جوازات سفر في أدراج سفارات مغلقة بالخرطوم

سودانيون عالقون في بلادهم تحت جحيم القتال ونقص الخدمات.
الخميس 2023/05/04
لا مفر

دفع الصراع المسلح الدائر في السودان السفارات الأجنبية إلى إغلاق أبوابها والاحتفاظ بجوازات سفر سودانيين تقدموا للحصول على تأشيرات، فظلّوا عالقين في أتون الحرب مع عائلاتهم رافضين المغادرة بدونها لتتفاقم أزمتهم في ظل عدم القدرة على الحصول على تراخيص مغادرة.

القاهرة - انهمكت عائلة الشاب السوداني رامي بدوي لأيام استعدادًا للفرار من الحرب الدائرة في السودان، ولكن الاستعداد لم يكن وحده كافيا، فجواز سفر بدوي ما زال لدى إحدى السفارات التي أغلقت أبوابها.

وتم إجلاء معظم الموظفين في سفارات الدول الغربية في السودان بعد أسبوع من القتال، مما ترك العديد من طالبي التأشيرات السودانيين دون وثائق سفرهم وفي حالة من النسيان القانوني.

وقال بدوي البالغ من العمر 29 عاما “عائلتي ترفض السفر بدوني (…) لكن جواز سفري عالق في السفارة الفرنسية بالخرطوم”.

والسودان غارق في حالة من الفوضى منذ منتصف أبريل عندما اندلع النزاع الدامي على السلطة بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وقبل اندلاع القتال أودع عدد كبير من السودانيين الراغبين في السفر خارج البلاد جوازات سفرهم لدى سفارات مختلفة بالعاصمة وهي ما زالت حبيسة الأدراج لإغلاق البعثات الدبلوماسية مقارها بسبب المعارك.

5

ملايين نسمة يسكنون الخرطوم ويسعون للفرار منها إلى أماكن أكثر أمانا في ظل المعارك المستمرة

وسلم بدوي جواز سفره في الرابع من أبريل إلى السفارة الفرنسية على أن يستعيده خلال أسبوعين، ولكن الاشتباكات اندلعت وأغلقت السفارة أبوابها.

ومذ ذلك الحين يحتمي بدوي مع أفراد أسرته الستة من جحيم القتال في العاصمة داخل منزلهم في ظل الانقطاع المتكرر للكهرباء والماء وخدمات الاتصالات والإنترنت، إلى جانب تضاؤل الموارد الغذائية.

وقال بدوي “كنت السوداني الوحيد وواحدا من اثنين في أفريقيا نجحنا في اختبار يسمح بالحصول على تدريب في فرنسا لتعلم كيفية استخدام التكنولوجيا المعقدة في الزراعة”.

وتابع محبطا “لا أعتقد أن شيئا سيحدث الآن (…) السفارة الفرنسية لم تتصل بي على الإطلاق ولم ترد على ما أرسلت من رسائل بالبريد الإلكتروني”.

وكانت إقبال بالله السودانية التي تبلغ من العمر 65 عاما على وشك الحصول على تأشيرة “لم شمل الأسرة” للسفر إلى ألمانيا حيث يقيم زوجها وابنها المريض.

وقالت إنها تكاد تفقد الأمل في الاجتماع بأسرتها “مع وجود جواز سفري في السفارة المغلقة الآن”.

اقرأ أيضاً: من الحرب إلى الحرب.. سوريون تحت لظى الرصاص في السودان
اقرأ أيضاً: من الحرب إلى الحرب.. سوريون تحت لظى الرصاص في السودان

وفي الوقت الحالي تحاول إقبال التي تعيش مع ابنتها وحفيدتها الفرار من حيّها في العاصمة والذي كان من بين الأكثر تضررًا من القتال.

وأوضحت نادية ابنة إقبال البالغة من العمر 35 عاما “نحن على بعد أمتار من القتال (…) ابنتي البالغة من العمر سبع سنوات ترتجف كلما سمعت دوي القصف”.

وتابعت “نحاول احتضانها بشدة أنا ووالدها ولكنها تظل ترتجف”.

وإقبال وأسرتها من بين 5 ملايين نسمة من مواطنين وأجانب يسكنون الخرطوم ويسعون للفرار منها إلى أماكن أكثر أمانا في ظل المعارك المستمرة على الرغم من اتفاقات هدنة مؤقتة.

