جولة جديدة من الاحتجاجات في السودان وسط تحركات دبلوماسية

الخرطوم - خرج آلاف السودانيين الخميس إلى الشوارع تكريما لمقتل العشرات في عملية قمع المحتجين على حكم العسكر منذ الانقلاب الذي حصل أكتوبر، وذلك غداة مقتل متظاهر بأم درمان الأربعاء، وبالتزامن مع وصول مبعوثين أميركيين وإجرائهما محادثات في الخرطوم.
ودعت تنسيقيات لجان مقاومة الخرطوم شرق، إلى التظاهر الخميس تحت شعار "الوفاء للشهداء"، قائلة في بيان إن "استمرار العمل الثوري السلمي الجماهيري يشكل ضامنا حقيقيا لإسقاط الانقلاب وحلفائه، وبناء على ذلك نعلن عن مليونية الوفاء للشهداء يوم (الخميس) العشرين من يناير في شارع الستين بالخرطوم".
وتابع البيان "ندعو كل الثوار إلى المشاركة الفاعلة وفاء لأرواح الشهداء، ولا نعرف وفاء للشهداء إلا باستكمال طريق الثورة وإقامة السلطة المدنية الكاملة".
وهذه أول دعوة إلى المظاهرات عقب أخرى وقعت الاثنين الماضي، وأسفرت عن سقوط 7 قتلى و167 إصابة بينها 52 بالرصاص الحي، وفق لجنة أطباء السودان (غير حكومية)، ما دفع رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان الثلاثاء إلى إصدار قرار بتشكيل لجنة تقصي حقائق في تلك الأحداث.
وفي وقت لاحق الأربعاء، أعلنت "قوى إعلان الحرية والتغيير" (التحالف الحاكم سابقا) مشاركتها في مظاهرات "الوفاء للشهداء".
وقالت في بيان "ندعم دعوة لجان الخرطوم شرق إلى مليونية الشهداء الخميس، ونقول لهم إنكم لن تسيروا وحدكم، فمعركة الحرية هي شأننا جميعا، ولن نتخلف عن أي جبهة من جبهاتها".
ودعت "الحرية والتغيير" إلى إحياء ذكرى الشهداء عبر يوم "جمعة الشهيد" يوم الحادي والعشرين من يناير، "ليكون يوما لتخليد ذكراهم عبر مواكب تسير من المساجد عقب صلاة الجمعة، وتتوجه إلى منازل الشهداء".
ووجهت ثلاث منظمات طبية غير حكومية، وهي "لجنة أطباء السودان" و"نقابة أطباء السودان الشرعية" و"لجنة الاستشاريين والاختصاصيين"، نداء لأحرار العالم "للتضامن مع الشعب السوداني، ومخاطبة الحكومات للضغط وعزل السلطة الانقلابية بالسودان سياسيا واقتصاديا".
وقال بيان مشترك أصدرته المنظمات الثلاث "ندعوكم (أحرار العالم) إلى مخاطبة حكوماتكم وممثليكم بضرورة استخدام كافة وسائل الضغط والتأثير التي تمتلكها دولكم، ضد السلطة الانقلابية ومحاصرتها سياسيا واقتصاديا (..) وكذلك الضغط على حلفائها وداعميها من دول العالم والإقليم".
وتأتي هذه الدعوات عقب قتل قوات الأمن السودانية متظاهرا الأربعاء في ضاحية أم درمان شمال غرب العاصمة، ليرتفع إجمالي القتلى إلى 72 في صفوف المحتجين الذين يخرجون إلى الشوارع أسبوعيا للمطالبة باستئناف التحول الديمقراطي وإعادة المدنيين إلى السلطة، في بلد حكمه العسكريون بشكل شبه مستمر منذ استقلاله قبل 66 عاما.
وانزلق السودان إلى العنف، منذ أن نفذ قائد الجيش انقلابا واعتقل معظم المدنيين الذين تقاسموا السلطة معه، منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019.
لكن البرهان بدا متجاهلا لدعوات المتظاهرين، وقرر الأربعاء تكليف وكلاء الوزارات الذين عيّن بعضهم بعد الاعتقالات التي أعقبت الانقلاب، بمهام الوزراء السابقين.
وأفاد بيان صادر من إعلام مجلس السيادة بأن رئيسه "عبدالفتاح البرهان كلف وكلاء الوزارات بتسيير أعباء الوزراء في إطار حكومة تسيير أعمال، لتمهيد الطريق لإجراء الانتخابات".
ولا تزال "حكومة تسيير الأعمال" التي ذكرها البرهان في بيانه من دون رئيس، بعد استقالة الوجه المدني للانتقال عبدالله حمدوك مطلع يناير.
واستنكر حمدوك في خطاب استقالته خصوصا استمرار العنف في الشوارع، التي تشهد إضرابا عاما متسمرا منذ يومين بعد مقتل سبعة متظاهرين الاثنين برصاص قوات الأمن، التي استعرضت لأول مرة أسلحتها الثقيلة من مدافع رشاشة ومضادات طائرات في وسط المدينة.
وامتلأت الشوارع مذاك بالحواجز التي حاولت قوات الأمن إزالتها مرة أخرى مساء الأربعاء، بإطلاق النار وقنابل الغاز المسيل للدموع في منطقة بوري المزدحمة شرق الخرطوم وأم درمان وضواحيها شمال غرب المدينة، بحسب ما أفاد أطباء وشهود عيان.
وأغلقت المتاجر والجامعات أبوابها، وكذلك العديد من الشركات، احتراما لـ"العصيان المدني" المعلن منذ مساء الاثنين.
وأعلن مستشارون بوزارة العدل وقضاة وأعضاء في النيابة العامة في بيانات رفضهم العمل في دولة ترتكب "جرائم ضد الإنسانية".
وفي بلد منقسم بشكل متزايد، التقى المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد ومساعدة وزير الخارجية مولي في، بعائلات ضحايا ومنظمات من المجتمع المدني.
كما التقيا بأعضاء في تجمع المهنيين السودانيين الذي قاد "الثورة" التي أطاحت بالبشير عام 2019، وممثلين لقوى إعلان الحرية والتغيير.
وقال وجدي صالح، أحد ممثلي قوى إعلان الحرية والتغيير، للصحافيين إنه دعا إلى "وضع حد للعنف الممنهج الذي شنته السلطات الانقلابية في مواجهة الثوار المدنيين"، وطالب بـ"عملية سياسية ذات مصداقية".
وأجرى الدبلوماسيان محادثات في وقت سابق في السعودية مع مجموعة "أصدقاء السودان"، وهي مجموعة دول غربية وعربية تؤيد الانتقال إلى حكم مدني.
ومن المقرر أن يلتقي الدبلوماسيان مع أشخاص آخرين، من بينهم قادة عسكريون وشخصيات سياسية.
وأيدت مجموعة أصدقاء السودان في بيان مبادرة للأمم المتحدة أعلنت الأسبوع الماضي، لإجراء مشاورات بين الأطراف السودانية لكسر الجمود السياسي.
وقالت المجموعة "نحث الجميع على الانخراط بحسن نية وإعادة ثقة العامة في الانتقال الحتمي إلى الديمقراطية".
وتابع البيان "المثالي أن تكون هذه العملية السياسية محددة زمنيا، وتتوج بتشكيل حكومة بقيادة مدنية تعد لانتخابات ديمقراطية".