جهاز مكافحة الإرهاب العراقي مكسب تسعى الميليشيات الإيرانية إلى اختراقه

تعكس التعيينات المشبوهة الأخيرة في قيادة جهاز مكافحة الإرهاب العراقي مساعي لتسييسه واختراقه بل وإفساده. وتبدو الميليشيات الإيرانية وأجنحتها السياسية في العراق وراء هذه العملية.
بغداد - يعتبر جهاز مكافحة الإرهاب القوة الشريكة الأكثر نجاحاً للولايات المتحدة في العراق، ولهذا السبب تحاول الميليشيات المدعومة من إيران اختراقه وإفساده.
وإذا نفذت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب القادمة أحدث الخطط التي طرحتها اللجنة العسكرية العليا الأميركية – العراقية، فستسحب واشنطن قواتها من بعض القواعد العراقية بحلول سبتمبر 2025، ثم تتحول العلاقات العسكرية إلى شراكة أمنية ثنائية كاملة أي دون غطاء التحالف بحلول عام 2026.
وسيفرض ذلك المزيد من الضغوط على قوات الأمن العراقية لمنع عودة ظهور تنظيم داعش، وخاصة على جهاز مكافحة الإرهاب، الذي يبلغ قوامه 14,000 عنصر ويُعد أفضل إنجاز في التاريخ المضطرب للولايات المتحدة من الجهود المكلفة وغير الناجحة في الغالب لتعزيز قدرات الشركاء في الجيش في مرحلة ما بعد صدام حسين.
ولكن للأسف، أظهر جهاز مكافحة الإرهاب علامات على الخضوع لنفس الاختراقات التي تنفذها الميليشيات المدعومة من إيران، والتسييس، والفساد الذي أضعف قوات عراقية أخرى.
ويقول مايكل نايتس، وهو زميل برنشتاين في معهد واشنطن إنه مع أن الولايات المتحدة تتمتع بنفوذ كبير في هذا الشأن بفضل تمويلها السخي وغيره من أشكال الدعم لـقوات مكافحة الإرهاب، لكن يجب عليها أن تتحرك بسرعة لوقف التدهور واستعادة تأثيرها على شريكها الأقرب في مكافحة الإرهاب في العراق.
وتُعد الوقاية الخيار الوحيد المتاح أمام الولايات المتحدة لتجنب انهيار أمني جديد، خاصةً مع احتمال عدم استعداد واشنطن لإعادة نشر قواتها في العراق لتدخل آخر في حال فشل جهاز مكافحة الإرهاب وعودة تنظيم داعش.
نجاح نادر
تم تحويل وجهة ذخيرة مخصصة لجهاز مكافحة الإرهاب حيث يتم بيعها أو إعطاؤها للميليشيات التابعة للحشد الشعبي
يُعرف جهاز مكافحة الإرهاب في العراق باسم “الفرقة الذهبية”، وأصبح نموذجاً للوطنية متعددة الأعراق والطوائف على مر السنين. وعندما انهارت ثلث قوات الجيش والشرطة الاتحادية في يونيو 2014، قاد جهاز مكافحة الإرهاب الهجمات المضادة في تكريت وبيجي والرمادي، وصولاً إلى الموصل في النهاية.
وقد استمرت قوة الجهاز في القتال بسبب الصحة الأساسية لمفهومها وتجنيدها وقيادتها وتدريبها بتوجيه الولايات المتحدة. وعلى وجه الخصوص، كان حجمها الصغير يعني أن الاختيار والتدريب يمكن أن يطبقا معايير صارمة مماثلة لتلك المستخدمة في تجنيد قوات العمليات الخاصة الأميركية. وعلى سبيل المثال، خلال قبول دفعة مايو 2008 لـجهاز مكافحة الإرهاب، تخرج 18 في المئة فقط من بين 2,200 متقدم.
كما أدى الحجم الصغير للقوة إلى حصولها على رواتب وظروف معيشية ومعدات أفضل بكثير من القوات الأخرى. ومع رواتب تقارب ضعف رواتب الجنود العاديين للجيش العراقي، ومعدات مطابقة تقريباً لتلك التي تملكها القوات الخاصة الأميركية، تمكن جهاز مكافحة الإرهاب من تطوير روح معنوية عالية والاحتفاظ بأفضل الكفاءات، شملت العديد من أفضل الضباط في البلاد. وكونه فريداً من نوعه بين القوات العراقية، طور جهاز مكافحة الإرهاب، كادرا قويا من ضباط الصف.