أما طبيب الجهاز الهضمي رماح عصام البالغ من العمر 30 عاما، فكان يستعد للسفر إلى جنوب أفريقيا بعد قبوله لنيل الزمالة، لكنه قال إن “الوضع كارثي”.

بالمثل، لا يستطيع عصام الوصول إلى جواز سفره داخل السفارة المغلقة منذ بدء القتال، وهو ما زال في منزله يحاول الاحتماء من الرصاص الطائش الذي كثيرا ما يخترق الجدران والنوافذ.

وقال عصام “عندما عادت الكهرباء والماء والإنترنت بعد ثلاثة أيام من القتال حاولت التواصل مع سفارة جنوب أفريقيا ولكن لا أحد يرد”.

وتابع “هناك موظفون محليون في كل سفارة (…) كان بإمكانهم ترك جوازات السفر معهم لتسليمها لنا”.

أبواب المطارات مغلقة
أبواب المطارات مغلقة

وقال المهندس محمد الطيب لموقع “بي.بي.سي عربي”، “علقت أنا وعائلتي في الخرطوم بسبب غياب جواز سفري، لدي زوجة وابنتان صغيرتان ووالدتي، كيف يمكنهن السفر من دوني؟ ليس أمامنا حلول، ومن دون جواز سفر لن نتمكن من الخروج من السودان، الوضع يتجه من سيء إلى أسوأ”.

ويشعر الطيب بخوف دائم على أسرته، ويقول “أفكر في الخروج من الخرطوم لكن ذلك ليس سهلا بسبب نقص وسائل المواصلات، وغلاء التذاكر، وعدم وفرة السيولة المالية، حتى إذا كان لدي أموال في البنك، كل الحسابات البنكية معطلة، كان يجب على السفارة أن تترك جوازات سفرنا في مكان آمن نستطيع الوصول إليه”.

وعلى موقع تويتر ردت السفارة الهولندية في الخرطوم على تساؤل بشأن جوازات السفر العالقة لديها وكتبت “نحن نأسف بشدة للوضع الحالي الذي تعيشون فيه، لقد أجبرنا على إغلاق السفارة وإجلاء موظفينا”.

وتابعت “لسوء الحظ، هذا يعني أنه لا يمكننا الوصول إلى جواز سفركم. ننصحكم بتقديم طلب للحصول على جواز سفر جديد عبر السلطات المحلية”.

ووصفت الباحثة بوزارة الري السودانية سارة عبدالله التي ما زال جواز السفر الخاص بها داخل السفارة الهولندية، موقف السفارات باتخاذ قرار الإغلاق وإجلاء موظفيها دون الاهتمام بمصير جوازات سفر السودانيين الموجودة لديها بـ”المستهتر”.

Thumbnail

وأسفرت المعارك عن تعطل الخدمات العامة بالعاصمة السودانية وتدمير بعض المقار الحكومية، وقررت حكومة ولاية الخرطوم منح إجازة مفتوحة “حتى إشعار آخر” بسبب الظروف الحالية.

وحتى إذا حاول البعض الحصول على جواز سفر جديد، فإن الخروج من المنزل في حد ذاته يعد مخاطرة كبيرة في ظل تطاير الرصاص والقذائف.

وترى المحامية المتخصصة في القانون الدولي وحقوق الإنسان إيما دي نابولي أن ما يحدث “قد يُرفع إلى محكمة الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان، وقد تتحمل الحكومات المسؤولية”.

وأضافت أن “القانون الدولي يضمن حرية التنقل للأشخاص”.

وفي واقعة نادرة، قامت سفارة الصين بالخرطوم بتعليق لافتة تحمل أرقاما للاتصال لمن يرغب في استرداد جواز سفره. إلا أن ذلك يتطلب التنقل والمخاطرة بالتعرض لنيران الطرفين المتنازعين في الشوارع.

وقال بدوي “إذا خرجت تصبح حياتك مهددة”.

وفي الوقت الذي تتضاءل فيه آمال السودانيين العالقة جوازاتهم في سفارات من الفرار من خلال طرق آمنة وقانونية، يعاني آخرون من انتهاء صلوحية تأشيراتهم أثناء تواجدهم في دول أخرى وصعوبة عودتهم في ظل تواصل المعارك في بلادهم.

16