حالة الغموض تحيط بالرياضة النسائية في سوريا

مها جنود، أول مدربة كرة قدم نسائية في سوريا، تعتبر واحدة من أبرز الشخصيات الرياضية التي تمثل الإصرار والعزيمة في مواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية، على عاتقها مهمة كسر الحواجز التي تعيق المرأة السورية في مجال الرياضة، خاصة في كرة القدم التي كانت منذ فترة طويلة رياضة تُعتبر حكراً على الرجال في معظم أنحاء المنطقة.
ريكيافيك (أيسلندا) ـ أمضت مها جنود سنوات طويلة في العمل بمجال كرة القدم السورية قبل أن تضطر إلى مغادرة بلادها بسبب الحرب. ومن أيسلندا، حيث تعيش الآن، تواصل متابعة التطورات في سوريا وتأمل في تحقيق العدالة بعد رحيل بشار الأسد، منتظرة مستقبلاً أفضل لسوريا وللنساء وللرياضة النسائية.
شهدت السورية مها جنود الكثير من الأحداث في حياتها ومسيرتها المهنية، ولكن مثل العديد من مواطنيها، فوجئت بالسرعة التي سقط بها نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر.
ورغم الأمل والارتياح اللذين صاحبا رحيل النظام السابق ورموزه، لا يزال المستقبل في نظر أول مدربة كرة قدم نسائية في سوريا غير مؤكد، خاصة بالنسبة للنساء ولكرة القدم النسائية.
اضطرت الرياضية جنود إلى مغادرة سوريا، كما فعل كثيرون غيرها، وهي تعمل حاليًا مدربة في أكاديمية بريدابليك، أحد الأندية الرائدة في أيسلندا. وفي حوار مع دويتشه فيله عربية، قالت جنود، “إنه أمر مؤلم للغاية – لم تجتمع عائلتي معًا منذ 12 عامًا. آمل أن نتمكن من لم شملنا قريبًا وأن تسمح الدول للاجئين بزيارة سوريا. لكل سوري الحق في زيارة منزله، أو ما تبقى منه، أو أطلال ذكرياته”.
بالنسبة لجنود، الذكريات في سوريا كثيرة، ففي مطلع القرن الحادي والعشرين، كانت المراهقة آنذاك قد بدأت للتو مسيرتها كلاعبة كرة قدم. وحقق المنتخب السوري حينها بعض النجاحات، مثل حصوله على المركز الثالث في بطولة غرب آسيا عام 2005. وكان هذا النجاح كان رغمًا عن اتحاد كرة القدم السوري، وليس بفضله.
وتقول جنود، “لم يكن هناك دعم كبير، ولا حتى دوري. لم يكن هناك سوى مجموعة صغيرة من اللاعبات المتحمسات للعب كرة القدم. استخدمنا الاتحاد للمشاركة في البطولات الدولية دون تقديم أي دعم مالي أو وضع استراتيجية أو دوري لكرة القدم”.
وتلقت جنود دورات تدريبية في مجال التدريب بعد انتهاء مسيرتها الكروية كلاعبة عام 2011، كان هذا بمثابة طعم مبكر لعلاقة صعبة مع الاتحاد السوري لكرة القدم. وكان الاتحاد خاضعًا لسيطرة نظام الأسد، الذي ملأه بالمسؤولين الموالين ممن “أداروه وكأنه إقطاعية شخصية لهم مقابل فوائد مالية وغيرها،” على حد قولها.
وفي عام 2018، أصدر الاتحاد الآسيوي لكرة القدم قرارًا يلزم جميع الاتحادات الأعضاء بإنشاء أقسام فنية لكرة القدم النسائية. وباعتبارها المدربة الوحيدة في سوريا التي تمتلك رخصة التدريب والخبرة المطلوبة، لم تكن هناك خيارات أخرى.
وحصلت جنود بالفعل على المنصب، لكنها تحكي أن الاتحاد السوري حينذاك جعل عملها مستحيلاً، تقول، “كانوا يأخذون الراتب المخصص لي من قبل الاتحاد الآسيوي لكرة القدم ويجبرونني على التوقيع كما لو كنت استلمته، رغم أنني لم أستلمه”.
