جميع الطرق تؤدي بالأصوليين إلى رئاسة إيران

طهران - سيطر المتشددون في إيران على جميع مقاليد السلطة في الجمهورية الإسلامية خلال رئاسة إبراهيم رئيسي. وعلى الرغم من وفاة رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر الشهر الماضي، فمن المتوقع أن يحافظ المتشددون على هيمنتهم مع توجه الإيرانيين إلى صناديق الاقتراع لانتخاب خليفة الرئيس المحافظ.
ووافق مجلس صيانة الدستور القوي في 9 يونيو على ستة مرشحين لخوض الانتخابات المقررة في 28 يونيو خمسة منهم من المتشددين والمحافظين وواحد فقط هو مرشح إصلاحي. وقال حميد رضا عزيزي، وهو زميل في جامعة هارفارد، “كما هو متوقع، فإن النظام الإيراني ليس على استعداد لتحمل أيّ مخاطر في الانتخابات المقبلة والسماح بسيناريو من شأنه أن يتحدى الهيمنة الموحدة للمعسكر المتشدد والمحافظ على الحكومة".
ويهيمن المتشددون منذ فترة طويلة على الهيئات الرئيسية التي يتم تعيين أعضائها بشكل مباشر من قبل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. وفي عام 2020، سيطر المتشددون على البرلمان بعد الاستبعاد الجماعي للمرشحين المعتدلين والإصلاحيين. واكتملت عملية الاستحواذ في عام 2021، عندما خاض رئيسي ما كان يُنظر إليه على أنه سباق حصان واحد ليصبح رئيسًا.
ويقول مراقبون إن الانتخابات الرئاسية المقبلة من المرجح أن تكون معركة مباشرة بين اثنين من المتشددين: رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، وسعيد جليلي، كبير المفاوضين النوويين السابق والمحافظ للغاية وممثل خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي. وقال عزيزي "هذه، مرة أخرى، انتخابات تمت هندستها بشكل كبير.. ما يريده منظمو الانتخابات هو منافسة منظمة بين الموالين".
والمتشددون الآخرون الذين يتنافسون على الرئاسة هم عمدة طهران علي رضا زاكاني؛ أمير حسين قاضي زاده هاشمي، النائب المحافظ لرئيسي؛ ومصطفى بورمحمدي، وزير الداخلية والعدل السابق المتشدد. وكان الإصلاحي الوحيد الذي وافق على خوض الانتخابات هو مسعود بيزشكيان. وقال مراقبون إن النائب ووزير الصحة السابق يشكل أقل خطر على المتشددين. وتم استبعاد المعتدلين والإصلاحيين البارزين الذين سجلوا لخوض الانتخابات، بما في ذلك رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني والنائب الأول السابق للرئيس إسحاق جهانجيري.
وقال عزيزي إن لاريجاني وجهانجيري كان لديهما "القدرة، على الأقل إلى حد ما، على تعبئة السكان وأن يصبحا مصدر إزعاج للنظام". ويقول شريف هريدي، الباحث المتخصص في الشأن الإيراني في تقرير نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إن ذلك يتماهى مع الاتجاه المتصاعد داخل النظام، والذي يسعى إلى تكريس التشدد، وتمكين جيل جديد من الأصوليين لتولي زمام الأمور، خلال المرحلة المقبلة، والتي قد تشهد اختيار المرشد الثالث، خلفاً للمرشد الحالي علي خامنئي، في ضوء تقدم عمره، وإصابته بأمراض عضال، وقد بدا هذا الاتجاه بشكل جلي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتي ترى بعض التقديرات أنها دشنت لجيل جديد من الأصوليين، على غرار نواب مجلس الشورى موسى غضنفر أبادي ومحمود نبويان وحميد رسايي، ويعتقد أنه سيكون لهذا الجيل دور كبير في التفاعلات التي ستجري في إيران خلال المرحلة المقبلة. ويرى مراقبون أن غياب مجال تنافسي نسبيا من المرشحين سيضر بنسبة إقبال الناخبين.
ومن المُرجح أن تشهد الانتخابات الرئاسية القادمة نسبة مشاركة هي الأقل في تاريخ الانتخابات الرئاسية في الجمهورية الإيرانية، وذلك بالنظر إلى أن آخر انتخابات رئاسية جرت في 2021 شهدت نسبة مشاركة هي الأقل بواقع 49 في المئة، كما أن انتخابات مجلسيْ الشورى وخبراء القيادة التي
◙ انخفاض نسبة المشاركة يدل على اتساع الهوة بين رجال الدين الحاكمين والشباب في إيران الذين يطالب الكثير منهم بحريات اجتماعية وسياسية أكبر
أُجريت، مطلع مارس الماضي، قد شهدت أيضاً أقل نسبة مُشاركة بواقع 41 في المئة، وهي سوابق ترجّح فرضية المشاركة الضعيفة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة وأنه لم يمض وقت طويل على مُشاركة المواطنين الإيرانيين في انتخابات مجلسيْ الشورى وخبراء القيادة، ومعروف أن تتابع الانتخابات في وقت قصير يُضعف مستويات المشاركة، كما أن تقديم الانتخابات الرئاسية، للظروف الاستثنائية التي شهدتها إيران بسبب وفاة رئيسي، عن موعدها المقرر في 2025، جعلها تُجرى بشكل مُنفصل عن الانتخابات المحلية، وهي الانتخابات التي أقرّ النظام في إيران في تسعينات القرن الماضي أن تُجرى بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية لضمان مُشاركة شعبية واسعة؛ وهو الأمر الذي لن يتحقق هذا المرة بسبب تقديم موعد الانتخابات؛ ما قد يُضعف المشاركة الشعبية فيها.
وقال الخبراء إن انخفاض نسبة المشاركة يدل على اتساع الهوة بين رجال الدين الحاكمين والشباب في إيران، الذين يطالب الكثير منهم بحريات اجتماعية وسياسية أكبر في الدولة الشرق أوسطية التي يبلغ عدد سكانها نحو 88 مليون نسمة. وقال محمد محبي، المعلق السياسي والأكاديمي السابق المقيم في إيران، "أشك في أن المجتمع سيعود إلى صناديق الاقتراع، وأعتقد أن الاتجاه نحو تجنب صناديق الاقتراع سيستمر".
ويرجح هريدي أن تسفر الانتخابات في إيران عن فوز رئيس أصولي، في ظل سعي النظام لملء الفراغ الذي تسبب فيه الغياب المفاجئ للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، والذي كان بنظر النظام، رئيساً مثالياً؛ إذ يريد النظام أن يأتي ببديل لا يقل مثالية عنه، خاصة في ظل المرحلة الحرجة التي تمر بها إيران، سواء في الداخل ممثلة في الملف المؤجل لاختيار المرشد الثالث وخليفة خامنئي وما قد يفرضه ذلك من تداعيات ربما تصل إلى تغيير في بنية النظام السياسي نفسه، أو في الخارج ممثلة في التعامل مع الملفات الشائكة المتعلقة بالملف النووي والمفاوضات المتعثرة بشأنه، والتصعيد مع إسرائيل، والعلاقة مع دول الجوار وما بدأ من مسار تحسين العلاقات معها، وهو ما يستدعي أن يأتي رئيس يتماهى مع البنية العميقة للنظام الإيراني ولا يكون على خلاف معها بحيث لا يكرر تجارب سابقة كان آخرها تجربة الرئيس الأسبق حسن روحاني.