"جمهورية الكلب" تلتقط التناقض الثقافي في مغامرات اندماج اللاجئين

برلين - تظلّ مشكلات اللاجئين في التأقلم مع حضارات وقوانين مختلفة هاجسا يرعبهم ويعرضهم للمخاطر في الواقع، ويضعهم أحيانا تحت طائلة المساءلة القانونية، وهو هاجس يدفع ببعض الكتاب أيضا إلى تخيّل مغامرات اللاجئين بتفاصيلها الدقيقة والبسيطة فيقدّمون لقرائهم مادة روائية دسمة وشيّقة تعرفهم على عوالم مجهولة.
بعد حوالي ثلاثين كتابا في مجالات مختلفة، من بينها عشر مجموعات شعرية وكتب في مجال السيرة والقصة والنقد الفني والدراسات الفكرية، صدرت للشاعر الكردي السوري المقيم في ألمانيا إبراهيم اليوسف روايته الثالثة “جمهورية الكلب” بعد روايتين صدرتا في السنوات الماضية “شارع الحرية” (2017) و”شنكالنامه” (2018).
وخصص اليوسف هذه الرواية لاستعراض حالة الاندماج في أوروبا، والغوص في متاهاتها، وتحديدا محاولات الاندماج التي يجربها اللاجئون هناك، إذ يكاد يستحيل ذلك لدى بعضهم، كما أنها تسهل لدى آخرين، إلا أنه أيا يكن ذلك فإن هناك تناقضا بين ثقافة اللاجئ مهما كانت هويته وثقافات دول اللجوء في أوروبا والغرب، وإن كان مسرح أحداث روايته في ألمانيا التي استقبلت مئات الآلاف من اللاجئين خلال السنوات الماضية.
المفارقة التي تعالجها رواية “جمهورية الكلب” تكمن في الموقف من عالم الكلب، إذ إننا أمام ثقافتين متناقضتين: لاجئ رافض لثقافة الانفتاح على الكلاب، واحترام حقوقها والتعامل معها بإنسانية، وابن بلد اللجوء (ألمانيا) الذي يرفض نفور ضيفه أو اللاجئ إلى دياره واشمئزازه من الكلاب، وقد التقطت الرواية هذا الاختلاف الثقافي، بل هذا التباين الشاسع الذي يصل إلى التضاد في حدود الرؤية، طالما أنّ الدخيل القادم إلى وطنه لا ينظر باحترام إلى أحد بنود الحرية الشخصية والقوانين في ما يتعلق بثقافة راسخة في الزمن.

الرواية مليئة بالذكريات ولاسيما الطفولية في ما يخص صورة الكلب التي يحملها اللاجئ معه إلى ألمانيا
على هذه المفارقة بنيت أحداث الرواية من خلال مخيلة الراوي آلان نقشبندي، الذي يسترسل أمام السيدة الألمانية بيانكا شنيدر في الحديث عن ذكرياته مع الكلاب، إذ يجد نفسه منجذبا إليها رغم ما بينهما من حدود، ورغم عدم تخليها عن كلبها الصغير والجميل “روكي”، حيث يحدثها عن قسوة التعامل مع الكلاب بقريته الكردية في الوطن، ويسترسل في سرد ذكرياته مع هذه الكائنات، كما أن كل مجموعة من كلاب هذه القرية حددت خارطتها التي تمنع كلاب الطرف الآخر من اختراق محيطها، وإن حدث مثل ذلك فإن معركة حامية الوطيس تشتعل بين كلاب هذا الطرف من القرية والطرف الآخر منها.
وجاءت الرواية مليئة بالذكريات ولاسيما الطفولية منها في ما يخص صورة الكلب التي يحملها الراوي/ اللاجئ معه إلى ألمانيا ولا يتمكن من تجاوزها رغم تغيّر البيئة والقيم الكبرى في التعامل مع الحيوانات.
إلّا أن الراوي يلبّي دعوة السيدة الألمانية الشقراء التي تعرّف عليها في إحدى الحدائق القريبة من مسكنه ويغامر بالذهاب إلى بيتها ليحتفل معها بيوم الكلب العالمي، لكن كلبين أسودين يعكران عليه صفو سهرته في بيت هذه السيدة، ويعود إلى بيته ممزق الثياب، والدم يسيل من بعض آثار عضات الكلاب وأنيابها.
وبعد هذه الزيارة بأيام قليلة تغيب السيدة، ويصل كلبها إلى منزله، من دون أن يعرف سرّ هذا اللغز، ليتفاجأ أن الكلب ينفق بعد ساعات من وصوله إلى بيته ورفض الأسرة له، ليبدأ رجال البوليس بفتح ملف نفوق الكلب وغياب السيدة، وتكون المفاجأة أكبر عندما يزج باسم الراوي في قضية كبيرة وحساسة تتعلق ببعض أسرار عائلة الألمانية الشقراء مجهولة المصير ومن بينها مخطوط يحتوي الكثير من المعلومات عن يوميات أدولف هتلر الأخيرة التي كتبها جدّ بيانكا، قبل أن ترث أمّها هذا المخطوط عن أبيها الذي كان يعمل مقربا من الزعيم الألماني في أيامه الأخيرة كمربّ لكلابه.
أحداث كثيرة ضمن خط سردي جذاب تتضمنه رواية الشاعر إبراهيم اليوسف التي تعالج فكرة مهمة ولكن من منظور مختلف مليء بالمشاهد الاستفزازية أو المثيرة التي تشد قارئ الرواية المكتوبة بلغة سردية بسيطة وممتعة.
وتقع الرواية الصادرة مؤخرا بطباعة أنيقة عن دار “خطوط وظلال” الأردنية في 360 صفحة من القطع المتوسط، ولوحة الغلاف للفنان محمد العامري.