جمال حمو آخر مصلحي أجهزة الفونوغراف في نابلس

يعتقد آخر الفلسطينيين الذين مازالوا يعملون على إصلاح آلات الفونوغراف أن عشاق نجوم الموسيقى العربية من الزمن الجميل لا يستطيعون الاستماع لتلك الأغاني إلا من خلال الأسطوانات القديمة، لذلك يواصل مهنته النادرة.
نابلس (الأراضي الفلسطينية) - يتولى جمال حمو (58 عاما) في ورشته المتداعية في مدينة نابلس القديمة شمال الضفة الغربية تصليح وبيع أجهزة أسطوانات قديمة كبيرة من القرن الماضي، وهو آخر التقنيين في هذا المجال في المدينة.
وتصدح أغنيات لكبار المطربين العرب من الزمن الجميل أمثال أم كلثوم وفريد الأطرش وعبدالحليم وناظم الغزالي وفهد بلان وغيرهم من ورشته لتصل إلى شوارع البلدة القديمة القريبة المرصوفة بالحصى في نابلس.
وجمال هو الوحيد والأخير في نابلس الذي يصلح ويبيع الأسطوانات الكبيرة لعازفين وموسيقيين عرب وهي آخر الورشات من هذا النوع في المدينة.
عدد قليل من الذين مازالوا يستمعون إلى الأغاني على أجهزة أسطوانات بصناديق خشبية عليها أبواق نحاسية كبيرة
وكما في بقية أنحاء العالم، باتت الموسيقى الرقمية هي السائدة في نابلس واختفت الأسطوانات والكاسيتات.
وامتدح حمو المطربين القدامى وقال “هم يستخرجون ما بداخلنا ويسترجعون تراثنا ويعبّرون عما يختلج في صدورنا من مشاعر، أما المغنون الجدد فلا نعرف ماذا يغنون أو ماذا يقولون”، متسائلا “كيف ستكون أغنية تصنع في وقت أقل مما يصنع فيه رغيف خبز؟”.
وتناثرت في ورشته أجهزة تسجيل صوت وأجهزة للأسطوانات التي يتولى تصليحها، ويعود تاريخ صنعها إلى حقبة ستينات القرن الماضي وسبعيناته.
حتى أن في الورشة عددا من “الغراموفونات”، وهي أجهزة أسطوانات من سنوات الأربعين بصناديق خشبية عليها أبواق نحاسية كبيرة، يهتم بها حمو لأنها “تراث قديم” رغم أن القليل ممن يحتاجونها لاستعمالها ديكورا في منازلهم، على حد قوله.
وقال “كبار السن البالغون الستين فما فوق يأتون في نهاية اليوم إلى المتجر، وعندما أشغل جهاز الأسطوانات تدمع عيونهم فرحا بسماع روائع هذا التراث القديم”.
وأخذ حمو الشغف بالموسيقى عن والده. وروى أنه “كان يغني لأنه أحب هؤلاء المطربين القدامى، وتقريبا كل فرد في عائلتي موسيقي”.
وأضاف “عندما تشغل جهاز الأسطوانات، يعود بك إلى زمن بعيد، إلى ما قبل 50 عاما، وتنسى كل الحياة المتسارعة اليوم”.
وغالبا ما يستمع حمو، كوالده، إلى أغنيات اللبنانية فيروز، وإلى المطرب المصري الكبير عبدالحليم حافظ ويحفظ كل أغانيهما.
لكنه لا يخفي أن المفضلة عنده، كما عند والده، هي الفنانة المصرية شادية التي انتشرت أغنياتها ما بين نهاية الأربعينات وثمانينات القرن الماضي.
وقال “لقد كانت تغني بكل عواطفها ومن قلبها، وكانت تحدثنا من القلب إلى أن اختفت فجأة”.
وعندما كان حمو في السابعة عشرة من عمره، بدأ يتعلم كيفية تصليح أجهزة الأسطوانات في المحل، مستمتعا بسماع أعظم الفنانين العرب من العصر الذهبي في ذلك الوقت.
وقال مازحا “لدي خبرة أكثر من الأشخاص الحاصلين على الشهادات”.
ويأتي زبائنه الذين يشقون هذه الآلات القديمة من القدس وبيت لحم وجنين وقلقيلية ومن كل أرجاء الضفة الغربية ومن الناصرة.
وأحضر حمو ابنيه اللذين يبلغ أحدهما السادسة والعشرين والثاني السابعة والعشرين إلى ورشة العائلة وحاول تعريفهما بتراث الموسيقى العربية والفلسطينية، لكنهما لم يبديا اهتماما بهذه الموسيقى وطلبا إيقافها. وروى أنهما قالا له صراحة “لا نريد الاستماع إليها”.
واحتلت إسرائيل الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة عام 1967. وتصاعد العنف في العام الماضي الذي يعتبر الأكثر دموية في الضفة الغربية منذ عام 2005، بحسب سجلات الأمم المتحدة، وكان لمدينة نابلس نصيب كبير من الأحداث العنيفة.
وشهد الشارع الذي يقع فيه محل حمو اشتباكات عنيفة خلال العام الماضي، حيث شنت القوات الإسرائيلية غارات شبه ليلية دموية على مجموعة مسلحة ناشئة تسمى “عرين الأسود” ومقرها مدينة نابلس القديمة.
وعلى أبواب المحل وُضعت ملصقات وصور مقاتلين فلسطينيين قتلوا في الأشهر الأخيرة.
وقال حمو “عندما تحصل اشتباكات، نضطر إلى إغلاق المحل بالطبع، ولكن ماذا يمكنني أن أقول؟ مازلت حيا والحمد لله، أعزف بعض الأغاني الوطنية، هذه طريقتي في المقاومة”.
ويضيف أنه سيواصل هذه المهنة إلى آخر العمر ليس لأنها مورد رزقه الوحيد، بل لأنها عشق قديم لن يستطيع التخلص منه مهما حصل.