"جند الرومان" يظهرون مجددا في مهرجان "الجم" التونسية

مدينة الجم تشهد عرضا رومانيا ومشاهد كانت تقع بالفعل على مسرحها التاريخي.
الثلاثاء 2024/04/30
خوذات الجنود قدت من نحاس

تونس ـ في فعالية أعادت الجمهور التونسي إلى قرون مضت، ظهر جند الرومان خلال يومي السبت والأحد الماضيين، في شوارع مدينة “الجم” (بولاية المهدية شرقا) ضمن الدورة السابعة للأيام الرومانية التي انتهت فعالياتها مساء الأحد.

وجاب الجنود المشاركون في المهرجان بثيابهم الرومانية التاريخية شوارع المدينة التي كانت تعرف سابقا باسم “تيسدروس”، كما كانوا يفعلون في القرن الثالث الميلادي وقبله، حتى وصولوا إلى المسرح الروماني حيث تعقد المعارك على الطراز القديم.

وعمت الجلبة المسرح الروماني بالمدينة بهتافات الجماهير المشجعة لقتال المصارعين المميت.

وانطلق مهرجان الأيام الرومانية الذي تنظمه جمعية “نحن نحب الجم” (مستقلة) السبت، بحضور وزير السياحة التونسي محمد المعز بلحسين.

وداخل حلبة المسرح الروماني بالجم شاهد الجمهور المعارك القديمة، حيث ارتدى المجالدون المتصارعون خوذاتهم التي تحجب وجوهم، وتسلحوا بسيوفهم ودروعهم الثقيلة من أجل معركة لا بد أن تنتهي بموت أحدهم.

ويعرف “المجالد” في التقاليد الرومانية القديمة بأنه المصارع الشرس الذي يخوض لعبة الموت مع أشرس الحيوانات المفترسة وأقوى المقاتلين لإمتاع الجمهور، وهو مقاتل محترف ليس لديه ما يخسره، فيقاتل داخل الحلبة قتالا حتى الموت.

"الجم" تشتهر بمسرحها الروماني أو قصر الجم، ويعود إنشاؤه إلى العهد الروماني، حيث بناه الأثرياء من سكان مدينة تيسدروس

وكان معظم المجالدين في ذلك الوقت من العبيد وأسرى الحرب الأشداء والأقوياء، الذين يتم تدريبهم داخل مدارس أشبه بسجون، على يد محترفين من الجيش الروماني.

وفي معرض حديث عن هذه الفعالية، قال رضا حفيظ مدير المهرجان للأناضول إن “الجم تعيش على وقع الحضارة الرومانية، واليوم تشهد المدينة عرضا رومانيا ومشاهد كانت تقع بالفعل على مسرحها التاريخي، مثل عرض المجالدين الرومان”.

وأضاف “كما عرضنا خلال فعاليات المهرجان تاريخ بعض الرياضات الأولمبية من خلال مشاهد تحاكي تلك الألعاب”.

ولفت حفيظ إلى أن فعاليات الأحد شهدت “تجول فيلق (وحدة عسكرية) روماني في المدينة، متجها للمسرح وسط الموسيقى العسكرية ومشيته المنسقة”.

وروى قائلا للأناضول “شهدنا خلال ذلك اليوم محاكاة لمسيرة دخول حاكم المدينة، وفعاليات الرقص والموسيقى وتوزيع الخبز والنقود على الجمهور، فضلا عن عروض المصارعين الرومان”.

وأوضح أن الهدف من هذه النشاطات “تقديم ما كان يعرض خلال القرن الثالث ميلادي في المدينة للجمهور المتواجد في الجم حاليا”.

ووفق مراسل الأناضول، بدا حاكم المدينة المشارك في الفعالية الرومانية القديمة رجلا أشقر بملابس رومانية بيضاء تصحبه زوجته، ويمتطيان عربة رومانية يجرها حصان تنتهي بهما في المسرح التاريخي لتحية الجمهور.

"قصر الجم" يعد ثالث أكبر مسرح روماني في العالم بعد مسرح "كولوسيوم روما"، ومسرح "كولوسيوم كابو" الذي يقع أيضا في مدينة الجم التونسية الساحلية

ونوه حفيظ بأن القائمين على المهرجان “عملوا كثيرا على الديكور والملابس، واستخدموا في تنفيذها النحاس والجلود لتظهر مثل تلك المستخدمة في القرون الماضية”.

