جيفري هينتون.. عبقري يخشى ابتكاراته

لعب دورًا محوريًا في تطوير الشبكات العصبية والتعلم العميق، وساهم في تقدم التكنولوجيا الحديثة بشكل غير مسبوق. ورغم إسهاماته الكبيرة، تحذيرات جيفري هينتون بشأن مخاطر الذكاء الاصطناعي تثير قلقًا متزايدًا حول مستقبل البشرية.
لندن – عندما يتكلم جيفري هينتون، يجب أن يصغي إليه الجميع؛ فهو “عرّاب الذكاء الاصطناعي” وأحد أبرز العلماء الذين ساهموا في تطوير الشبكات العصبية الاصطناعية والتعلم العميق، أساس العديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي الحديثة مثل ChatGPT وأنظمة التعرف على الصور والصوت.
العالم مدين له بتطوير خوارزمية الانتشار العكسي عام 1986، التي سمحت للشبكات العصبية بتعديل أوزانها بناءً على الأخطاء، مما مكّن الآلات من “التعلم من الأخطاء” وتحقيق دقة عالية في المهام المعقدة.
في عام 2012، قاد فريقًا بحثيًا طور AlexNe وهي شبكة عصبية عميقة تفوقت في تحدي التعرف على الصور ImageNetمما أثبت قوة التعلم العميق في التطبيقات الواقعية. قدم مفهوم الشبكات العصبية العميقة التي تعتمد على طبقات متعددة لمعالجة البيانات واستخلاص الأنماط المعقدة، مما أدى إلى تحسينات كبيرة في مجالات مثل الترجمة الآلية وتحليل النصوص.
بفضل أبحاثه، أصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على التعلم الذاتي واتخاذ قرارات أكثر تعقيدًا، مما أدى إلى تطورات هائلة في مجالات مثل الطب والسيارات ذاتية القيادة والمساعدين الافتراضيين. توجت جهوده بحصوله على نوبل للفيزياء مناصفة مع الأمريكي جون هوبفيلد عن أبحاثهما في مجال التعلم الآلي للشبكات العصبية.
رغم إسهاماته الكبيرة، أعرب هينتون عن مخاوفه من تطور الذكاء الاصطناعي، محذرًا من إمكانية خروجه عن السيطرة البشرية، وهو ما دفعه إلى الاستقالة من غوغل عام 2023 للتحدث بحرية عن هذه المخاطر. في آخر مقابلة له مع شبكة “CBS News” في الأول من أبريل، تنبأ هينتون بأن احتمال سيطرة الذكاء الاصطناعي على البشرية قد يصل إلى واحد من كل خمسة، وأضاف: “للأسف، أتفق مع إيلون ماسك في الرأي، ويتراوح احتمال سيطرة هذه الأنظمة بين 10 و20 في المئة، لكن هذا مجرد تخمين.”
وكان إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة “إكس إيه آي” التي طورت روبوت الدردشة الذكي “غروك”، قد تنبأ في مقابلة سابقة بأن الذكاء الاصطناعي سيتفوق على البشر بحلول عام 2029، مؤكداً أن هذا التطور قد يجبر الناس على ترك وظائفهم، مما يعزز المخاوف بشأن مستقبل البشرية في عصر الذكاء الاصطناعي.
وأوضح هينتون: “أفضل طريقة لفهم ذلك عاطفيا هي أننا كمن يمتلك شبل نمر لطيف. ما لم تكن متأكدا تماما من أنه لن يرغب في قتلك عندما يكبر، فعليك أن تقلق.”
وبينما تظل نماذج الذكاء الاصطناعي اليوم مجرد أدوات تستخدم للإجابة على الأسئلة اليومية، فإن بعض العلماء يتجهون نحو منح الذكاء الاصطناعي القدرة على التفاعل في العالم المادي. على سبيل المثال، عرضت شركة “شيري” الصينية روبوتاً بشرياً بمظهر امرأة شابة في معرض شنغهاي للسيارات 2025. وقد ظهر الروبوت وهو يسكب عصير البرتقال في كوب، وصُمّم للتفاعل مع المشترين وتقديم عروض ترفيهية.
