جنوب السودان: النفط تحت الأرض والدماء على سطحها

العالم يركز على أوكرانيا بينما يهدد الجوع جوبا.
السبت 2022/04/09
ثروات لا يستفيد منها الشعب

ما لا يعرفه الكثيرون أن دولة جنوب السودان تمتلك ثروة نفطية كبيرة، لكن ما يعرفونه بالتأكيد أن الاضطرابات الأمنية تحول منذ عقود دون الحدّ من المجازر الدموية التي تطول الشعب، وخاصة النساء اللواتي أصبحن ضحايا للعنف والانتهاك الجنسي بشكل فظيع يوميا، وبينما ينشغل العالم بأزمة أوكرانيا يوشك الناس في جوبا على الموت جوعا جرّاء التناحر وسوء توزيع الثروات.

جوبا - ينظر العديد من السياسيين ووسائل الإعلام إلى النزاع المسلح الجاري في جنوب السودان، على أنه حرب أهلية بين الجماعات العرقية المتنافسة، لكن عليهم النظر في بعض الحقائق الأساسية لتوضيح الصورة. ومن أبرز الحقائق أن هذا البلد غني بالنفط.

ويلقي العديد من السياسيين ووسائل الإعلام باللوم على الفساد المستشري باعتباره أحد الأسباب الرئيسية لظروف المعيشة غير الإنسانية في جنوب السودان، بينما يتجاهلون أن وجود الفساد ما هو إلا دليل عن وجود “مفسدين”.

وكان للنزاع المسلح في جنوب السودان عواقب مأساوية. حيث تُعتبر النساء والفتيات بمثابة “غنائم حرب”، ويتعرضن للاغتصاب الجماعي والحمل القسري والتعذيب والعبودية، بالإضافة إلى قائمة طويلة من الأعمال الوحشية، بينما البلاد على أبواب مجاعة مدمرة.

وجنوب السودان هي أحدث دولة في العالم، وُلدت سنة 2011، بعد توجيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب للنظام السوداني بزعامة عمر حسن البشير الرئيس السابع لدولة السودان تحت مسميات مختلفة من 1989 حتى 2019، عندما أطيح به في انقلاب.

وكانت هذه الدولة الفتية جزءا لا يتجزأ من السودان منذ أن وزعت الإمبراطورية البريطانية والقوى الأوروبية العالم في ما بينها خلال حقبة طويلة من الاستعمار الأوروبي استمرت من القرن الخامس عشر إلى القرن العشرين. وقد وسعت القوى الأوروبية إلى حدّ كبير انتشارها في جميع أنحاء العالم خلال تلك الفترة من خلال إنشاء مستعمرات في القارتين الأميركتين وأفريقيا وآسيا.

يوجد نفط هناك!

لا يوجد نفط

يمتلك جنوب السودان احتياطيا من النفط يمثل أكثر من 80 في المئة من إجمالي مخزون النفط في السودان، الذي كان جزءا منه حتى إعلان استقلاله في 2011.

وتحتل البلاد المرتبة الثالثة في احتياطيات النفط في أفريقيا جنوب الصحراء بإنتاج 3.5 مليار برميل سنويا. ومع ذلك، تشير التقديرات أيضا إلى أن 90 في المئة من احتياطيات الغاز والنفط لا تزال غير مستغلة.

ويضيف “في الوقت الحاضر، على الرغم من اتفاق السلام لعام 2018 وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، فإن احتكار جوبا لعائدات النفط يعرقل تسوية سياسية أوسع تحتاجها البلاد بشدة. واستنزف قادة جنوب السودان الجزء الأكبر من دولارات النفط، تاركين الكثير من السكان يعانون الافتقار إلى الخدمات الأساسية، وفي بعض أجزاء البلاد، على شفا المجاعة”.

