جني الكمأ في العراق موسم محفوف بالمخاطر والألغام

ينتظر العراقيون في المناطق الصحراوية موسم الكمأ فهو مصدر رزق تجود به الأرض عليهم، فيخرجون في رحلات طويلة حرمتهم منها في السنوات الأخيرة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية الذين زرعوا الألغام بدل فاكهة الرعد.
تكريت (العراق) - “كأن السماء أمطرت كمأ”، قالها رجل وسط زحام السيارات والمتسوقين الذين اتخذوا من رصيف شارع الأربعين وسط تكريت (170 كلم شمال بغداد) مكانا لعرض كميات هائلة من الكمأ بالقرب من المسجد الكبير الذي مازال يحمل اسم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
في السوق اختلطت صيحات البائعين مع أصوات المتسوقين بأحاديث عن الكمأ وأنواعه وأماكن جنيه وأسعاره حسب الحجم والنوع ووقت الجني.
والكمأ نبات فطري ينمو على شكل حبة البطاطا في بعض دول الشرق الأوسط، ومنها العراق، وتعتبر صحراء الأنبار والسماوة والنجف ووسط والبصرة والموصل وصلاح الدين، أبرز المناطق الصحراوية التي يكثر فيها، بعد موسم الأمطار والعواصف الرعدية.
ويبدأ موسم الكمأ أو فاكهة الصحراء مع البرق الأول للسماء، ويعرف أيضا ببنت الرعد وينبت في الأرض بعد موجات من العواصف المطرية والرعدية، ويعتقد أنه ينبت بسبب الرعد، ولذلك سمي بهذا الاسم، ويكثر في المناطق الصحراوية عادة وبعض الهضاب القريبة من المدن.
ويقول علي حمزة أستاذ الفطريات بكلية العلوم بجامعة تكريت إن “الكمأ ينتمي لعائلة الفطريات وينمو في الصحراء بعد سقوط الأمطار الغزيرة المصحوبة بالبرق الذي يركز النيتروجين في التربة ويؤدي إلى توفر الظروف الملائمة لنمو السبورات الموجودة في التربة أصلا”.
ويضيف أن “هناك نوعين من الكمأ، وهما الأحمر ويسمى الحراق أو الجبو، و الأبيض ويسمى شيوخ الكمأ أو الزبيدي ويصل وزنه في أحسن الأحوال إلى 250 غراما، وهناك حالات نادرة يصل فيها الكمأ إلى أكثر من كيلوغرام للكمأة الواحدة، ويعطي حوالي 200 سعرة حرارية لكل ربع كيلوغرام مع هيدروكربوهيدرات وبعض المعادن الأخرى، ويشكل الوجبة اليومية الرئيسية في معظم أنحاء العراق، لاسيما التي يكثر نموه فيها ومنها محافظة صلاح الدين”.
وينمو الكمأ في مختلف مناطق محافظة صلاح الدين ويتركز في المناطق الصحراوية منها والتي لم تحرث نهائيا، وينمو بالقرب من بعض النباتات، ويكون الكمأ أكبر إذا نبت بالقرب من نبات الشيح.
وفي سوق الكمأ الرئيسي في تكريت، يأتي المواطنون لعرض ما جنوه من الكمأ لبيعه، إما مباشرة إلى المواطنين وإما إلى وسطاء من التجار يقومون بإعادة بيعه للمواطنين بعد فرض أرباح مناسبة عليه.
ويوضح يعرب محمود التكريتي وهو بائع وسيط، أن “أسعار الكمأ شهدت انخفاضا كبيرا بسبب كثرة المعروض، حيث انخفض سعر الكيلوغرام من 40 ألف دينار في بداية الموسم أي ما يعادل 30 دولارا إلى أقل من 7 آلاف دينار (5 دولارات) للنوعية الممتازة الحمراء والكبيرة، بينما تباع الأنواع الأخرى الأقل وزنا بأسعار متدنية جدا لا تزيد أحيانا عن 3 آلاف دينار”.
والعوائل في محافظة صلاح الدين اتخذت من موسم نمو الكمأ والأجواء الربيعية مناسبة للسفرات والنزهات المقترنة بالبحث عن الكمأ لتحقيق فائدتين، هما الراحة النفسية والحصول على الكمأ.
