جنوب لبنان في عين عاصفة التوتر بين إيران وإسرائيل

اللبنانيون يحذرون حزب الله من مغامرة غير محسوبة.
الأربعاء 2021/01/06
أي هجوم ثمنه باهظ

كثُرت تحليلات الباحثين حول احتمال تدخل حزب الله اللبناني لمساندة حليفته إيران في ظل التوتر المتصاعد مع إسرائيل، وباتت عينٌ على كيفيّة الرد وأخرى على الزمان والمكان. وبينما تدفع طهران إلى إبقاء حالة الفوضى في المنطقة، يرى البعض أن هذه الإستراتيجية غير مضمونة النتائج خصوصا في ظل توجه دولي صاعد لمواجهة الاستفزازات الإيرانية.

بيروت - على وقع تهديدات متبادلة بين إيران والولايات المتحدة، اندلعت نقاشات ساخنة حول مصير المنطقة في الفترة الانتقالية بين إدارة أميركية مقبلة وأخرى تتحضر للرحيل، مع ارتفاع منسوب احتمال تحريك إيران لأذرعها في المنطقة، وبينها جماعة حزب الله اللبنانية، من أجل مهاجمة إسرائيل.

وتتجه الأنظار نحو ردٍّ متوقّع من الجنوب اللبناني على الشمال الإسرائيلي أو العكس، لاسيّما بعد إعلان طهران على لسان قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني، علي حاجي زادة في تصريحات لقناة “المنار” التابعة لحزب الله، السبت الماضي، أن “كلّ ما تمتلكه غزة ولبنان من قدرات صاروخيّة تم بدعم إيران، وهما الخط الأمامي للمواجهة”.

ولكن يبدو أن ذلك مجرد كلام لا يمت للواقع بصلة، ففي ردّ مبطن ممزوج بالتحذير لحزب الله، قال الرئيس اللبناني ميشال عون، الأحد، إن “استقلال لبنان وسيادته والقرارات التي يتخذها هي مسؤولية اللبنانيين دون غيرهم”، ما يعني أن أي عمل استفزازي ستتحمل مسؤوليته إيران بالكامل.

فرقعة إعلامية

تلجأ إيران في كل مرة تجد فيها متنفسا إلى أسلحتها التقليدية في خلق صوت لها في المنطقة، وعمادها حزب الله والتهديد باستهداف إسرائيل وسط توقعات بتصعيد عسكري بين إيران وإسرائيل تكون سوريا ميدانه ولبنان غرفة عملياته.

ومع ذلك يقلل البعض من جدية التهديدات الإيرانية، فقد نفى وهبي قاطيشا، العميد المتقاعد في الجيش اللبناني، النائب عن كتلة القوات، أن تكون تهديدات قائد القوات الجويّة في الحرس الثوري الإيراني عسكريّة أو جديّة. وقال إن “إيران تهدّد بحزب الله، لكنّها مجرّد حرب إعلاميّة وكلاميّة”.

وهبي قاطيشا: حزب الله يعي أن أي عمل عسكري سيكون مدمّرا له وللبنان

ويعي حزب الله أن قلق المجتمع الدولي من تعطيل الديناميات السياسية في لبنان أقوى من رغبته في احتواء النفوذ الإيراني هناك. ولكن في خضم هذا السياق بإمكان ذراع إيران في لبنان المضيّ قُدما للاستفادة من الدعم الدولي لبيروت وخاصة من قبل فرنسا بهدف التحضير لخطوته المقبلة.

واعتبر مراقبون سياسيون أن التهديدات الإيرانية لإسرائيل هي مجرد تنفيس إعلامي لا أكثر، وليس هناك ما يشير إلى أن حزب الله يريد تنفيذ هجمات على إسرائيل في ذكرى مقتل سليماني، كما أن كل ما يصدر من الجانب الإسرائيلي من تهديدات هي استباقيّة وتحذيريّة في حال كان الحزب ينوي القيام بأي عمل.

ويقول قاطيشا إن حزب الله يدرك أن ردات الفعل على أي عمل عسكري ستكون مدمّرة له وللبنان، وستكون قاسية وغير متوقّعة، وأي خطوة من هذا النوع ستكلّفه. ورأى أن سياسة الإدارة الأميركيّة واحدة في حال كان الرئيس هو دونالد ترامب أو جو بايدن، ولن تتبدّل حيال إيران وأذرعها.

واستنكر مسؤولون لبنانيون ومن بينهم محمد الحجار، نائب عن كتلة المستقبل، بزعامة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، التصريحات الإيرانيّة، التي يرى أن طهران تريد من خلالها استخدام أذرعها التي أوجدتها في المنطقة العربيّة لتحسين مواقعها وإيجاد نفوذ لها.

