جزيرة النباتات بأسوان مقصد سياحي للطلبة في العطل

جزيرة النباتات في أسوان تعد واحدة من أجمل المقاصد السياحية في مصر، حيث يتلاقى التاريخ مع الطبيعة في أروع صورة. وسواء كان الزوار يرغبون في الاستمتاع بالطبيعة الساحرة أو دراسة التنوع البيولوجي توفر الجزيرة تجربة لا تُنسى لكل من يزور هذا المكان الفريد في قلب نهر النيل.
أسوان (مصر) - مع بداية إجازة نصف العام الدراسي يتوجه العديد من الشباب المصريين إلى الاستمتاع بوقتهم بعيدا عن ضغوط الدراسة والامتحانات. وقد اختارت العديد من الأسر المصرية قضاء إجازتها الشتوية في جنوب مصر، وتحديدا في أسوان، التي تشتهر بمناخها المعتدل وطبيعتها الساحرة.
وتعد الحديقة النباتية في أسوان، أو ما يُعرف بجزيرة النباتات، من أبرز الوجهات التي استقطبت الزوار من مختلف أنحاء البلاد. ويتمتع الزائرون هنا بالتنوع البيئي الفريد الذي توفره الجزيرة. ويمكن الوصول إلى الجزيرة في رحلة المراكب عبر نهر النيل، حيث يقع المرسى الخاص بالحديقة بالقرب من نادي التجديف، على بعد حوالي 300 متر من محطة قطارات أسوان.
وتضيف هذه الرحلة النيلية القصيرة لمسة سحرية إلى تجربة الزيارة، حيث يمكن للزائرين الاستمتاع بمناظر النيل الخلابة أثناء توجههم إلى الجزيرة.
وتأسست جزيرة النباتات في عام 1898، وتحمل تاريخا عريقا يمتد لأكثر من قرنين من الزمان، وتغطي مساحة تبلغ 18 فدانا، تكونت عبر الملايين من السنين من ترسبات طمي النيل على الصخور الغرانيتية. وتضم الجزيرة أكثر من 109 عائلات نباتية و449 جنسا نباتيا، مما يجعلها متحفا طبيعيا مفتوحا يعكس تنوعا بيولوجيا هائلا.
وقال عمرو محمود، مدير عام الحديقة النباتية، إن الجزيرة تحتوي على 27 حوضا مبلطة بالغرانيت الوردي بالكامل، وتحفها على الجانبين أشجار يتجاوز عمرها 150 عاما، تتميز بأشكالها الغريبة ذات الطبيعة الخاصة. كما توجد مجموعة من النباتات الفرعونية مثل البردي واللوتس، بالإضافة إلى نباتات الزينة والنباتات العطرية والطبية والفواكه الاستوائية. ويمكن للزائرين شراء بذور النباتات لزراعتها، حيث يقوم المسؤولون بتقديم الإرشادات اللازمة لهم عن كيفية الزراعة المنزلية وطرق الحفاظ على النبات.
وتعتبر الجزيرة مختبرا طبيعيا للباحثين، حيث تتيح دراسة قدرة النباتات على التكيف مع البيئة الصحراوية القاسية في أسوان. ومنذ عام 1928، أرسلت وزارة الزراعة بعثات علمية لجلب نباتات استوائية وشبه استوائية من مختلف أنحاء العالم وزراعتها في الجزيرة. وتتميز هذه النباتات بقدرتها على تحمل الحرارة الشديدة، ما يعكس تفاعلها الفريد مع المناخ المحلي.
وتحتوي الجزيرة على مجموعات نباتية متنوعة تُصنف وفقا لاستخداماتها الاقتصادية. فبالإضافة إلى الأشجار الخشبية عالية الجودة التي تُستخدم في الصناعات المختلفة، تضم الجزيرة أشجار فاكهة استوائية ونباتات عطرية تستخدم في التوابل والألياف والزيوت والصموغ، كما تضم الجزيرة 29 نوعا من الشجيرات المصرية التي تمثل جزءا مهما من التراث النباتي للبلاد.
ويوجد في الجزيرة متحف نباتي يعرض عينات معشبة جافة من النباتات، بالإضافة إلى ثمارها وبذورها. كما تحتوي على بنك بذور علمي يهدف إلى حفظ الثمار والبذور بطرق علمية لضمان استدامتها للأجيال القادمة. وهذا البنك يلعب دورا حيويا في الحفاظ على التنوع البيولوجي وتوفير الموارد اللازمة للبحث العلمي.
وتجذب جزيرة النباتات أكثر من 10 آلاف زائر يوميا في ذروة المواسم السياحية، كما يتم تنظيم رحلات مدرسية وطلابية كجزء من البرنامج الرئاسي “أهل مصر”، الذي يهدف إلى تعريف الطلاب بالتنوع النباتي والمعالم الطبيعية للجزيرة. وأشار مدير عام الحديقة إلى أن البرنامج ينظم رحلات طلابية للمدارس والجامعات، حيث يتم اصطحاب الطلاب وتعريفهم بالنباتات والأشجار الموجودة في الجزيرة.
وقد التفت صناع الدراما إلى أهمية الجزيرة، حيث تم تصوير عدد من الأفلام والمسلسلات فيها، مثل فيلم “إنت عمري” ومسلسل “جراند أوتيل”. وهذه الأعمال الدرامية ساهمت في زيادة شهرة الجزيرة كوجهة سياحية وثقافية، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للزوار مراقبة مواسم هجرة الطيور، وهو نشاط سياحي محبب للعديد من السائحين، مما يضفي المزيد من الجمال على تجربة الزيارة.
وتعود جذور الجزيرة إلى العصور القديمة، حيث كانت تُعرف باسم جزيرة “النطرون”، وكانت موطنا لإحدى قبائل النوبة. فبعد ترحيلهم في أواخر القرن التاسع عشر على يد اللورد كتشنر، تحولت الجزيرة إلى مقر قيادة حملة عسكرية على السودان، ثم أصبحت استراحة ملكية في عهد الملك فؤاد الأول. ومنذ ذلك الحين، تحولت إلى موقع يعكس أهمية التنوع البيولوجي ودور النباتات في حياة الإنسان.
اليوم، تتنافس جزيرة النباتات مع المعالم التاريخية القديمة مثل آثار الفراعنة في جذب السياح، حيث تحيط بها المعابد والمقابر الأثرية مثل “مقبرة الأغا خان” و”مقابر النبلاء”. والجزيرة تشكل مزيجا رائعا بين الجمال الطبيعي والتاريخ العريق، مما يجعلها وجهة مثالية للباحثين والسياح على حد سواء.