وفي ساحة المعركة، قام الجهاز بعمليات مكافحة الإرهاب على نطاق صناعي لمدة سبع سنوات تقريباً، بوتيرة مرهقة لا تضاهيها أي قوة عمليات خاصة أخرى في العالم.
وبحلول الوقت الذي أكملت فيه الولايات المتحدة انسحابها في عام 2011، تطورت الوحدة إلى آلة دقيقة لمكافحة الإرهاب وعززت سمعتها كواحدة من أفضل الوحدات من نوعها في الشرق الأوسط. وأكدت لاحقاً هذه المكانة في الصراع ضد تنظيم داعش. وقبل الموازنة الأميركية الأخيرة كان جهاز مكافحة الإرهاب يتلقى 22 مليون دولار سنوياً من واشنطن – وهو أكبر استثمار أميركي للفرد في أي وكالة أمنية عراقية.
الميليشيات

من المؤكد أن جهاز مكافحة الإرهاب شهد فترات مضطربة من قبل. فخلال فترة رئيس الوزراء نوري المالكي، على سبيل المثال، كان الجهاز فاسداً سياسياً إلى الحد الذي بدأ فيه العراقيون يطلقون عليه “اللواء القذر”. وفي ذلك الوقت، بدأ التدهور من القمة، وقد عادت هذه الظاهرة إلى البروز خلال الانزلاق الحالي الذي دام عاماً.
وفي أكتوبر وديسمبر 2023 تم تطهير القيادة العليا التي قادت جهاز مكافحة الإرهاب ضد تنظيم داعش بالكامل تقريبا. فقد تم إبعاد القائد عبدالوهاب السعدي في نوفمبر من ذلك العام واستبداله بمحارب قديم آخر في جهاز مكافحة الإرهاب هو كريم التميمي. كما تم استبدال قائد العمليات ذي النجمتين في القوة وجميع قادة الألوية الثلاثة في قوات العمليات الخاصة العراقية.
وعلى الرغم من أن جهاز مكافحة الإرهاب لم يكن مثالياً أبداً، إلا أنه كان أقل فسادا بكثير من معظم قوات الأمن العراقية، ولكن يبدو أن ذلك يتغير بسرعة منذ التعديلات القيادية في العام الماضي.
وعلى سبيل المثال، تشير جهات اتصال مختلفة إلى أنه تم تحويل الذخيرة التي قدمتها الولايات المتحدة من موقع تدريب “المنطقة الرابعة” للوحدة إلى مواقع عسكرية أخرى مثل بسماية، حيث يتم بيعها أو إعطاؤها لوحدات الميليشيات التابعة لـقوات الحشد الشعبي – وهي ممارسة تحظرها صراحة اتفاقيات المستخدم النهائي بين الولايات المتحدة والعراق.
وتشمل عملية التحويل شحنة واحدة على الأقل وربما شحنتين كبيرتين، تحتويان على 150 ألف طلقة من عيار 5.56 ملم و12.7 ملم، كل شحنة منها بقيمة سوقية تُقدر بـ 75 ألف دولار. ومن المفترض أن يستخدم جهاز مكافحة الإرهاب هذه الذخيرة الممولة من دافعي الضرائب الأميركيين لإجراء تدريبات بالذخيرة الحية على نطاق مماثل للقوات الخاصة الأميركية. وبدلاً من ذلك، ساهم التحويل في تدهور تدريب جهاز مكافحة الإرهاب حتى مع استمرار واشنطن في دفع فاتورة الذخيرة ــ بما يصل إلى 2.59 مليون دولار في موازنة العمليات الخارجية للعام المالي 2025.
جهاز مكافحة الإرهاب يعتبر أحد أكثر الجهود فعالية من حيث التكلفة التي دعمتها الولايات المتحدة في العراق
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن (الجماعات) المصنفة على قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية مثل الميليشيات المدعومة من إيران كـ”كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق” كانت تخترق جهاز مكافحة الإرهاب.
وفي العام الماضي، اعترضت واشنطن على تولي ضابط منصب رئيس الاستخبارات الجديد لـجهاز مكافحة الإرهاب بسبب علاقاته العائلية الوثيقة مع مثل هذه الميليشيات. ولكن رداً على ذلك، تم تعيينه مديراً جديداً لمكافحة التجسس في جهاز مكافحة الإرهاب – وهو المنصب الذي تم إنشاؤه لغرض صريح يتمثل في إبعاد الجماعات المدعومة من إيران، وغيرها التي تشكل مخاطر أمنية عن الخدمة.
