"جزيرة الكاكاو" أرخبيل أفريقي صغير ينتج شوكولاتة فاخرة بطعم "العرق"

يتوجه مستثمرون إلى الأرخبيل الأفريقي الصغير ساو تومي وبرينسيب لإنتاج الأنواع الفاخرة من الشوكولاتة على عين المكان بأيدي سكان المنطقة الذين يكابدون أثناء حصاد الكاكاو في ظروف عمل صعبة وبرواتب زهيدة، إضافة إلى ارتفاع عمالة الأطفال الذين أجبرتهم الظروف الاقتصادية على ترك مقاعد الدراسة.
ساو تومي - يفتخر المهندس الزراعي الإيطالي كلاوديو كورالو بنكهة الشوكولاتة التي ينتجها في الأرخبيل الأفريقي الصغير ساو تومي وبرينسيب، وهي واحدة من أفضل الأنواع في العالم، انطلاقاً من حبوب الكاكاو التي تُحصَد من مزارعه في جزيرة برينسيب.
لكن لا أحد ممن يتذوقون هذه الشوكولاتة يفكر في الظروف التي يُزرع ويحصد فيها الكاكاو.
كان الأرخبيل الناطق بالبرتغالية أول منتج للكاكاو في نهاية القرن التاسع عشر، غير أنه فقد كل إنتاجه تقريباً في النصف الثاني من القرن العشرين. ويسعى بعض رجال الأعمال اليوم لإحياء هذا القطاع من خلال التركيز على الشوكولاتة الفاخرة.
وأوضح الفرنسي جان ريمي مارتان الذي استحوذ قبل نحو عشر سنوات على مزرعة قديمة في ديوغو فاز في شمال جزيرة ساو تومي وأطلق مع ابنه علامة شوكولاتة تحمل الاسم نفسه أن “التركيز على الجودة هو الخيار الوحيد للبقاء”.
وعلى منحدرات بركان قديم يطل على المحيط الأطلسي، ينمو الكاكاو تحت مظلة مساحتها 420 هكتاراً في قلب الطبيعة الخصبة، بفضل نباتات أتى بها البرتغاليون في القرن الثامن عشر. وتستحيل المكننة في هذا الموقع، فيما لا تتطلب التربة الخصبة أي أسمدة أو مبيدات.
ويعيش عمال حقول الكاكاو في ظروف حياتية صعبة في الغالب، فإلى جانب شجرات الكاكاو التي يبلغ ارتفاعها مترين أو ثلاثة والتي تنمو في ظل أشجار أخرى، تقوم النساء والأطفال بكسر وإفراغ ثمرات الكاكاو، الشبيهة بحبات الكمثرى الكبيرة والتي تحتوي على حبات فول الكاكاو اللزجة.
عدد الأطفال العاملين بمزارع الكاكاو في أفريقيا زاد بـ21 في المئة خلال سنة 2020 وفق تقرير اليونيسف
وينقل الرجال حبات فول الكاكاو البيضاء إلى أحواض خشبية كبيرة لتجفيفها تحت أوراق شجر الموز. وبعد نحو اثني عشر يوما تقوم النساء بفرزها وتصنيفها تبعا لنوعيتها. وعندما تجف تماما تصبح حبات فول الكاكاو كستنائية اللون فتخزن في أكياس الخيش قبل نقلها إلى ساو تومي.
وشرح مارتان أن “زراعة الكاكاو وحدها لا يمكن أن تغطي التكاليف”. وأضاف أن “ضمان استدامة” مشروعه كان يستلزم الاستفادة “من القيمة المضافة للشجرة وصولاً إلى بيع لوح الشوكولاتة، بحيث تكون عملية تحويل المحصول داخلية” بكل مراحلها.
وقال “انتقلنا بالتالي من نظام الزراعة الأحادية الذي يحدد بموجبه المشترون العالميون أسعار الكاكاو، إلى التحكم التام بأسعارنا والاستفادة من الكاكاو الذي ننتجه ضمن سلسلة القيمة”.
وأدى ذلك إلى ترسيخ شوكولاتة “ديوغو فاز” لمكانتها على المستوى الدولي، فحصلت على عدد من الجوائز، وسمحت الأرباح المحققة من التصنيع والبيع بدعم تعزيز الإنتاج.
