جيش العدل سبب دائم للمشاكل بين إيران وباكستان

طهران/ إسلام أباد - خففت إيران وباكستان من حدة التوترات بعد أسبوع من العداء بعد الضربات الصاروخية والجوية المتبادلة، وطبعتا العلاقات، لكن جيش العدل (الذي كان السبب المباشر في الأزمة الأخيرة) يواصل تشكيل تهديد للاستقرار الإقليمي. ويعدّ جيش العدل جماعة إسلامية متشددة مناهضة للشيعة، وشنّ العديد من الهجمات ضد قوات الأمن الإيرانية منذ 2014، مسفرة عن مقتل ما لا يقل عن 22 إيرانيا في 2023 وحده.
ويقول الباحث في شؤون مكافحة الإرهاب فرحان زاهد في تقرير نشرته مؤسسة جيمس تاون إن الجماعة الإسلامية المتشددة المعروفة باسم جيش العدل شاركت في أنشطة إرهابية في إيران على مدى العقد الماضي، ما يجعلها نقطة شائكة في العلاقات الإيرانية – الباكستانية.
ويشترك البلدان في حدود يتجاوز طولها 900 كيلومتر، ويسهل اختراقها. ويتهم كل طرف الآخر بتمكين هذه التوغلات عبر الحدود. وتتهم السلطات الإيرانية باكستان بتوفير ملاذات آمنة لمقاتلي جيش العدل بالقرب من المنطقة الحدودية في إقليم بلوشستان المضطرب.
واتهمت باكستان من جهتها إيران بتوفير المأوى لاثنتين من أكبر وأشهر الجماعات القومية الانفصالية البلوشية، هما جيش تحرير بلوشستان وجبهة تحرير بلوشستان. وشهد البلدان التصعيد الأخير في الأعمال العدائية بعد أن أطلقت إيران صواريخ على الأراضي الباكستانية في السادس عشر من يناير. وأكّدت طهران رغبتها في استهداف قواعد جيش العدل في منطقة كوهسبز في مقاطعة بلوشستان جنوب غرب باكستان. وأعلنت إسلام أباد مقتل طفلين في الضربات، وإصابة أربعة آخرين بجروح.
التطور والخلفية
وتصاعدت التوترات حين ردت باكستان بعد يومين بشن غارات جوية تحت مظلة عملية مارج بار سرمشار (الموت للمتمردين). وقيل إن إسلام أباد استهدفت سبعة مخابئ تابعة للجبهة داخل إيران. وذكرت باكستان أنها قتلت عددا من المسلحين. وقالت طهران في البداية إن ثلاث نساء وأربعة أطفال قتلوا في الهجمات، وكانوا مواطنين غير إيرانيين. وبلغ عدد القتلى لاحقا تسعة أشخاص. وذُكر أن جيش التحرير الشعبي أكد أن العديد من مقاتليه قتلوا في الهجمات.
وتبع ذلك تصاعد التوتر بين طهران وإسلام أباد إلى مستوى غير مسبوق، حيث استدعى كل بلد سفير البلد الآخر. لكن الجارتين التزمتا ضبط النفس رغم الضربات المتتالية وأسبوع الأعمال العدائية، واختارا بدلا من ذلك إعادة تطبيع العلاقات. ولكن التدقيق في جيش العدل واجب حتى مع مرور الأزمة الدبلوماسية. ولم تحظ الجماعة باهتمام كبير حتى مع كونها سببا مباشرا في الصدام الأخير بين باكستان وإيران.
جيش العدل يستهدف في الغالب قوات الأمن الإيرانية عبر اختطاف أو قتل حرس الحدود الإيرانيين والتفجيرات الانتحارية
يعتبر جيش العدل النسخة الجديدة من جند الله. وكانت هذه المجموعة جماعة إرهابية سنية ديوبندية أرثوذكسية متطرفة أمكن حلها بعد اعتقال أميرها عبدالملك ريغي في إيران سنة 2010 وإعدامه لاحقا. ويدعي جيش العدل أنه يدافع عن حقوق المواطنين البلوش السنة في محافظة سيستان وبلوشستان ذات الأغلبية السنية في إيران، لكن المنظمة تبقى معادية للشيعة بطبيعتها. ويقودها اليوم عبدالرحيم ملا زاده (المعروف أيضا باسم صلاح الدين فاروقي).
وشنت الجماعة العشرات من الهجمات الإرهابية في إيران منذ 2014، بما في ذلك في سارافان وقصرقند ومهرستان ونيغور وراسك وزابل داخل محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية. واستهدفت في الغالب قوات الأمن الإيرانية. وشملت هذه الهجمات اختطاف أو قتل حرس الحدود الإيرانيين، والتفجيرات الانتحارية، وزرع عبوات ناسفة بالقرب من الحدود الإيرانية – الباكستانية في المناطق التي ينظم فيها أفراد الشرطة الإيرانية دوريات. وتوغلت قوات الأمن الإيرانية في الأراضي الباكستانية بعد هذه الهجمات، مما أثار احتجاجات قوية من إسلام أباد.
تصاعد العداء
كان الهجوم الذي استهدف مركزا للشرطة في مدينة راسك بمحافظة سيستان وبلوشستان في ديسمبر 2023 آخر حادث أثار ردا من إيران. وأعلن جيش العدل مسؤوليته عن هذه العملية التي تسببت في مقتل 11 شخصا. وتبنى قبل ذلك في 2023 عددا من العمليات الإرهابية الأخرى التي استهدفت الشرطة وحرس الحدود الإيرانيين، وقد أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 11 من أفراد قوات الأمن الإيرانية. وكان رد إيران بشن ضربات في السادس عشر من يناير داخل باكستان، مما لفت الانتباه الدولي إلى الصراع بين البلدين.
وشنت إسلام أباد غارات جوية قائلة إنها قتلت ما لا يقل عن سبعة من مقاتلي جبهة تحرير بلوشستان. وترأس رئيس الوزراء الباكستاني المؤقت أنور الحق كاكار الاجتماع رفيع المستوى لمجلس الأمن القومي للدولة إثر التصعيد. وتقرر وقف الأعمال العدائية لتهدئة الوضع. ومن المرجح أن يكون هذا القرار مدفوعا بتدهور الوضع الأمني الداخلي في مقاطعتي بلوشستان وخيبر بختونخوا في باكستان، اللتين تزعزع استقرارهما بالفعل بسبب الإرهاب والعنف القومي الانفصالي.
وقال الجانبان الباكستاني والإيراني إنهما استهدفا الإرهابيين في عملياتهما. وذكرت باكستان من جهتها أنها قتلت عددا من أفراد جيش تحرير بلوشستان وجبهة تحرير بلوشستان في الغارات الجوية. وقالت إيران إن ضرباتها عبر الحدود قتلت أعضاء جيش العدل. ويبدو أن التوتر قد تراجع في الوقت الحالي، لكن جيش العدل سيبقى عائقا أمام السلام الإقليمي وازدهار العلاقات الإيرانية - الباكستانية.