جهود أميركية فاشلة لنيل الاستقلالية في مجال الطاقة

واشنطن – تمثل أزمة الطاقة مشكلة حقيقية للولايات المتحدة، فيما يسعى الرئيس الأميركي جو بايدن لإيجاد الحلول وعينه على الانتخابات النصفية القادمة.
ويقول الكاتب روبن ميلز إن الولايات المتحدة تسعى لـ”الاستقلالية في مجال الطاقة” ناهيك عن “الهيمنة عليها” طويلا، موضحا أن بايدن وجد نفسه “مثل الرؤساء من قبله” في موقف مناشدة لدول أوبك أولا، ثم التعبير عن الغضب من قراراتها بشأن إنتاج النفط. لكن سياسة النفط الأميركية الجديدة الأكثر نشاطا تهدد بإحداث تغيرات عميقة.
وقرر اجتماع مجموعة أوبك+ لكبار مصدري النفط في فيينا في الخامس من أكتوبر خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا، وهو ما سيصل إلى حوالي 900 ألف برميل يوميا من التخفيضات الحقيقية. ويأتي ذلك في أعقاب خفض قدره 100 ألف برميل يوميا في الشهر السابق، والذي جاء بعد أشهر من الزيادات المطردة مع انتعاش الاستهلاك بعد الجائحة.
ويؤكد الكاتب أن المجموعة مصابة بالقلق إزاء الطلب والاقتصاد العالمي، نظرا إلى ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة والتباطؤ الاقتصادي في الصين.
وانخفضت أسعار النفط بشكل حاد من نحو 124 دولارا للبرميل في شهر يونيو إلى 84 دولارا قبيل الاجتماع.
ومارست الولايات المتحدة الضغوطات لوقف تخفيض الإنتاج، وأرادت احتواء الأسعار والتضخم قبل انتخابات التجديد النصفي الحاسمة في الثامن من نوفمبر المقبل، وقالت إن الأسواق لا تزال متوترة وأنه كان من الممكن تأجيل القرار لمدة شهر للسماح بتخفيف أثر الحظر الأوروبي على واردات النفط الروسية.
ويشير الكاتب إلى أن مناشدات إدارة بايدن ذهبت أدراج الرياح.
ويبين أن “ثورة الصخر الزيتي” في الولايات المتحدة، التي أطلقت منذ عام 2010 العنان لمليارات البراميل من النفط وتريليونات الأقدام المكعبة من الغاز التي كان يتعذر الوصول إليها حتى الآن، تشير إلى توقعات متهورة بأن الولايات المتحدة لم تعد في حاجة إلى دول الخليج. ونتيجة لذلك اعتقدت واشنطن أنها تستطيع خفض وجودها العسكري والدبلوماسي هناك في “محور آسيا”.
ويضيف الكاتب أنه “كما كان الحال منذ مشروع ريتشارد نيكسون لاستقلالية الطاقة، رأت الولايات المتحدة أمن الطاقة في الاكتفاء الذاتي. وحذر خبراء الطاقة مرارا وتكرارا من أن البلاد لا تزال مرتبطة بالسوق العالمية، ولكن بعد عقد من الحروب العقيمة في الشرق الأوسط، سعى الرؤساء لإدارة السياسة الخارجية بثمن بخس من خلال الاستعانة بمصادر خارجية لأعمال الطاقة”.
وشهدت فترة ولاية باراك أوباما ارتفاعا كبيرا في إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة، كما أنه رفع الحظر المفروض منذ فترة طويلة على صادرات النفط الخام الأميركية، ليخفف من ارتفاع الأسعار العالمية.
ويقول الكاتب إن ذلك مكن من فرض عقوبات صارمة على إيران سعيا للتوصل إلى اتفاق نووي، وغطى خسارة الإنتاج الليبي أثناء وبعد الإطاحة بمعمر القذافي في عام 2011.
ويضيف ميلز أن المنتجين الخليجيين لم يستطيعوا منافسة النفط الصخري مما مهد الطريق لانهيار أسعار النفط في أواخر عام 2014، ثم تشكيل تحالف أوبك+ مع روسيا وغيرها من المنتجين المهمين من خارج أوبك في أواخر عام 2016، ورأت المملكة العربية السعودية أن أوبك لا يمكنها محاربة النفط الصخري وروسيا في نفس الوقت.
واستطاع دونالد ترامب وفق الكاتب قضاء فترة رئاسته بأسعار معتدلة، وضغط على دول الخليج لزيادة الإنتاج لدعم تجديد العقوبات على إيران، لكنه ناورها في نوفمبر 2018 بإعفاءات أدت إلى انخفاض الأسعار.
