جهود العمل الإنساني تتعثر في الوصول إلى المحتاجين

مع تواصل الاشتباكات في السودان رغم إعلانات الهدنة المتكررة، يفر السودانيون مذعورين من القتل دون زاد ليجدوا أهالي المحافظات الجنوبية في انتظارهم لمساعدتهم بالطعام والماء رغم قسوة الظروف الاقتصادية وتعثر الجهود الإنسانية في الوصول إلى المناطق المتضررة ومساعدة المحتاجين.
الجزيرة (السودان) - على الطريق الذي يربط الخرطوم بالمحافظات الجنوبية يقف سودانيون من مناطق مختلفة، يقدّمون الغذاء والماء للنازحين من العاصمة، وذلك رغم النقص في الموارد والنقد وتعثر جهود العمل الإنساني، لاسيما الوصول إلى المناطق المتضررة لمساعدة المحتاجين في بلد كان ثلث سكانه يعانون من الجوع أساسا قبل الحرب.
وقالت الأمم المتحدة إن الصراع في السودان أجبر نحو 100 ألف شخص على الفرار إلى بلدان مجاورة وعرقل توصيل المساعدات في بلد يعتمد ثلث سكانه بالفعل على المساعدات الإنسانية. ولا يتوقّف عبور السيارات المحمّلة بأشخاص مذعورين وجائعين وعطشانين، بينما يخرج الأهالي بالسخاء السوداني المعروف، أكوابا وأطباقا يقدمونها للفارين من جحيم المعارك.
وفي ولاية الجزيرة، وعلى الطريق السريع قبالة قرية الدوينيب على بعد 130 كيلومترا جنوب الخرطوم، يلوّح أبوبكر حسين ورفاقه بأيديهم للسيارات ويقدمون للنازحين أكوابا من الماء في محاولة لتلطيف درجة الحرارة التي تقترب من 40 درجة مئوية.
ويشير حسين إلى كوخ صغير أقيم على الطريق وينادي على المارة "الطعام جاهز.. انزلوا لن تتأخروا". ويقول حسين "مع بداية الحرب في الخرطوم وهروب الناس منها، توقعنا أنهم خرجوا من دون أن يحملوا شيئا، جاء بعض السكان بالطعام من منازلهم. ثم صرنا نجمع تبرعات من أهل القرية ونشتري المواد الغذائية ونصنع الطعام بأنفسنا".
وتسود حال من الفوضى في العاصمة السودانية منذ أن اندلعت المعارك في 15 أبريل بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي". وأسفرت المعارك في الخرطوم ومناطق أخرى أبرزها دارفور في الغرب عن مقتل 700 شخص على الأقل وإصابة الآلاف بجروح، بحسب تقارير، ويُعتقد أن هذه الأرقام أقلّ بكثير من الواقع.
وأفادت منظمة الهجرة الدولية بأن ما يقرب من 450 ألف مدني فرّوا من ديارهم بسبب المعارك، من بينهم أكثر من 115 ألفًا لجأوا إلى بلدان مجاورة. كذلك هرب السجناء من ثلاثة سجون على الأقل في الخرطوم وتعرضت المستشفيات للقصف وانتشرت أعمال النهب في غياب الشرطة.
وأكدّت الأمم المتحدة نهب "17 ألف طن من المواد الغذائية" من أصل 80 ألفا من مخزون برنامج الأغذية العالمي التابع لها والذي "لا يزال يحاول تحديد ما تبقى" من موارده. وقال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الخميس إن منتجات غذائية مخصصة للمحتاجين في السودان تقدر قيمتها بما يتراوح بين 13 و14 مليون دولار تعرضت للنهب منذ اندلاع القتال الشهر الماضي.
وقال إيدي رو مدير البرنامج في السودان من بورتسودان عبر اتصال مرئي، إن النهب في البلاد متفشّ وإن بعض التقارير عن سرقة إمدادات برنامج الأغذية العالمي ما زالت قيد التحقيق. وأضاف “قدرنا أن نحو 17 ألف طن تعرضت للنهب، بعضها في مستودعاتنا والبعض الآخر من شاحنات (..) وهذا يعادل ما بين 13 إلى 14 مليون دولار، في صورة كلفة الطعام فحسب. نتلقى كل يوم تقريبا تقارير عن عمليات نهب أخرى".
وتأتي تصريحات رو غداة مناشدة مارتن غريفيث وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، طرفي الصراع في السودان على التعهد بتوفير عبور آمن للمساعدات الإنسانية والموظفين.
ويقول الباحث في جامعة غوتنبرغ علي فيرجي إن "بعض عمليات النهب على الأقل مدفوعة بواقع أن المقاتلين يحتاجون إلى الطعام". ويضيف “وردت تقارير كثيرة عن أفراد من قوات الدعم السريع دخلوا منازلهم لتناول الطعام". ويوضح أن قيادة قوات الدعم السريع طلبت على ما يبدو "من عناصرها ضمنيا أو بشكل صريح أن يدبّروا أنفسهم للحصول على الطعام من دون انتظار دعم لوجيستي منظّم".
وعلى الرغم من تضاعف أسعار المواد الغذائية في ولاية الجزيرة، بحسب المجلس النرويجي للاجئين، يواصل المتطوعون تقديم المساعدات للنازحين على الطرقات، رغم أن القتال يعرقل جهود العمل الإنساني لاسيما الوصول إلى المناطق المتضررة لمساعدة المحتاجين.
وكان ثلث سكان السودان البالغ عددهم 45 مليون نسمة تقريبا، يعانون من الجوع ويحتاجون إلى الإغاثة الإنسانية قبل هذه الحرب. ويرجّح أن ترتفع هذه النسبة خصوصا مع النقص الفادح في الغذاء والماء والكهرباء والنقد.
إلى شمال الخرطوم، يقول ميرغني حسن الذي غادر مع أسرته منطقة بحري متجها إلى مدينة عطبرة على بعد 350 كيلومترا شمال العاصمة "يصرّ أهل كل قرية نتوقف فيها على تزويدنا بالطعام والماء والعصير، حتى لو كانت المسافة بين القريتين لا تزيد عن كيلومتر واحد".
ويؤكد محمد عيسى سائق حافلة لنقل النازحين من العاصمة إلى ولايات مختلفة ذلك "في ولايات النيل الأبيض وسنار والقضارف والشمالية والبحر الأحمر وكردفان.. هذا مشهد رأيته في كل الطرقات".
ويتوقع أن تزيد الحاجة إلى المساعدات في أشهر الصيف حيث يبلغ سوء التغذية ذروته في بلد متضرّر بشدة من تغيّر المناخ والفيضانات التي أدت إلى ظهور أوبئة مثل الملاريا. وفي ظلّ تعطّل عمل المصارف والتطبيقات المصرفية وخدمات تحويل الأموال، تواجه منظمات الإغاثة والعمل الإنساني، بحسب ما يقول كارل شمبري من المجلس النرويجي للاجئين "مشكلة لوجيستية ضخمة".