ومن المؤكد أن قرار الحرب والسلم في لبنان لا يجب أن يكون بيد حزب الله ولا إيران، إنّما بيد الدولة، وهذا يزيد من إصرار المسؤولين على وجوب حصر السلاح بيد الدولة.

ويمتلك حزب الله أسلحة متطورة بينها صواريخ، وهو ما تنقسم حوله الأطراف اللبنانية بين مؤيّد، بدعوى “مواجهة إسرائيل” التي تحتل أراضي لبنانية، ورافض يعتبره سلاحا غير شرعي ويطالب بحصر قرار الحرب والسلم بيد الدولة.

ورغم أن اغتيال العالم محسن فخري زادة شكل ضربة قاصمة لمشروع إيران النووي، إلا أن طهران لم تتوخّ إلا سياسة التسويف والاستفزاز عبر أبواقها الإعلامية، ولم تقدم على أي خطوة قد تثير الولايات المتحدة حليفة إسرائيل.

ميزة إستراتيجية

خلال تسعينات القرن الماضي، اعتاد الإسرائيليون، خلال الحرب في جنوب لبنان، على سياسة إيرانية ثابتة تقوم على تحقيق انتصارات إعلامية كافية لتحقيق توازن ميداني على الأرض. وهذه السياسة مكنت حزب الله اللبناني، خلال “حرب تموز 2006”، من تحقيق “انتصار” معنوي ما زال يعتمد عليه إلى الآن في تهديد إسرائيل.

وحققت إيران انتصارا إعلاميا مشابها في فبراير 2018 عندما حظي إسقاط طائرة إسرائيلية من طراز “أف – 16” بتغطية إعلامية أوسع كثيرا من المعركة القصيرة التي دارت بين الجانبين، وشهدت إسقاط طائرة إيرانية من دون طيار، وتدمير قواعد عسكرية سورية ومراكز للتحكم والسيطرة وقاعدة إيرانية تحت الإنشاء قرب تدمر، في وسط سوريا.

وتحاول إسرائيل أن تحافظ على ميزة إستراتيجية أتاحت لها، منذ العام 2012، التحرك بحرّية في سماء سوريا، وانتقاء الأهداف وضربها، دون أن يثير ذلك أي رد من قبل إيران أو الجيش السوري أو القوات الروسية المتمركزة في سوريا، لكن يبدو أن “الرخصة” التي استمتعت بها إسرائيل طوال السنوات الماضية باتت على المحك.

خالد حمادة: التهديدات ليست جديّة أو واقعيّة فإيران تمر بظروف صعبة

وهناك حالة استنفار إسرائيلية كبيرة بالفعل على الجبهة الشمالية الممتدة بين لبنان وسوريا خشية إقدام طهران من خلالها على أي هجوم يستهدفها. وسجل حضور مكثف للطيران الإسرائيلي في أجواء لبنان، فيما بدا استعراض قوة لإيصال رسالة تحذيرية لاسيما لحزب الله اللبناني ذراع طهران القوية في المنطقة، من مغبة الإقدام على أي مغامرة غير محسوبة العواقب.

وتواترت تقارير محلية وأخرى غربية خلال الأسابيع الماضية بأن الطيران الحربي الإسرائيلي حلق فوق مختلف المناطق في لبنان بشكل مكثف وخاصة فوق أجواء النبطية وصولا إلى إقليم التفاح حيث نفذ غارات وهمية على علو منخفض، وصلت إلى سماء مجرى الليطاني، وقلعة الشقيف ويحمر وأرنون وكفرتبنيت والدوير والشرقية وقعقعية الجسر.

كما تم تسجيل تحليق مكثف للطيران الإسرائيلي فوق بيروت وضواحيها في نوفمبر الماضي وأيضا في أجواء صيدا وشرقها وجزين، وهو ما تكرر في مناطق حاصبيا والعرقوب، وصولا إلى مرتفعات جبل الشيخ والجولان السوري المحتل.

ولا يعتبر الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية العميد خالد حمادة التهديدات الإيرانية هذه المرة أكثر جديّة أو واقعيّة، فإيران تمر بظروف صعبة، وهي غير قادرة على الدخول في صدام مسلّح مع الولايات المتحدة، فالنتيجة غير مضمونة، وكذلك عدم الرغبة الإسرائيليّة في شنّ حملة عسكريّة محدودة في الداخل اللبناني.

وبحسب حمادة، تدمّر إسرائيل البنية التحتية الإيرانيّة في سوريا، وهذا يحصل أسبوعيا. وفي ضوء ذلك، لا يعتقد أنه ستكون هناك عمليّة عسكريّة من الأراضي اللبنانية باتجاه إسرائيل، ولاسيّما وأنّه لا يوجد أي هدف يمكن أن تحققه طهران من هذا الهجوم.

6