إيلون ماسك: الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر بحلول 2029
يرى هينتون أن الذكاء الاصطناعي سيصل قريباً إلى مرحلة يمكنه فيها القيام بأكثر من مجرد تقديم المشروبات. في مجال الطب، يتوقع هينتون أن الذكاء الاصطناعي سيكون أكثر كفاءة في قراءة الصور الطبية، قائلاً: “لقد توقعت منذ سنوات أنه سيصل إلى مستوى الخبراء.” كما أكد أن الذكاء الاصطناعي سيكون أكثر كفاءة من أطباء العائلة، حيث سيتمكن من تحليل التاريخ الطبي للعائلة وتشخيص المرضى بدقة أكبر. وفي مجال التعليم، توقع هينتون أن الذكاء الاصطناعي سيتحول إلى معلم خصوصي متفوق، قادر على مساعدة الطلاب في تعلم المواد بسرعة أكبر.
إلى جانب التطبيقات في التعليم والصحة، يعتقد هينتون أن الذكاء الاصطناعي سيكون له دور مهم في معالجة تغير المناخ، من خلال تصميم بطاريات أفضل والمساهمة في تقنيات احتجاز الكربون. لتحقيق هذه الفوائد، يجب أن يصل الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي العام (AGI)حيث يصبح أذكى بكثير من البشر وقادراً على أداء كافة المهام التي يقوم بها الإنسان.
انتقد هينتون بعض الشركات الكبرى مثل غوغل و”إكس إيه آي” و”أوبن إيه آي” بسبب تركيزها على الأرباح على حساب السلامة، مشيراً إلى أن هذه الشركات تضغط لتخفيف القيود التنظيمية المفروضة على الذكاء الاصطناعي. وأعرب عن خيبة أمله من غوغل، التي كان يعمل فيها سابقاً، بسبب تراجعها عن وعدها بعدم دعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي العسكرية.
سبق لصحيفة العرب أن نشرت في 30 أغسطس/ آب 2017 تصريحات لهينتون قال فيها “من الصعب جدا التنبؤ بما يتجاوز خمس سنوات في هذا المجال، والأمور تتحول دائما بشكل مختلف لما تتوقعه.. يكفي أن نقول العالم على وشك أن ينقلب على رأسه.”
جيفري هينتون: الذكاء الاصطناعي قادر على أداء كافة مهام البشر
وأضاف هينتون الذي كان يعمل حينها باحثا في مجال الذكاء الاصطناعي لدى غوغل ولدى جامعة تورنتو أن الآلات ستوازي الإنسان ذكاء خلال خمسة أعوام من الآن، وأن الخطر الداهم على البشرية ليس ذكاء الآلات المتعاظم، بل تطوير روبوتات قاتلة، مؤكدا التحذير الذي وجّهه مؤسسو 116 شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي في مذكرة إلى الأمم المتحدة يطالبون فيها بمنع الأسلحة الفتاكة التي تعمل بصورة مستقلة.
وتدعو المذكرة إلى جعل الحد من خطر الانقراض الناجم عن الذكاء الاصطناعي أولوية عالمية، إلى جانب المخاطر الأخرى مثل الأوبئة والحروب النووية. كما قارن استخدام التكنولوجيا للأغراض العسكرية بنشر الأسلحة الكيميائية، محذراً من أن “أموراً سيئة للغاية” ستحدث قبل أن يتوصل المجتمع الدولي إلى اتفاق شامل مشابه لاتفاقيات جنيف.
حذر هينتون من أن “الروبوتات القتالية تشكل أحد التهديدات المستقبلية”، حيث ستسهل على الدول الغنية شن حرب على الدول الأصغر والأفقر، مؤكداً أنها قادمة لا محالة. وحث الحكومات على الضغط على شركات التكنولوجيا الكبرى، خاصة في كاليفورنيا، لإجراء أبحاث متعمقة حول سلامة الذكاء الاصطناعي، مضيفاً: “بدلاً من أن يكون الأمر مجرد فكرة لاحقة، يجب أن تكون هناك حوافز حكومية لضمان قيام الشركات بالكثير من العمل في مجال السلامة.”
حصل هينتون، البالغ من العمر 77 عاماً، على جائزة نوبل في الفيزياء العام الماضي تقديراً لعمله الاستثنائي في مجال الشبكات العصبية، التي أصبحت اليوم أساساً لتطورات الذكاء الاصطناعي الحديثة، مما جعل العديد من الأنظمة مثل تشات جي بي تي تبدو وكأنها تحاكي الذكاء البشري الحقيقي. ويبقى السؤال: هل سيشكل الذكاء الاصطناعي تهديدا وجوديا للبشرية، كما تنبأ عرّاب الذكاء الاصطناعي، أم سيكون مفتاحا لتقدم غير مسبوق؟