ويعمل اليوم نحو 250 شخصاً جميعهم تقريباً من ساو تومي في الشركة التي تسعى لتنويع إنتاجها وتكرار نموذج الكاكاو في مجالي زراعة الفواكه والفانيليا وتحويل محاصيلها إلى حلويات أو كحول.
ونجح كلاوديو كورالو في الرهان نفسه، فهذا الإيطالي من فلورنسا المتخصص في القهوة والذي يعشق أفريقيا، كان رائدًا في السعي لإنتاج كاكاو ممتاز في ساو تومي حيث استقر مطلع تسعينات القرن العشرين.
وقال “أنا لا أحب الشوكولاتة”. ومع ذلك يعترف زملاؤه في القطاع بأن الشوكولاتة التي ينتجها هي من الأفضل في العالم. وهو ركّز على اكتشاف أصل مرارة الكاكاو في مختبريه، أي مزرعته في برينسيب ومعمله في ساو تومي.
وتمثلت فلسفته في “استخدام المنتجات الطبيعية حصراً” سعياً لـ”الانسجام التام مع البيئة”.
وبمجرد أن تصبح الشوكولاتة جاهزة للتذوق “تكمن الصعوبة الرئيسية في التصدير”، لأن المتاعب اللوجستية شائعة في هذه الجزيرة الواقعة في وسط أفريقيا على مسافة أكثر من 300 كيلومتر من الساحل الغابوني للقارة.
ويبلغ ثمن لوح الشوكولاتة في الأرخبيل الصغير بعض اليوروهات، ما يجعله سلعة كمالية للسكان المحليين وأطفالهم نظرا إلى أن الحد الأدنى للرواتب لا يكفي لمتطلبات كامل الشهر.
والوسيلة الوحيدة المتوفرة للأطفال لتذوق طعم الشكولاتة هي مضغ عيدان قصب السكر أو قضم حبات فول الكاكاو المجففة، ما يترك أثر مذاق خفيف على اللسان.
ويقول الفتى جوزيه فرحا “لم أتناول الشوكولاتة مطلقا لكني أعرف مذاقها”.
وتمتد جذور إنتاج الكاكاو في تاريخ ساو تومي وبرينسيب. ففي نهاية القرن التاسع عشر كان الأرخبيل أكبر منتج في العالم، وكانت محاصيله تبلغ نحو 35 ألف طن سنوياً. ودفع المستعمر البرتغالي الآلاف من المهاجرين من الرأس الأخضر وأنغولا وموزمبيق إلى العمل في هذه المزارع في ظل ظروف صعبة للغاية.
لكن بعد الاستقلال عام 1975 “غادر البرتغاليون بخبرتهم، وفتكت الأوبئة بالكاكاو وأعادت الدولة توزيع الأراضي على الموظفين السابقين دون أي إشراف فانهار الإنتاج”، على ما روت المؤرخة ماريا نازاري سيتا من جامعة ساو تومي.
وقال رئيس جمهورية ساو تومي كارلوس فيلا نوفا “اقتصادنا كله يعتمد على الكاكاو وكل السكان مرتبطون بطريقة أو بأخرى به”.
وأضاف “باتت لدينا اليوم المهارة اللازمة التي تتيح لنا معرفة المنتج جيداً (…) وفي الاقتصاد المعولم يجب أن نعطيه قيمة مضافة. ينبغي التركيز على الجودة. وبفضل توسيع عمليات تصنيع المحاصيل، عاود القطاع النمو وأصبح مستقبله واعداً”.
ويؤكد تقرير اليونيسف للسنة الماضية بأن “عدد الأطفال العاملين بمزارع الكاكاو في أفريقيا زاد بـ21 في المئة خلال سنة 2020، وهذه النسبة مرجحة للاتساع مع استمرار إجراءات الإغلاق وانعدام الأمن الاقتصادي الذي صاحب تفشي وباء كورونا”، في حين تبقى جهود المهتمين سواء الحكوميين أو كبار مصنعي الشوكولاتة أو حتى اليونيسف محدودة في التعاطي مع المشكلة.