وتابع “صُنعت الخوذات من النحاس الحقيقي، فيما كانت الملابس من الجلود، حيث أننا لم نعمد إلى محاكاة الأزياء الرومانية باستخدام مواد بلاستيكية”.

وتحدث حفيظ عن تأثير المهرجان في نفوس التونسيين ورغبة العديدين في اكتشاف الحياة الرومانية القديمة للمدينة، بالقول “مع الدورات السابقة للمهرجان شهدنا تسويقا إعلاميا كبيرا، وأصبح محل اهتمام التونسيين والأجانب”.

وأشار إلى أنه تمت إقامة عرض المجالدين في اليوم الثاني من أيام المهرجان “حتى يتمكن جميع الزوّار من التمتع به، لاسيما وأن المسرح لا يتسع سوى لنحو 1500 متفرج”.

ولم يكن المهرجان مقتصرا على إعادة محاكاة مشاهد من الحياة الرومانية القديمة للمدينة، بل كان فرصة لتنظيم ورشات ومعارض لصناعات تقليدية قديمة.

وأضاف حفيظ “تضمن المهرجان أيضا تنظيم ورشات لتعليم صنع الفسيفساء وتقنياتها، وصناعة مصابيح الطين، وصناعة أطواق الورود، إلى جانب الخوذة الرومانية وسك العملة والخزف”.

واعتبر أن الدورة الحالية من مهرجان “الأيام الرومانية” كانت “فرصة للحرفيين لعرض منتجاتهم التقليدية، وترويجها لفائدة رواد المهرجان”.

واستدرك قائلا “تمكن رواد المهرجان من شراء ذكرى تعيدهم إلى أمجاد الماضي، كما تدرب الأطفال على الحرف القديمة يدويا”.

Thumbnail

وتشتهر “الجم” بمسرحها الروماني أو قصر الجم، ويعود إنشاؤه إلى العهد الروماني، حيث بناه الأثرياء من سكان مدينة تيسدروس (الجم حاليا)، عام 238 ميلاديا في عهد الإمبراطور غورديان الأول (159م – 238م).

ويعد “قصر الجم” الروماني ثالث أكبر مسرح روماني في العالم بعد مسرح “كولوسيوم روما” المصنف من عجائب الدنيا السبع، ومسرح “كولوسيوم كابو” الذي يقع أيضا في مدينة الجم التونسية الساحلية.

ويطلق لفظ “كولوسيوم” على المدرجات العملاقة في الحضارة الرومانية التي تقدم فيها عروض قتال المصارعين والمسابقات الجماهيرية وصيد الحيوانات والمعارك بين السجناء والحيوانات، وإعدام السجناء والمعارك البحرية الصورية وإعادة تمثيل المعارك الشهيرة والأعمال الدرامية.

ويجمع المؤرخون والمعماريون والسياح وكل الزوار على أن المسرح الأثري العالمي الشهير بمدينة الجم التونسية التابعة لولاية المهدية، أو قصر الجم، كما يسميه البعض، هو تحفة معمارية تاريخية فريدة في منطقتها والعالم، وهو ما جعلها مدرجة على لائحة التراث العالمي لليونسكو. ويعتبر المسرح من أهم المواقع الأثرية في تونس إلى جانب مواقع أخرى على غرار الحنايا أو قناة مياه قرطاج، وجامع عقبة بن نافع بمدينة القيروان، ومائدة يوغرطة بقلعة سنان التابعة لولاية الكاف، وغيرها.

وبُني “القصر المسرح” على أرض سهلية منبسطة بمنطقة الساحل التونسي، وسط البلاد على بعد 200 كيلومتر من العاصمة باتجاه الجنوب، وأحاطت به المباني من كل الاتجاهات، فكان قلب مدينة الجم النابض ورمزها ومحورها ماضيا وحاضرا وسبب شهرتها سواء في تونس أو خارجها. ويتخذ المسرح شكلا دائريا باعتباره يضم حلبة استعراضية مخصصة للمعارك القتالية بين البشر والأسود وبين البشر فيما بينهم، كما يضم مدارج تحيط بالحلبة كان يجلس عليها المتفرجون. وتحيط بالحلبة والمدرجات جدران في شكل أقواس وغرف جانبية وممرات موزعة على طوابق، كما توجد غرف وممرات في أسفل الحلبة يتم النزول إليها من خلال مدرجات خصصت للغرض.

16