جهود لتضميد جراح ضحايا النزاعات المسلحة في مالي

تدخل فرنسا لم ينجح إلى الآن في كبح جماح الجماعات المتطرفة.
الجمعة 2022/06/17
الحرب ضد الجهاديين في مالي مستمرة

باماكو - تستمر في مالي جهود تهدف إلى تضميد جراح ضحايا العنف الذي شهدته البلاد بسبب أحداث تمرد وأنشطة الجهاديين، وذلك في وقت لا تهدأ فيه المخاوف من حدوث فصل جديد من فصول العنف المسلح خاصة إثر الانقلاب الذي قاده عسكريون في وقت سابق.

وفي قاعة مظلمة في العاصمة باماكو، يروي الناس قصص الرعب التي عاشوها خلال الصراع المستمر في مالي، أمام لجنة الحقيقة والعدالة والمصالحة التي تحاول مساعدة 30 ألف ضحية على تضميد جراحهم، حتى في ظل موجة جديدة من الاضطرابات في هذا البلد الواقع غربي أفريقيا.

وتجلس سيدة محجبة بالكامل لعدم كشف هويتها على خشبة المسرح في قاعة المؤتمرات التي أُخفتت أضواؤها عمدا، وتبدأ شهادتها المروعة بالقول “اغتصبني سبعة أشخاص أمام ابني البالغ 15 عاما”.

وحصل ذلك عام 2012 في غاو (شمال)، وهي أول مدينة كبيرة في الشمال تقع في أيدي المتمردين والجهاديين الذين تحالفوا في ذلك الحين لاحتلال المنطقة. وبعد عشر سنوات، حرّرت غاو لكن مالي مازالت في دوامة الاضطرابات.

لجنة الحقيقة والعدالة والمصالحة استمعت خلال العامين الماضيين لضحايا جرائم ارتكبت منذ الاستقلال عام 1960

وأثارت شهادتها التي بثت مباشرة عبر التلفزيون الوطني وعلى الشبكات الاجتماعية، صدمة كثر في القاعة التي خيّم عليها الصمت.

ويقول عبدالله توري (32 عاما) العضو في منظمة غير حكومية محلية “لا أعرف ما يمكن قوله في مواجهة هذه الفظائع”.

وتروي فابيولا ويزييه نغيروكا الخبيرة في قضايا العنف القائم على النوع الجندري مع الأمم المتحدة “بكيت كثيرا وتألمت كثيرا عندما سمعت ربات المنازل هؤلاء اللواتي ليس لديهن شيء، واللواتي عشن عشر سنوات من المعاناة، واليوم فقط يمكننا سماع أصواتهن”.

وتضيف “قالت جميع الضحايا ‘نريد مالي سلمية’، هذا كل ما يمكننا أن نطلبه: السلام في مالي”.

وشكّلت لجنة الحقيقة والعدالة والمصالحة عام 2015 عندما وقع المتمردون المؤيدون للاستقلال في الشمال اتفاقات سلام مع الحكومة التي كانوا يحاربونها.

وهذه اللجنة هي جزء من مجموعة آليات يفترض أن تساعد في عملية المصالحة بين الماليين، لكنّ الجهاديين استمروا في التوسع وانتشر العنف جنوبا وإلى الدول المجاورة.

واستمعت اللجنة إلى ضحايا جرائم ارتكبت منذ الاستقلال عام 1960. وخلال العامين الماضيين كانت تنظم جلسات استماع عامة.

ولم ينجح تدخل فرنسا في 2013 إلى الآن في كبح جماح الجماعات المتطرفة رغم أن باريس أعقبت تدخلها في باماكو والساحل الأفريقي بعملية برخان في 2014، لكن ذلك لم يحل دون تحقيق الجهاديين لمكاسب ميدانية هامة وترويع للسكان.

تاريخ طُبع بالانقلابات.. والضحايا الأوائل هم المدنيون
تاريخ طُبع بالانقلابات.. والضحايا الأوائل هم المدنيون

وطُبع تاريخ مالي المعاصر بالانقلابات والدكتاتوريات العسكرية وتمرد الطوارق، ومنذ العام 2012، كان الجهاديون المرتبطون بتنظيمَي القاعدة أو الدولة الإسلامية هم الجناة الرئيسيون، لكنهم ليسوا الوحيدين.

والضحايا الأوائل هم المدنيون. وأفاد تقرير للأمم المتحدة صدر أخيرا أن الأشهر الأخيرة كانت الأكثر دموية بالنسبة إلى هؤلاء منذ سنوات.

وجمع محققو اللجنة المنتشرون في كل أنحاء البلاد شهادات 28.877 ضحية.

ويقول رئيس اللجنة عثمان أومارو سيديبي “قبل البدء، كنا نسأل كل ضحية عما إذا كانت مستعدة للصفح والمصالحة. وفوجئنا، إذ أجاب الجميع بنعم، لكن يبقى السؤال حول شروط هذا الصفح”.

ويضيف “إن المصالحة عملية طويلة ولا ينبغي أن تقوم بها اللجنة وحدها”، مشيرا إلى أن الأهم هو “أن يجد كل فرد مكانه في البلاد”.

ويجب أن تكون اللجنة بمثابة أساس لإنشاء أدوات أخرى.

تتزايد المخاوف من فصل جديد من فصول العنف المسلح، خاصة في ظل استمرار نشاط الجماعات الجهادية التي لم تنجح القوات الحكومية وحلفاؤها في ردعهم

وعلى سبيل المثال، تجري دراسة فكرة تقديم تعويضات مالية، كما أفاد رئيس الوزراء شوغيل كوكالا مايغا قبل بدء الجلسة في القاعة.

وتطرح أيضا مسألة محاسبة مرتكبي الجرائم، وهي مسألة طرحت أيضا عندما شكّلت لجان في أماكن أخرى في أفريقيا. وأكد رئيس اللجنة بهذا الصدد أنها “ليست محكمة”.

ويقول إبراهيم مايغا الباحث المتخصص في شؤون منطقة الساحل في مجموعة الأزمات الدولية، إن اللجنة هي “أداة قامت بعمل مهم”.

ويأتي ذلك في وقت تتزايد فيه المخاوف من فصل جديد من فصول العنف المسلح، خاصة في ظل استمرار نشاط الجماعات الجهادية التي لم تنجح القوات الحكومية وحلفاؤها في ردعهم.

وأعلنت جماعة منصة حركات الرابع عشر من يونيو الموالية للحكومة المالية أن “رجالا مسلحين اقتحموا معسكرا ليس بعيدا عن حي إزنغاز، في منطقة إهينيتا، بمقاطعة ميناكا، بتاريخ الثاني عشر من يونيو الجاري، وشرعوا في إعدام 22 شخصا، بمن فيهم نازحون أتوا طلبا للجوء في هذه المنطقة”.

وأضافت أن “إرهابيين مرتبطين بتنظيم داعش كانوا على دراجات نارية ارتكبوا انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ولأرواح الناس”.

6