جز الصوف في العراق عيد للرعاة

بغداد - يصر مربي الأغنام علي محمد عود على جز صوف غنمه بالطريقة التقليدية للحفاظ على التقاليد والعادات الاجتماعية وروح التعاون التي توارثها عن أبيه وجده. ويبدأ موسم جز صوف الغنم، أو ما يسمى محليا “موسم الكصاص” بداية شهر أبريل ويستمر لمدة 15 يوما، وهو تقليد قديم يتبعه الرعاة ومربو الأغنام منذ القدم للحفاظ على صحة أغنامهم خلال فصل الصيف الحار لأن بقاء الصوف قد يتسبب في هلاك الأغنام، فضلا عن الاستفادة من الصوف بصناعة السجاد وبعض الأفرشة أو بيعه.
ويسبق عملية جز الصفوف غسل الأغنام في النهر أو بركة ماء لتخليص الصوف من الشوائب التي تعلقت به خلال عام كامل، وهذه العملية لتسهيل مهمة الأشخاص الذين يقومون بجز الصوف. ويوم جز الصوف يقسم الحاضرون إلى مجموعتين الأولى ما يسمى “الكواصيص” أي الذين يجزون الصوف بمهارة، والثانية “المساعدين” الذين يجلبون الأغنام من القطيع إلى المجموعة الأولى وتوثيق أرجلها الأربع تمهيدا لجز صوفها، وبعدها يجمعون صوف الأغنام على شكل كرة ويضعونه بالمكان المخصص له.
ويجلس عود (64 عاما) بساحة حظيرة الأغنام المسورة بأسلاك حديدية، وتحت ظل شجرة زرعها قبل 40 سنة، ممسكا المقص الخاص بجز الصفوف والذي يسمى محليا بـ”الزو” ويضع أمامه إحدى النعاج مقيدة الأيدي والأرجل، ويقوم بجز صفوفها بطريقة تشير إلى براعته وإتقانه لهذه المهنة، رغم أنه يعاني من ألم في العظام، وبعد دقائق قليلة ينادي لفك قيدها وإرجاعها إلى القطيع بعد أن جز صوفها.
ويطالب عود أولاده الثلاثة وأبناء قريته، الطاقية بمحافظة صلاح الدين والتي تبعد (115 كم) شمال العاصمة بغداد، بإتقان عملية جز الصوف بالطريقة التقليدية، قائلا “هذه عاداتنا وتقاليدنا التي توارثناها عن الآباء والأجداد وعليكم الحفاظ عليها حتى لا تندثر كما اندثرت بعض العادات.” وأضاف عود لوكالة الأنباء الصينية (شينخوا) “تعلمت جز الصوف منذ كان عمري 10 سنوات من والدي، ومنذ ذلك الحين وأنا أواصل جز الصوف سنويا بهذه الطريقة من خلال استخدام الزو (المقص الخاص بجز الصوف) وليس أي أداة أخرى بجز الصوف.”
وتابع عود الذي لديه خبرة أكثر من 50 سنة بجز الصوف “من العادات التي توارثناها هو تجمع الرعاة وأصحاب الأغنام على شكل فريق ونبدأ بجز صوف أغنام جميع أهالي القرية، واحدا بعد الآخر، وهذا يولد روح التعاون والمودة ويقوي الأواصر بين الجميع.”
◙ أصحاب الأغنام يطلقون على موسم جز الصوف محليا اسم عيد "الغنامة" ويقيمون احتفالا كبيرا ووليمة لتجسيد التعاون والتضامن والتكاتف بينهم
ويبرر سبب إصراره على هذه الطقوس، بالحفاظ على التقاليد والعادات القديمة التي تكتسب معاني كثيرة وتمثل ثقافة محلية تقود إلى التكاتف والاتحاد في وجه الصعاب. لكن ستار الوادي (32 سنة) أحد سكان القرية وأحد المشاركين في جز الصوف يرى أنه لا بأس باستخدام مكائن حديثة مع الحفاظ على العادات والتقاليد والتعاون بين أصحاب الأغنام والعمل بروح الفريق الواحد.
وقال وهو يقوم بحد شفرة المقص المخصص لجز الصوف (الزو) “نحتاج إلى وقت لحد شفرة المقص، أما الماكينة الحديثة فهي أسرع وأقل ضررا على الأغنام، لأن استخدام المقص خاصة من قبل المبتدئين إذا تحركت النعجة أو الخروف سيؤدي إلى الإصابة ما يتطلب معالجتها، أما استخدام الماكينة يجنبنا كل ذلك.” وتابع “علينا أن نحافظ على العادات والتقاليد القديمة التي تغرس روح التعاون والمساعدة والألفة والمحبة بين الجميع، مع مواكبة التطور الحاصل في أدوات جز الصوف للاستفادة في عملنا.”
ويطلق الرعاة وأصحاب الأغنام على موسم جز الصوف محليا اسم عيد “الغنامة” أي عيد أصحاب الأغنام ويقيمون احتفالا كبيرا ووليمة لتجسيد التعاون والتضامن والتكاتف بينهم. وأفاد أحمد نصيف أحد المشاركين في عملية جز الصوف “كأصحاب أغنام، يعتبر موسم الكصاص (جز الصوف) عيدا لنا ونحتفل به، ونجلب عازفا على المطبق (آلة خشبية تشبه الناي) ونغني الأغاني الحماسية التي تدعو للتعاون والمحبة وهذا يشجع الجميع على سرعة أداء العمل والتباهي بين الشباب أي واحد أنجز جز النعجة أولا.”
ويتخلل عملية جز الصوف توزيع الحلوى وتقديم الشاي واللبن للمشاركين بعمليات جز الصوف، وعند الظهيرة تقام وليمة للحاضرين هي عبارة عن ذبح خروف من قبل صاحب الأغنام تقديرا لجهود من حضر لمساعدته في جز أصواف أغنامه، وفقا لنصيف.
ويتذكر عود تلك الأيام الخوالي عندما كان يملك أكثر من ألف نعجة، قائلا “كنا نقوم ببناء خيمة كبيرة إذا كانت أعداد الأغنام المراد جزها كثيرة ومن ثم نقوم بجز الأغنام وإعداد وجبات الطعام للحاضرين وتعتبر هذه المناسبة عيدا لأصحاب الأغنام.” وأضاف مبتسما “كنا نحتفل بعيد الرعاة بعدة طقوس منها إعداد الطعام، والعزف على الآلات الموسيقية التقليدية، والرقص الشعبي، وكلها تعزز من روح الوحدة والتعاون بين المشاركين في عملية جز الصوف.”