حافلات متنقلة تقدم حصصا تعليمية لسوريين دمّر الزلزال مدارسهم

تقديرات بتضرّر ما لا يقل عن 452 مدرسة ابتدائية وثانوية بدرجات متفاوتة.
الجمعة 2023/05/26
أكثر من ثلاثة آلاف طالب يستفيدون من خدمات الحافلات المتنقلة

جنديرس (سوريا) - في شمال غرب سوريا تشقّ حافلات ملوّنة تحولت إلى قاعات تدريس متنقّلة طريقها بين مخيمات للنازحين، موفّرة لأطفال دمّر الزلزال مدارسهم قبل أكثر من ثلاثة أشهر حصصاً تعليمية ودعماً نفسياً.

وتقول جواهر هلال (10 سنوات) وهي طالبة في الصف الخامس الابتدائي لوكالة فرانس برس "كنا نسكن في جنديرس وحدث الزلزال. انهار المبنى ولم يعد لدينا مأوى". وتضيف بينما تجلس في خيمة باتت منزل عائلتها “انتقلنا للسكن هنا وباتت المدرسة بعيدة جدا عنا. لكن الباصات أتت وبدأنا نتعلّم.. نتلقى دروساً كثيرة".

وتتوقف الحافلة قرب مخيم للنازحين عند أطراف بلدة جنديرس الواقعة في محافظة حلب والقريبة من الحدود التركية، وهي من المناطق الأكثر تأثراً بالزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا المجاورة في السادس من فبراير وحصد أرواح قرابة ستة آلاف شخص في سوريا وحدها.

ويتجمع الأطفال بفرح وحماس حول الحافلة الملونة والمزينة بصور وشعارات بينها "قطار الحروف"، ثم يصعدون تباعا إلى حصص تتنوع بين اللغتين العربية والإنجليزية والعلوم والرياضيات.

◙ واقع التعليم كما فرضته الظروف الطبيعية
◙ واقع التعليم كما فرضته الظروف الطبيعية 

وخلال إحدى الحصص، يردّد الطلاب بينما يجلسون على مقاعد خشبية داخل الحافلة أغنية خلف المدرّس يتعلمون من خلالها كلمات باللغة الإنجليزية. ويقول رعد العبد وهو مسؤول التعليم في منظمة “أورانج”، وهي منظمة محلية غير حكومية تقف خلف المبادرة، لوكالة فرانس برس "تقدّم الوحدات المتنقلة خدمة تعليمية وأيضاً الدعم النفسي للأطفال المتضررين من الزلزال".

ويوضح أن "الباصات تستهدف 27 مخيما وتتنقل بينها تباعا" في جنديرس ومحيطها، حيث يستفيد أكثر من ثلاثة آلاف طالب من خدماتها. وألحق الزلزال أضراراً كبيراً بالأبنية والمرافق الخدمية والبنى التحتية خصوصاً في المناطق الحدودية مع تركيا مركز الزلزال. وتحولت المئات من المدارس التي نجت من الكارثة إلى مراكز إيواء لعائلات دُمرت منازلها كلياً أو تضررت.

وفي شمال غرب سوريا وحدها، يحتاج أكثر من مليون طفل في سنّ المدرسة إلى دعم تعليمي، وهم معرّضون لخطر التسرّب من المدرسة بسبب الزلازل، وفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا).

وتشير التقديرات إلى تضرّر ما لا يقل عن 452 مدرسة ابتدائية وثانوية بدرجات متفاوتة، في وقت يحتاج ما لا يقل عن 25 ألف معلّم متضرّر من الزلازل إلى دعم الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي والتعويض المناسب وبناء القدرات.

وفي عموم سوريا، يحتاج 3.7 ملايين طفل لمساعدة إنسانية مستمرة وفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، التي أفادت عن تعطيل تعليم 1.9 مليون طفل جراء الزلزال، في وقت لا تزال مدارس عديدة تُستخدم لإيواء الناس الذين شرّدهم الزلازل.

