثيرة

تقول هاجر “عندما كنت في الثامنة أو التاسعة من العمر، كنت كئيبة جدا. فقد كنت أشعر بتحديق الآخرين بي ليس فقط لأنني كنت على غير العادة الفتاة السوداء الوحيدة في المكان بل أيضا لأنني كنت طفلة سوداء صغيرة تجوب المكان مع والديها الأبيضين”. وتضيف “عرفت أنني لا أنتمي لوالديّ اللذين لطالما أحباني.. أنا طفلة متبناة”.

وتتابع “أدين بكل شيء لهما.. أدين لهما بحياتي ولكن إذا كان بمقدوري أن أعود بالزمن للوراء وأختار نوع الحياة التي سأعيشها، فلن أختار أن أعيش مع أبوين أبيضين ثانية”.

وعند مشاهدة صور لأبناء زوجين من حالات الزواج المختلط، ترى أنهما أنتجا عرقا جديدا وجيلا يتسم “بالحلاوة” بناء على ما يقوله الناس، وبالمجاز ما ينتج عن اختلاط الشوكولاتة بالحليب إنه “كراميل”، تقول سامية التي تحب اسم كنيتها “كراميلا”. سامية سمراء وولدت لزوجين أمها سوداء ووالدها أبيض ولأنها ولدت في فرنسا لم يمثل الأمر أي مشكلة لها، المشكلة الوحيدة حين العودة إلى تونس كل صيف. تقول إن بنات عمومتها يقلن “لا تحتاجين برونزاج” ولا تعرف حينها إن كان اطراء أو سخرية.

ولا يعتبر اختلاف لوني الزوجين عائقا كبيرا إذا كانا يعيشان في بلدان أوروبية، حتى العنصرية تكون سرية أحيانا.

ويحلو للزوجين سامي وآلين أن يطلقا على أسرتهما لقب “ألوان قوس قزح”، وهما محقان في ذلك.

فالزوج سامي أبيض، أما زوجته آلين فهي سوداء بينما تتدرج ألوان أطفالهما الثلاثة بين هذا وذاك على نحو أشبه بتنوع الألوان في علبة قطع السكاكر.

ويعبر الزوجان اللذان يعيشان مع أطفالهما في بلدة كان الفرنسية عن سعادتهما بهذا التنوع الذي يعكس مدى روعة التزاوج بين السود والبيض بما يجسد ثمرة التعايش والتسامح بين شتى العناصر البشرية.

20