ويقول باسم عبيد “أكون في قمة الراحة حينما أبحث عن الكمأ، إذ يبقى الفكر مشغولا بالبحث عن الشقوق التي ينمو فيها في الأرض، وأكون في غاية الفرح حينما أعثر عليه فأنسى كل شيء وأرتاح نفسيا”. والموسم الحالي في محافظة صلاح الدين خاصة والعراق عامة يعد موسما نوعيا لم يسبق له مثيل. ويذكر الحاج صالح حسين (82 عاما) أنه “لم يصادفه في عمره ولم يسمع عن موسم توفر فيه الكمأ والأجواء الممطرة والربيعية مثل هذا العام الذي يعد موسما متميزا ونادر الحدوث”.
ولم يخلُ الموسم الحالي للكمأ من الحوادث المميتة خاصة في الأماكن القريبة من تواجد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في المناطق المحاذية لمحافظة الأنبار وقرب جبال مكحول وحمرين، حيث ذهب ضحية موسم جني الكمأ لهذا العام نحو 12 شخصا من ثلاث عائلات بينهم ثلاثة أشقاء اختطفتهم عناصر من تنظيم داعش في جبال مكحول وأعدمتهم على الفور فيما قتل الباقون بعبوات ناسفة من مخلفات داعش.
ويعتمد مزارعون عراقيون على جمع الكمأ للتجارة، حيث يُباع بأسعار من شأنها أن تكون مصدر رزق جيد للكثير من العائلات، وهم أصحاب خبرة ويعلمون الأرض البكر من التي داستها الأقدام، وهذه الفئة هي التي تزوّد السوق العراقية بمختلف أنواع الكمأ.
لكن هؤلاء المزارعين يكونون عرضة لاستهداف عناصر داعش الذين ينشطون في تلك المناطق، والذين يستغلون وجود بعض سكان البلدات الذين حاربوا ضدهم، للانتقام منهم.
ويقول صالح حسين “هذا الموسم الوفير بالكمأ لا يخلو من المخاطر، فغالبية الباحثين عنه حُرموا من ممارسة هذه الهواية الممتعة منذ سيطرة عناصر تنظيم داعش على مساحة واسعة من الصحراء الغربية ولغاية اللحظة خوفا منهم ومن ألغامهم”.
وأضاف أنه قبل الحرب اعتاد على الذهاب كل يوم إلى الصحراء لمسافات طويلة بحثا عن الكمأ، لكنه منذ سنوات فضل الجلوس في المنزل لخطورة الوضع هناك.
ومن جانبه حذر العميد عدنان العبد مدير شرطة قضاء العلم شرقي تكريت المواطنين من الاقتراب من المناطق الخطرة في جبال حمرين لأنها تضم حقول ألغام عشوائية وأغلبها لم يتم رفعها، والكثير منها مجهولة الأماكن، داعيا المواطنين إلى الالتزام بتوجيهات الدوائر الأمنية الحريصة على حياتهم.
ويجازف بعض المواطنين بالذهاب إلى مناطق خطرة بحثا عن الكمأ لتوفره بكميات كبيرة لأنها عصية على الوصول إليها من قبل معظم المواطنين الذين يريدون الحفاظ على حياتهم وحياة أطفالهم.
وقال النائب في البرلمان العراقي عن محافظة الأنبار فالح العيساوي، إن ”العديد من المواطنين يذهبون إلى تلك المناطق في فصل الشتاء، لكن ما يحصل هو المغامرة والوصول إلى مناطق بعيدة جدا عن الأنظار، حيث يتعرضون لمخاطر داعش“، مطالبا قيادات العمليات بوضع خطط تمنع وصول المواطنين إلى تلك المناطق.
وقال عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الأنبار إبراهيم الفهداوي إن بعض الأهالي يتسللون إلى صحراء المحافظة رغم قرار المنع من قبل القوات الأمنية، ويخاطرون بحياتهم من أجل البحث عن الكمأ، فيما دعا الأجهزة الأمنية إلى إيجاد الحلول المناسبة لمنع تكرار جرائم الدواعش بحق المدنيين.
وأضاف “نناشد الأهالي بعدم الدخول إلى المناطق الصحراوية لكونها غير مؤمنة بشكل كامل وتتواجد فيها المجموعات الإرهابية”، مضيفا أن “حياتهم أهم من الكمأ رغم أننا ندرك أنهم يسعون إلى الحصول على بعض الأموال من خلال بيع ما يجدونه منه في الأسواق”.