جهود علمية لإعادة أسماك السلمون إلى الأنهار الألمانية

تدشين البرامج التي تهدف إلى دعم هجرة الأسماك ساعد على حدوث زيادة كبيرة في أعداد السلمون العائدة إلى مناطق التفريخ.
الخميس 2025/01/09
سمك مهدد بالانقراض

دوسيلدورف (ألمانيا) - يصيح دينيس بوك بفرحة من فوق هدير مياه السد “سمكة”، وسرعان ما يدلي بشبكة الصيد ذات المقبض داخل المياه الخضراء الداكنة.

بعد لحظات ترتفع الشبكة خارجة من المياه وبداخلها مخلوق قوي العضلات يتلوى، يتضح أنه سمكة سلمون برية جميلة أصبحت الآن بين أيدي بوك الذي يعمل في مزارع الأسماك، ويبلغ من العمر 48 عاما.

يبلغ طول السمكة نحو 80 سنتيمترا، وتتمتع بألوان رائعة متلألئة باللونين الأحمر الداكن والبرتقالي، وعادة ما تنمو هذه النوعية من الأسماك بكثرة في المياه البرية الشاسعة من ولاية ألاسكا الأميركية.

ولكن هذه السمكة تم اصطيادها من أحد روافد نهري سيج والراين بألمانيا، على بعد أقل من 30 كليومترا من مدينة كولونيا في الغرب الألماني.

وهذه النوعية من الأسماك المستقرة الآن في حوض مجاور لبوك، تعد جزءا من برنامج لرعاية الأسماك المهاجرة تحت إشراف ولاية شمال الراين وستفاليا الألمانية، وهو يمثل محاولة لإعادة قطعة من البرية الحقيقية إلى نهر الراين، الذي كان في يوم من الأيام أكبر الأنهار الحافلة بأسماك السلمون في أوروبا.

أسماك السلمون تبحر في رحلة شاقة تقطع خلالها الآلاف من الكيلومترات حيث تمر بأسماك القرش والفقمات والسدود ومراوح السفن الدوارة

ويقول سفين ولجموث، من مركز السلمون البري بنهري الراين وسيج وهو زميل لبوك، “ربما نكون قد أطلقنا سمكة السلمون هذه كذريعة منذ ثلاثة أو أربعة أعوام.”

ويضيف أن منذ ذلك الحين سافرت الذريعة عبر نهر الراين إلى بحر الشمال، ثم صوب القطب الشمالي حيث تغذت على أسماك الرنجة، قبالة سواحل جرينلاند أو أيسلندا أو النرويج حتى يكتمل نموها.

وبعد تمضية بضع سنوات في المحيط، تشق أسماك السلمون طريقها إلى موطنها حيث توجد البيئة الملائمة للتفريخ، لتتكاثر وسط المياه الضحلة المليئة بالحصى، في شهر نوفمبر أو ديسمبر.

وتبحر أسماك السلمون في رحلة شاقة تقطع خلالها ما بين 3000 و5000 كيلومتر، تمر فيها بأسماك القرش والفقمات والسدود ومراوح السفن الدوارة، وتتمكن من العودة إلى الموطن سمكة سلمون واحدة من بين أكثر من 3000 سمكة صغيرة السن.

ويقول ولجموث “أحيانا أتمنى أن تكون لدى هذه الأسماك القدرة على تدوين الكتب، لأن هناك الكثير من الحكايات التي كان من الممكن أن ترويها لنا في رحلتها الطويلة والحافلة بالمصاعب.”

وانقرض السلمون في ألمانيا في القرن العشرين، بسبب التلوث وانسداد الممرات المائية والصيد الجائر.

وتم بذل جهود منذ التسعينات من القرن الماضي لإعادة توطينه، خاصة في أنهار الراين وإلبه وويسر.

Thumbnail

وفي إطار هذه الجهود تم وضع نوع من السلالم الخاصة، لمساعدة الأسماك على تخطي العوائق مثل السدود ومحطات الطاقة الكهرومائية لتسهيل مسار هجرتها.

ويتم كل عام التقاط أعداد من أسماك السلمون العائدة وإخراجها من المياه، لتفريخ الآلاف من الأسماك الصغيرة من بيضها، ثم إطلاقها في الأنهار عندما يحل الربيع.

وساعد تدشين البرامج التي تهدف إلى دعم هجرة الأسماك، على حدوث زيادة كبيرة في أعداد السلمون العائدة إلى مناطق التفريخ.

غير أن عندما تعرضت ألمانيا لموجة جفاف عامي 2018 و2019، انخفضت الأعداد في جميع أنحاء البلاد ولم تستعيد عافيتها منذ ذلك الحين.

وتم في عام 2024 إحصاء 72 نوعا فقط من أسماك السلمون العائدة في ولاية شمال الراين وستفاليا، حيث يجري صيد أكبر عدد من السلمون في ألمانيا.

ويوضح ولجموث أن “مستويات المياه في الأنهار باتت منخفضة للغاية منذ عام 2018.”

ويقول “إن انخفاض مستويات المياه لا يؤدي فقط إلى زيادة صعوبة الهجرة، وإنما يعني أيضا أن أسراب السلمون تصبح أكثر عرضة لهجمات الأسماك المفترسة وطيور غراب الماء، حيث يسهل الانقضاض عليها عند الاختناقات المائية مثل السلالم المخصصة للأسماك.”

Thumbnail

ومع ذلك يقول كريستيان فون لاندوست، من المعهد الألماني لعلم المياه، إن الوضع لا يدعو إلى اليأس، ويضيف أن من الممكن إعادة إدخال أسماك السلمون إلى ألمانيا على المدى الطويل، ولكن لتحقيق ذلك ينبغي تكثيف الجهود المبذولة حاليا إلى حد كبير.

ويشير إلى أن بدلا من زيادة السلالم المخصصة للأسماك، يمكن ضمان تسهيل المرور في الممرات المائية لمسافات أطول وإزالة السدود.

ومن ناحية أخرى يقول صائد الأسماك الكبير ولجموث “إن الأمر لا يتعلق بالطبع بأسماك السلمون فقط، فكل ما نقوم به من أجلها يفيد أيضا أنواع الأسماك الأخرى.”

ويوضح أن “الممرات المائية المستعادة تفيد المجتمع المائي بأكمله إلى جانب البشر أيضا، ولا يمكن فقط الحصول على مياه شرب نظيفة من المياه التي تعيش فيها أسماك السلمون، بل إنها تمثل حماية من الفيضانات.”

والآن وصل ذكر السلمون البري في يد بوك إلى وجهته، ولكن بدلا من إضاعة الجهد في البحث عن زوجة له داخل رافد مائي صغير، فإنه يرقد الآن داخل حوض من البلاستيك.

ويدون مزارعو الأسماك آخر البيانات بسرعة، ويضعون السمكة الذكر في محطة للتكاثر حيث يختارون له زوجة مناسبة بناء على نتيجة التحليل الجيني.

ويعتقد الخبراء بأن بدون المساعدة البشرية، فإن عددا قليلا فقط من الأسماك سيتمكن بمفرده من العثور على زوجات في قاع النهر الحافل بالحصى.

16