◙ المدربة السورية مازالت مغتربة في أيسلندا تنتظر رؤية إدارة حكم ودستور جديدين لبناء مستقبلالبلاد وشعبها
وعملت المدربة السورية في الوقت نفسه كمساعدة لمدرب نادي المحافظة الرياضي بدمشق، حيث تم استخدامها “كأداة للدعاية من قبل الحكومة” لإظهار تمكين المرأة في البلاد.
وتقول جنود، “تم الحديث عني عالميًا باعتباري أول مدربة في الشرق الأوسط تدرب فريقًا للرجال، ومع ذلك لم أتلقّ كلمة شكر من المسؤولين في سوريا، ولا أي اعتراف معنوي أو مادي”.
وعندما أصبح كل هذا أكثر مما تستطيع احتماله، قررت جنود الرحيل في عام 2020. وعملت في مجلس سيدات الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، وكذلك مع فريق سيدات عمان، قبل أن تتوجه أخيرًا إلى أيسلندا عام 2023.
وشهدت جنود، التي تبلغ من العمر اليوم 39 عامًا، الأحداث الأخيرة في سوريا من منزلها في أيسلندا. وتتابع المدربة السورية، كالملايين غيرها، عملية التغيير البطيئة ومحاولات تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وتقول جنود، “سوريا تعيش الآن آلام المخاض من أجل ولادة جديدة، وهذه المعاناة ضرورية. آمل أن يكون الطفل الجديد بصحة جيدة. إن سعادتي بنهاية الطغيان الذي أثقل كاهلنا لا توصف، ولكنني آمل ألا ننتقل من نار إلى أخرى”.
ويثير الوضع قلق الملايين من الأشخاص في بلد أنهكته 13 عامًا من الحرب، وتضيف جنود، “ما زلت في انتظار رؤية إدارة البلاد والدستور الجديد، لأن هذه هي الأسس التي سيتم بناء مستقبل سوريا وشعبها عليها”.
ومهما يحدث في المستقبل، تؤمن جنود بضرورة محاسبة أولئك الذين عملوا بقلب النظام القديم. حيث تقول، “لقد عمل الشعب بأكمله داخل مؤسسات الأسد، ولكنني أشير بشكل خاص إلى الأفراد الفاسدين الذين ازدهروا على دماء الشهداء وعرق الفلاحين والعمال، ومن خلال الاتجار بأجساد النساء والأعضاء البشرية. هؤلاء يجب أن يحاسبوا”.
وظل المنتخب الوطني للرجال قادرًا على المنافسة في آسيا واقترب من التأهل لكأس العالم في عام 2018. ويأمل البعض بأنه في حال استقر الوضع خلال الأشهر أو السنوات القادمة، يمكن لمنتخب الرجال أن يصبح قوة حقيقية في عالم كرة القدم.
◙ مع عودة الحلم بأن تتقدم كرة القدم النسائية في سوريا للأمام، فإن لجنود دورًا مهمًا لتلعبه باعتبارها الشخصية الأكثر خبرة في المجال
أما بالنسبة لمستقبل كرة القدم النسائية، لا يزال الوضع أقل وضوحًا، ففي مناسبات متعددة، قال الشرع إن تعليم المرأة سيستمر وفند المخاوف من أن تسير سوريا على خطى طالبان في أفغانستان، حيث لا يُسمح للنساء، من بين أمور أخرى، بالمشاركة في الرياضة.
وتتجنب جنود إصدار أي أحكام مسبقة على الوضع حيث تقول، “إذا سمح النظام الحاكم والدستور الجديد للمرأة بالمشاركة، فقد يؤدي ذلك إلى تغيير مسار البلاد بالكامل. علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان سيتم السماح باستمرار الرياضة النسائية بميزانية مخصصة لذلك. لا يحدث شيء من خلال الأحلام وحدها؛ الواقع سوف يحدد هذا”.
ومع عودة الحلم بأن تتقدم كرة القدم النسائية في سوريا للأمام، فإن لجنود دورًا مهمًا لتلعبه باعتبارها الشخصية الأكثر خبرة في كرة القدم النسائية ببلادها. وتقول المدربة السورية، “إذا أصبحت سوريا آمنة ويحكمها دستور عادل خال من العنصرية والتمييز ويضمن حياة كريمة لمواطنيها، فلا بد أن أعود”.