آلان بوسويل: احتكار جوبا لعائدات النفط يعرقل التسوية السياسية

وقال آلان بوسويل من مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة مستقلة تعمل على منع الحروب وتشكيل السياسات التي من شأنها بناء عالم أكثر سلاما، في فبراير الماضي “وضع النفط الأساس لانفصال جنوب السودان

. ومنح اتفاق سلام تاريخي في 2005 جوبا نصف عائدات النفط للجنوب وضخ المليارات للحكومة الجديدة شبه المستقلة. لكن الثروة المفاجئة عرّضت استقرار البلاد لخطر كبير. وبحلول 2013، أي بعد سنتين فقط من الاستقلال، ساعد صراع النخبة على ثروات جنوب السودان النفطية في إشعال حرب جديدة ربما تسببت في مقتل 400 ألف شخص وتشريد الملايين”.

أفادت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنوب السودان في الحادي والعشرين من مارس الماضي، بأن العنف الجنسي المنتشر ضد النساء والفتيات في النزاع يؤجج الإفلات المنهجي من العقاب.

ويصف تقرير اللجنة، الذي يستند إلى مقابلات أجريت مع ضحايا وشهود على مدى عدة سنوات، “الوضع الجهنمي الذي تعاني منه النساء والفتيات”، مع اغتصاب واسع النطاق ترتكبه كل الجماعات المسلحة في كامل البلاد.

ووفقا لمفوضية الأمم المتحدة، وُضع العنف الجنسي كمكافأة واستحقاق للشباب والرجال المشاركين في النزاع. لكن الهدف هو إحداث أقصى قدر من الاضطراب في نسيج المجتمعات، بما في ذلك من خلال نزوحهم المستمر، كما يوضح التقرير.

وحسب اللجنة، غالبا ما يُستخدم الاغتصاب باعتباره “جزءا من التكتيكات العسكرية التي تتحمل مسؤوليتها الحكومة والقادة العسكريون، إما بسبب فشلهم في منع هذه الأعمال، وإما بسبب فشلهم في معاقبة المتورطين”.

معاناة المرأة

امرأة مضطهدة

في هذا الصدد، أدرج مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في دورته التاسعة والأربعين (الثامن والعشرون من فبراير – الأول من أبريل 2022)، العنف الجنسي المرتبط بالنزاع ضد النساء والفتيات في جنوب السودان في جدول أعماله.

ويعتبر العنف الجنسي ضد النساء والفتيات المرتبط بالنزاع منتشرا ومنهجيا في جميع أنحاء جنوب السودان. وأوجد الصراع المستمر في جميع أنحاء البلاد حالة خطيرة من انعدام الأمن الشديد للنساء والفتيات وقد تفاقم هذا بسبب انعدام المساءلة عن العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، كما جاء في وثيقة المجلس الموجزة.

عشرات الآلاف من السكان يعانون من الجوع الشديد في المقابل يستمر سوق النفط في لامبالاته بالوضع في جنوب السودان

وتوضح ورقة مجلس حقوق الإنسان أن العنف الجنسي في جنوب السودان قد استخدم أداة و”مكافأة واستحقاقا” للشباب والرجال المشاركين في النزاع.

وحدد التقرير أن “الهدف هو إحداث أقصى قدر من الاضطراب وتدمير نسيج المجتمعات، بما في ذلك من خلال تهجيرهم المستمر. كان لهذه الآفة أكبر الأثر على الضحايا وأسرهم ومجتمعاتهم. إذ يحدث العنف الجنسي المنتشر والمتصل بالنزاع ضد النساء والفتيات في جنوب السودان في سياق النزاع المستمر وانعدام الأمن، وعدم المساواة الجسيمة بين الجنسين، والإفلات من العقاب السائد، مما يؤدي إلى تفاقم انتشاره ويسهم في التطبيع معه”.

ويخلص التقرير إلى أن العنف الجنسي المرتبط بالنزاع في صراعات جنوب السودان يتخذ أشكالا عديدة: “الاغتصاب، الاغتصاب الجماعي، الاختطاف والاستعباد الجنسي، التعذيب الجنسي والضرب والمعاملة القاسية واللاإنسانية، الإجبار على مشاهدة العنف الجنسي، ممارسة الجنس القسري غير المحمي والحمل غير المرغوب فيه، وأشكال العنف الأخرى”.