◙ تركيز تام على الدرس
◙ تركيز تام على الدرس 

ويجد رمضان هلال والد جواهر في تسيير الحافلات التعليمية المتنقلة حلاً مؤقتاً لأزمة تعطيل التعليم بعدما وجد نفسه وعائلته يقطنون في مخيم بين أشجار الزيتون. ويقول لفرانس برس “بعد حصول الزلزال، لم تبق مدارس أو أي شيء آخر”. ويضيف “حتى لو أرادوا تأسيس مدارس، تبقى بعيدة عنا ولا قدرة لنا على توفير المواصلات لنقل أولادنا إليها”.

وتسبب الزلزال في مناطق شمال غربي سوريا بدمار العشرات من المدارس، حيث أشار مجمع إدلب التربوي إلى أن عدد المدارس التي تضررت بفعل الزلزال الأول في منطقة حارم بلغ 39 مدرسة، من بينها 34 تهدمت بشكل جزئي، و5 مدارس تعرضت لتشققات بسيطة.

بدوره أعلن مجمع معرة مصرين التربوي أن عدد المدارس التي تضررت بفعل الزلزال الأول الذي ضرب المنطقة بلغ 14 مدرسة، من بينها 12 مدرسة تعرضت لتهدم جزئي ومدرستان تعرضتا لتشققات بسيطة.

◙ ابتسامة لا يفهمم كنهها سوى الحالمون بغد أفضل
◙ ابتسامة لا يفهمم كنهها سوى الحالمون بغد أفضل 

ولجأ بعض الطلاب إلى الدراسة ضمن مخيمات، حيث تطوع بعض المعلمين لحماية التلاميذ من التسرب الدراسي. وأكد الأستاذ زياد العمر المكلف بتسيير أعمال وزارة التربية والتعليم في إدلب استمرارهم بالعملية التعليمية، معتبرا أن “العلم هو سلم الحضارات، وتقدّر الأمور حسب الوضع العام الجيولوجي الذي تمر به المنطقة”.

وبشأن مقاومة المدارس في شمالي سوريا للزلازل، أضاف العمر أن المدارس التي تعرضت للضرر بناؤها قديم جدا، وهناك 7 مدارس بناؤها جيد ومدعم بحيث تصمد أكثر أمام الزلازل، لكن بالطبع حسب شدة درجة الزلزال، مؤكدا أن وسائل الحماية تقليدية، ولا توجد وسائل حماية متطورة.

وفي حديثه لفت العمر إلى أن الزلزال أثر سلبا على نحو 250 مدرسة في شمالي سوريا عموما، منها 203 أصابها تهدم جزئي، و46 تشققت، ومدرسة تهدمت بشكل كامل.

وتسبَّب الزلزال الذي ضرب سوريا في تدهور شديد للأوضاع الإنسانية، لاسيما منها الأمن الغذائي وخطورة المباني السكنية، وفق ما أفاد تقييم جديد للأضرار أصدره البنك الدولي في مارس 2023. وتضررت الشرائح الهشة من السكان بشدة، مثل النساء والأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة وكذلك الفقراء.

وكانت المناطق المتأثرة بالزلزال موطناً لحوالي 3 ملايين من النازحين داخلياً، أي 50 في المئة من مجموع النازحين داخلياً في سوريا الذين كانوا يواجهون أصلاً صعوبات شديدة في أحوالهم المعيشية.

وتعليقاً على ذلك، قال جان كريستوف كاريه المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي “أدى الزلزال الذي ضرب سوريا في الآونة الأخيرة إلى تفاقم التداعيات الوخيمة للصراع الذي يعيشه الشعب السوري منذ 12 عاماً.

ويأمل البنك الدولي أن يساعد هذا التقييم في وضع البيانات المرتبطة بهذه الكارثة المدمرة تحت تصرف الجهات المعنية الأساسية، وأن يُسهم في تشجيع جهود الاستجابة الدولية”.

"قطار الحروف" لا يتوقف
"قطار الحروف" لا يتوقف

16