جزيرة جربة تضيف إلى معالمها السياحية مزرعة تماسيح

قد تبدو فكرة إنشاء مزرعة للتماسيح في البلاد التونسية من باب المغامرة التي يساورها الفشل؛ فهي من الحيوانات التي تنتشر في مكانها الطبيعي في دول أفريقيا جنوب الصحراء. لكن المشروع الذي انطلق منذ تسعينات القرن الماضي نجح في استقبال السياح وتصدير التماسيح إلى الدول الأخرى.
تونس ـ مع اقتراب ساعات الظهر يبدأ الزوار بالتوافد على حديقة التماسيح في جزيرة جربة للاستمتاع بلحظات التهامها للوجبات وبلحظات خروج التماسيح الصغيرة من البيض.
من وراء بناية تشبه الحصن في العصور الوسطى يسعى العاملون في مزرعة “اكتشف جربة” جنوب البلاد إلى تبديد الصورة السيئة التي تفيد بأن البلد ليس موطن تربية التماسيح، وذلك بأن يضاعفوا جهودهم حتى تصبح تونس موطنا آمنا للتماسيح ومصدرا رئيسيا في المنطقة لهذا النوع من الزواحف المبهرة.
وتعرّف تونس المزرعة الممتدة على نحو 20 ألف متر مربع بأنها مقصد سياحي مختلف في حوض البحر المتوسط ووجهة أيضا للباحثين المتخصصين.
ويقول أحد الأدلاء السياحيين في أبواب المزرعة إن “فكرة إطلاق مزرعة للتماسيح كبديل عن المحميات المنتشرة في دول أفريقيا جنوب الصحراء تعد تحديا بحد ذاته”. ويضيف قائلا لجمع من الزائرين “اليوم يمكن القول بكل فخر إن هذه المزرعة تعد الأولى في أفريقيا”.
وتأسست حديقة التماسيح عام 1992، لكن تم افتتاحها بعد عشر سنوات، وتتميز بالأحواض المكشوفة في الهواء الطلق والمليئة بالتماسيح، فيما جرى تخصيص أحواض مُغطاة بسبب التغيرات المناخية وبرودة الطقس.
ويقول هشام المحواشي الممثل الجهوي لوزارة السياحة في الجهة “تحمل المتاحف والمزارات في جربة خصوصية، ومن بينها مزرعة التماسيح التي تمثل اليوم منتوجا سياحيا فريدا”.
ويأتي التونسيون والسياح إلى جربة للاستمتاع بأشعة شمسها الذهبية وشواطئها، وزيارة الكنيس اليهودي الأقدم في أفريقيا، ولكن لا يغفل السياح عن زيارة مزرعة التماسيح.

ويقول حمد عون الله الذي يعمل دليلا سياحيا في الجزيرة السياحية “بدأت دراسة المشروع منذ عام 1998 وتم جلب صغار تماسيح النيل من جزيرة مدغشقر، لتصبح المزرعة الأكبر في شمال أفريقيا وحوض المتوسط وذات جاذبية سياحية مميزة”.
وبحسب المتخصصين وقع الاختيار على جزيرة جربة بسبب درجات حرارتها الدافئة والمناسبة لعيش التماسيح. وللحفاظ على درجات حرارة مناسبة يقوم المسؤولون في الحديقة بتسخين مياه الأحواض بدءا من شهر سبتمبر وصولا إلى نهاية فصل الشتاء.
وفي الداخل تجري مياه الأحواض الاصطناعية بين أشجار النخيل والمساحات الخضراء وسط هدوء يقابله النعاس الغالب على التماسيح المستلقية على جانب الأحواض في انتظار وجبتها اليومية.
ويتيح المشرفون على الحديقة للزائرين فرصة التنقل بين الأحواض المائية، كما بإمكان الزوار أن يشاهدوا من فوق جسور معلقة عملية تغذية التماسيح وفترات وضعها البيض أو فقسه وخروج التماسيح الصغيرة، ويسمح للسياح بالتقاط الصور التذكارية معها وحملها بين أيديهم.
وتصدر الحديقة من بين هذه التماسيح أعدادا منها إلى دول أوروبية مثل فرنسا وبلدان عربية مثل الإمارات والمغرب. وشكلت التماسيح حديثة الولادة نواة أولى لتأسيس محميتين جديدتين في فرنسا.
وبعد حوالي عقدين أصبحت في الحديقة أجيال من التماسيح، كما تم جلب السلاحف والسحالي والثعابين وحيوان الضب وأنواع أخرى من الزواحف. ويقول وليد بورقبة الذي يعمل حارسا في الحديقة “التماسيح خطرة لكنها تحمل خصوصية متفردة. لا تأكل في الشتاء ولكن في الصيف شهيتها مفتوحة”.
ويتابع بورقبة الذي بدأ العمل في الحديقة منذ افتتاحها “ترويض التماسيح يحتاج إلى صبر وفترات طويلة. لا يجب الاستهانة بهذا التدريب لأنه يتطلب الحيطة واليقظة المستمرة والإبقاء على مسافة الأمان الضرورية بين المروض والحيوانات”. وعلى عكس وليد وثلاثة مروضين آخرين لا يسمح مسؤولو الحديقة لأحد بالاقتراب من التماسيح ومداعبتها.
ويقول أحد المروضين “يعتقد الزائرون والناس عموما أن التماسيح بطيئة، غير أن هذا الأمر خاطئ. هي تمتاز بردة فعل سريعة ويمكنها السير بسرعة في مسافة تناهز 15 مترا، لهذا فإنه يتوجب الحذر الشديد ولا يجب المخاطرة بالاقتراب منها”.
ومن بين ما يحرص وليد على شرحه للزائرين دحضه للأساطير الشعبية المتناقلة حول التماسيح. ويلفت في شرحه قائلا “التماسيح تبكي فعلا لكن لا علاقة لدموعها بالمشاعر. يعود ذلك إلى أسباب فيزيولوجية تتعلق بحساسية شفراتها الشفافة في عينيها”.