ويضيف التقرير أن العنف الجنسي المرتبط بالنزاع في جنوب السودان قد استُخدم لتدمير النسيج الذي يربط المجتمعات، وكاستراتيجية لتهجير السكان المدنيين وترويعهم وإذلالهم. ويبقى هذا العنف الجنسي مرتبطا بالانقسامات السياسية والعرقية في قلب هذه الصراعات.

وحدد التقرير “استخدام العنف الجنسي لإذلال المعارضين وإجبارهم على مغادرة منطقة معينة، مما يجعله يلعب دورا حاسما كإحدى أدوات النزوح العرقي”.

تحدد الدراسة أن هذا العنف والإصابات الوحشية يحدثان في إطار انتشار الفقر وانعدام المساواة بين الجنسين، وهو ما ينعكس في ارتفاع معدلات العنف الجنسي والجنساني خارج النزاع، وعدم مشاركة المرأة في الحياة السياسية والعامة، وارتفاع معدلات الزواج المبكر أو الزواج القسري، وعدم وصول النساء والفتيات إلى سبل العيش، والأوضاع الصحية السيئة التي تعتبر من بين أدنى المعدلات بالنسبة إلى النساء والفتيات على مستوى العالم.

وقال التقرير: “لا يمكن عزل تجارب النساء والفتيات اللاتي تعرضن للعنف الجنسي في النزاع عن العنف السياسي الأوسع نطاقا، والذي يتضمن عادة انتهاكات وحشية يرتكبها رجال مسلحون ضد المدنيين، بما في ذلك القتل والاختطاف والتعذيب والتهجير القسري”.

ويضيف تقرير لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنوب السودان أيضا أنه “من المشين وغير المقبول تماما استخدام أجساد النساء بشكل منهجي على هذا النطاق كغنائم حرب”، كما أعلنت رئيسة لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في السودان، ياسمين سوكا.

أسوأ مجاعة

مجاعة لا توصف

ووصفت الناجيات من العنف الجنسي بالتفصيل “عمليات اغتصاب جماعي وحشية طويلة الأمد” ارتكبها عدة رجال ضدهن، وغالبا ما يُجبر أزواجهن أو آباؤهن أو أطفالهن على المشاهدة وهم عاجزون عن التدخل.

وذكر التقرير “روت النساء من جميع الأعمار تعرضهن للاغتصاب عدة مرات بينما كانت نساء أخريات يتعرضن للاغتصاب من حولهن، وقالت امرأة اغتصبها ستة رجال إنها أُجبرت حتى على إخبار مهاجميها بأن الاغتصاب كان جيدا، وهددوا باغتصابها مرة أخرى إذا رفضت”.

سكان جنوب السودان يواجهون من أجل البقاء على قيد الحياة في ذروة "موسم الجفاف" السنوي هذا العام، حيث تعاني البلاد مستويات غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي

سيواجه أكثر من 70 في المئة من سكان جنوب السودان من أجل البقاء على قيد الحياة في ذروة “موسم الجفاف” السنوي هذا العام، حيث تعاني البلاد مستويات غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي الناجم عن الصراع والتحولات المناخية والوباء وارتفاع التكاليف، حسب تحذير برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في مارس الماضي.

وقال برنامج الأغذية العالمي إنه بينما يتركز الاهتمام العالمي على أوكرانيا، فإن “حالة طوارئ الجوع الخفية” تجتاح جنوب السودان حيث يواجه حوالي 8.3 مليون شخص (بما في ذلك اللاجئون) الجوع الشديد في الأشهر المقبلة.

ومع بلوغ موسم الجفاف في هذا العام ذروته، يصبح الغذاء نادرا وتنضب المؤن، وفقا لآخر النتائج المنشورة في نظرة عامة على الاحتياجات الإنسانية لسنة 2022.

وحدد البرنامج أن عشرات الآلاف من سكان جنوب السودان يتعرضون للخطر بشكل خاص وهم يعانون بالفعل من الجوع الشديد بعد الصدمات المتتالية والمستمرة، ويمكن أن يتضوروا جوعا دون مساعدة غذائية. في المقابل يستمر سوق النفط في لامبالاته بالوضع في جنوب السودان.

7