ويستطرد الكاتب “لقد حصل العكس عندما انهارت أسعار النفط في وقت مبكر من الجائحة، وألقى ترامب بثقله وراء اتفاق إنتاج متجدد في مكالمات مع فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بهدف إنقاذ الصناعة المحلية في الولايات المتحدة”.
ويبيّن الكاتب أن ثورة النفط الصخري قد عفا عليها الزمن، حيث يفضل المستثمرون الأموال على النمو، وسوف يستمر إنتاج النفط الأميركي في الارتفاع لعدة سنوات، ولكن ليس بالسرعة الكافية لتلبية توسع الطلب العالمي أو التسبب في انهيار الأسعار.
وتلقي شركات النفط باللوم على عاتق الديمقراطيين لخلق بيئة استثمارية غير ميسرة، حيث يؤكد الكاتب أن “أيا من الأمور الملموسة التي قام بها بايدن لن يكون له أي تأثير كبير على مستوى الإنتاج على المدى القريب. ومع ذلك، وبسبب القيود المفروضة على جدول أعمال حزبه البيئية، من غير المرجح أن يغير بايدن خطابه بما يكفي لتشجيع المزيد من النشاط من عمالقة النفط في تكساس أو داعميهم في وول ستريت”.
ويضيف أن “الولايات المتحدة لا تزال مصدرا مهما للنفط، كما لم تكن منذ أواخر 1940″، لكنها وفق الكاتب فقدت دور المنتج المتأرجح الذي شغلته لعقد من الزمن من عام 2010. ويشير إلى أن أسعار النفط المرتفعة جيدة للاقتصاد الأميركي بشكل إجمالي، وخاصة للمستثمرين. ولكنها ضارة بالنسبة إلى المستهلكين، والتضخم، ولغالبية الولايات التي ليست منتجة رئيسية، والتي يصوت أغلبها للديمقراطيين أو قادرة على المنافسة في الانتخابات.
ويضيف ميلز أن الإدارة الأميركية ردت بغضب على خفض الإنتاج، وألقت باللوم على السعودية. وأشارت واشنطن إلى المخاطر التي تهدد الاقتصاد العالمي، وإلى الدفعة التي تلقتها روسيا، والتي من شأنها مساعدتها على مواصلة حربها في أوكرانيا.
واشنطن اعتقدت أنها تستطيع التخلي عن نفط الخليج فخفضت وجودها العسكري والدبلوماسي هناك وفي شرق آسيا
ويقول “إنه على النقيض من ذلك، دافعت الرياض عن موقفها وحظيت في نهاية المطاف بدعم الإمارات والبحرين وعمان والعراق، وأشارت إلى المخاوف بشأن الطلب على النفط وانخفاض مستويات الطاقة الفائضة. وقال وزير خارجيتها إن القرار صدر بالإجماع (كما هو حال قرارات أوبك) وكان القرار ‘اقتصاديا بحتا’ وهدف إلى الحد من تقلبات الأسعار”. ويؤكد الكاتب أن هناك بعض الشكوك في أن السعودية تفضل الآن ارتفاع أسعار النفط لتمويل تنويعها الاقتصادي، مثل مدينة نيوم الجديدة التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، على الرغم من أن بنك الاستثمار المحلي (الراجحي) يرى أنه سيخصص ميزانية للعام المقبل عند حوالي 76 دولارا للبرميل.
وسيعتمد البيت الأبيض وفق الكاتب على الطرق القديمة، ويجرب بعض الطرق الجديدة، فقد استخدم بايدن الاحتياطي البترولي الإستراتيجي (أس.آر.بي) أكبر بكثير من أي رئيس سابق، كآلية للحد من ارتفاع الأسعار.
وقال إن “الفكرة المجنونة بحظر صادرات النفط الأميركية صدرت مرة أخرى”، مضيفا أن “تجديد الاتفاق النووي الإيراني، الذي من شأنه أن يعيد صادرات النفط الإيرانية، يبدو أنه غير مطروح على الطاولة في الوقت الحالي”.
وتابع الكاتب “إنه بخلاف نفوذ الولايات المتحدة الرئيسي على أوبك+ وتحديدا المملكة العربية السعودية، يكمن خارج مجال الطاقة في رفض مبيعات الأسلحة وتوفير الدفاع. وإذا كانت واشنطن مهيمنة على الطاقة في أي وقت مضى، فيتعين عليها التكيف مع العودة إلى تقديم الطاقة”.
وختم ميلز قائلا “الولايات المتحدة تمتلك أدوات أخرى للسياسة الخارجية، ويحتاج منتجو النفط الخليجيون إلى توخي الحذر حول كيفية استخدام واشنطن الغاضبة لتلك الأدوات”.