ومنَحَ جهاز مكافحة الإرهاب شركة “مناهل الخليج” المملوكة لـكتائب حزب الله 12 مليون دولار من موازنته لعام 2023، مما يعني أن الحكومة الأميركية موّلت عن غير قصد جماعة محددة من قبلها كإرهابية من خلال الدعم المالي العام لـجهاز مكافحة الإرهاب.
وفي فبراير ومارس 2024، درَّب جهاز مكافحة الإرهاب مجموعة من النخبة من أفراد قوات الحشد الشعبي على حماية القوة وتكتيكات الوحدات الصغيرة التي تعلموها في الأصل من الجيش الأميركي، مما قد يعرض للخطر فعالية وسلامة أي عمليات مستقبلية للقوات الخاصة الأميركية ضد شبكة التهديد الإيرانية.
وفي حالة واحدة على الأقل في عام 2024، جمع جهاز مكافحة الإرهاب أدوات من موقع إطلاق طائرة مسيّرة تابعة لجماعة إرهابية ضد قاعدة أميركية ثم اختفت هذه الأدوات قبل أن تتمكن السلطات الأميركية من الحصول على بيانات بيومترية منها.
جهاز مكافحة الإرهاب منَحَ شركة "مناهل الخليج" المملوكة لـكتائب حزب الله 12 مليون دولار من موازنته لعام 2023
وعلى نحو مماثل، تتعرض عملية التجنيد لـجهاز مكافحة الإرهاب – التي كانت ذات مرة نموذجاً للجدارة غير الطائفية – للخطر بسرعة.
وكان من المفترض أن يتم اختيار أكثر من 3000 مجند جديد من قوات جهاز مكافحة الإرهاب في عام 2024 بالقرعة كالمعتاد؛ وعادة ما يتم اختيار المتقدمين المجهولين عبر الإنترنت عشوائياً ثم يُطلب منهم إحضار أرقام تذاكرهم الفريدة عند وصولهم للتدريب. ولكن هذا العام، كان عدد الوافدين الذين حصلوا على التذاكر 750 فقط، في حين تم اختيار 2250 منهم مسبقاً من قبل الميليشيات الشيعية، والجماعات الإرهابية، والفصائل المرتبطة بها.
وقد تم سابقاً تقديم هذه الأسماء البالغ عددها 2250 اسماً إلى عبدالكريم السوداني، سكرتير مكتب رئيس الوزراء، الذي سلمها إلى قائد جهاز مكافحة الإرهاب كريم التميمي. ويبدو أن قائمة السوداني تضمنت نحو 2000 مكان ترشّح لتجنيد أفراد من ثلاث جماعات مصنفة من قِبَل الولايات المتحدة على أنها جماعات إرهابية: “عصائب أهل الحق” (1000 مكان ترشّح)، و”كتائب حزب الله” (500)، و”كتائب سيد الشهداء” (500).
وأما الباقي فقد تم تقسيمها بين جماعات موالية لإيران مثل “منظمة بدر” و”المجلس الأعلى الإسلامي العراقي” (180)، إلى جانب جهات أخرى مرتبطة بمجموعة المظلة “الإطار التنسيقي” (70 مكان ترشّح، تم بيع العديد منها كجزء من عملية فساد).
وما لم يتم إصلاح هذه العملية المنسحقة لليانصيب، فسوف يتلقى أعضاء الجماعات الإرهابية تدريباً ممولاً من قبل الولايات المتحدة ومقدماً من قبلها في التكتيكات الحساسة للقوات الخاصة.
ويعتبر جهاز مكافحة الإرهاب أحد أكثر الجهود فعالية من حيث التكلفة التي دعمتها الولايات المتحدة في العراق. ففي الفترة ما بين عامي 2003 و2011، تلقى الجهاز نحو 450 مليون دولار ــ أقل من 2 في المئة من إجمالي 24.2 مليار دولار التي تم إنفاقها على دعم قوات الأمن بشكل عام، وهو الجزء الوحيد من هذا الجهد الذي نجح حقاً. ولا تزال الوحدة تستحق الإنقاذ اليوم على الرغم من تدهورها، ولكن يتعين على واشنطن أن تتحرك بسرعة وقوة.
ورغم أن الضغط على العراق بشأن هذه القضايا ينطوي على خطر قطع وصول الولايات المتحدة إلى جهاز مكافحة الإرهاب، فإن مثل هذا الوصول يصبح بلا شك أقل جدوى وأكثر إضراراً ــ بل وحتى غير قانوني ــ يوماً بعد يوم.